السؤال :
إِذَا رَأَى إِنْسَانٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في المَنَامِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَذْهَبَ إلى زَيْدٍ مِنَ النَّاسِ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ، فَهَلْ يَجِبُ عَلَى زَيْدٍ أَنْ يَمْتَثِلَ الأَمْرَ؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 10749
 2020-11-05

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولًا: رُؤْيَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في المَنَامِ عَلَى صُورَتِهِ التي وَرَدَتْ في السُّنَّةِ وَالسِّيرَةِ دَلِيلُ خَيْرٍ وَبُشْرَى لِصَاحِبِهَا، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ بِي» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَفي رِوَايَةٍ للشَّيْخَيْنِ قَالَ أَبُو قَتَادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ رَآنِي فَقَدْ رَأَى الحَقَّ».

وَفي رِوَايَةٍ للإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تَسَمَّوْا بِاسْمِي وَلَا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي، وَمَنْ رَآنِي فِي المَنَامِ فَقَدْ رَآنِي، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لاَ يَتَمَثَّلُ فِي صُورَتِي، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ».

ثانيًا: لَقَدْ حَذَّرَنَا الشَّرْعُ الشَّرِيفُ مِنَ الكَذِبِ في الرُّؤْيَا، وَنَهَى عَنْهُ، روى الإمام البخاري عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الفِرَى أَنْ يَدَّعِيَ الرَّجُلُ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ، أَوْ يُرِيَ عَيْنَهُ مَا لَمْ تَرَ، أَوْ يَقُولَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ يَقُلْ».

وَفي رِوَايَةٍ للإمام البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ تَحَلَّمَ بِحُلْمٍ لَمْ يَرَهُ كُلِّفَ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ، وَلَنْ يَفْعَلَ، وَمَنِ اسْتَمَعَ إِلَى حَدِيثِ قَوْمٍ، وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ، أَوْ يَفِرُّونَ مِنْهُ، صُبَّ فِي أُذُنِهِ الآنُكُ ـ الرَّصَاصُ الُمذَابُ ـ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَمَنْ صَوَّرَ صُورَةً عُذِّبَ، وَكُلِّفَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ».

وَيَقُولُ الإِمَامُ القُرْطُبِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: إِنَّمَا اشْتَدَّ فِيهِ الوَعِيدُ مَعَ أَنَّ الكَذِبَ في اليَقَظَةِ قَدْ يَكُونُ أَشَدَّ مَفْسَدَةً مِنْهُ، لِأَنَّ الكَذِبَ في المَنَامِ كَذِبٌ عَلَى اللهِ، أَنَّهُ أَرَاهُ مَا لَمْ يَرَهُ، وَالكَذِبُ عَلَى اللهِ تعالى أَشَدُّ مِنَ الكَذِبِ عَلَى المَخْلُوقِينَ.

ثالثًا: إِذَا رَأَى الإِنْسَانُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في المَنَامِ، وَكَانَتْ صِفَتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَمَا وَرَدَتْ في السِّيرَةِ وَالسُّنَّةِ، وَأَمَرَ بِأَمْرٍ ـ وَلَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لِنَصٍّ في الكِتَابِ وَلَا في السُّنَّةِ ـ وَجَبَ عَلَى الرَّائِي الْتِزَامُهُ، أَمَّا الغَيْرُ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَرْعًا الْتِزَامُهُ، إِلَّا إِذَا جَاءَتْ إِشَارَةٌ وَاضِحَةٌ تَدُلُّ عَلَى صِدْقِ الرَّائِي.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فلَا يَجِبُ عَلَى زَيْدٍ امْتِثَالُ الأَمْرِ، إِلَّا إِذَا أَعْطَاهُ الرَّائِي عَلَامَةً وَصَدَّقَهَا زَيْدٌ، عِنْدَهَا يَجِبُ عَلَيْهِ امْتِثَالُ الأَمْرِ. هذا، والله تعالى أعلم.