السؤال :
امْرَأَةٌ اقْتَرَفَتْ جَرِيمَةَ الزِّنَا قَبْلَ زَوَاجِهَا، وَتَابَتْ إلى اللهِ تعالى، وَتَزَوَّجَتْ، وَهِيَ الآنَ تَخَافُ مِنَ الإِنْجَابِ خَشْيَةَ أَنْ يَنْتَقِمَ اللهُ مِنْهَا بِابْنَتِهَا، فَهَلْ مِنْ حَقِّهَا أَنْ تَمْتَنِعَ عَنِ الإِنْجَابِ؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 10126
 2020-01-15

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولاً: الحَمْدُ للهِ الذي وَفَّقَهَا للتَّوْبَةِ، وَأَرْجُو اللهَ تعالى أَنْ تَكُونَ تَوْبَتُهَا صَادِقَةً نَصُوحَاً، لِأَنَّ مَا فَعَلَتْهُ جَرِيمَةٌ شَنْعَاءُ أَفْسَدَتْ فِيهِ المُجْتَمَعَ، وَلَكِنْ مِنْ تَمَامِ فَضْلِ اللهِ تعالى أَنَّهُ فَتَحَ بَابَ التَّوْبَةِ أَمَامَ الزُّنَاةِ وَغَيْرِهِمْ، فَقَالَ تعالى: ﴿وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامَاً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانَاً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلَاً صَالِحَاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورَاً رَحِيمَاً﴾.

فَإِذَا حَقَّقَتْ شُرُوطَ التَّوْبَةِ، فَإِنْ شَاءَ اللهُ تعالى تَوْبَتُهَا مَقْبُولَةٌ عِنْدَ اللهِ تعالى.

ثانياً: لِتَكُنْ عَلَى حَذَرٍ مِنْ هَتْكِ سِتْرِ اللهِ تعالى عَنْهَا بَعْدَ صِدْقِ تَوْبَتِهَا، وَذَلِكَ لِمَا روى الحاكم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَامَ بَعْدَ أَنْ رَجَمَ الْأَسْلَمِيَّ فَقَالَ: «اجْتَنِبُوا هَذِهِ الْقَاذُورَةَ الَّتِي نَهَى اللهُ عَنْهَا، فَمَنْ أَلَمَّ فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللهِ وَلْيَتُبْ إِلَى اللهِ، فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِ لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ».

ثالثاً: لِتَكُنْ هَذِهِ المَرْأَةُ عَلَى ثِقَةٍ مِنْ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾. وَحَاشَا لِرَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُعَاقِبَ عَبْدَاً بِجَرِيمَةِ غَيْرِهِ مِنْ أُصُولٍ أَو فُرُوعٍ أَو حَوَاشٍ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَيَجِبُ عَلَى هَذِهِ المَرْأَةِ صِدْقُ التَّوْبَةِ وَالإِنَابَةِ، وَإِذَا صَدَقَتْ في تَوْبَتِهَا، فَاللهُ تعالى أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، وَحَاشَا لِرَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ القَائِلِ: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعَاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾. أَنْ يُعَاقِبَ التَّائِبَ فَضْلَاً عَنْ مُعَاقَبَةِ ذُرِّيَّتِهِ، فَرَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ لَيْسَ بِظَلَّامٍ للعَبِيدِ.

وَيَجِبُ عَلَى هَذِهِ المَرْأَةِ أَنْ لَا تَقْنَطَ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ تعالى، حَتَّى لَا يَلْعَبَ بِهَا الشَّيْطَانُ، وَلَا دَاعِيَ للخَوْفِ مِنَ الإِنْجَابِ، لِأَنَّ رَبَّنَا عَزَّ وَجَلَّ عَادِلٌ لَا يَأْخُذُ أَحَدَاً بِجَرِيمَةِ غَيْرِهِ، وَلْتَذْكُرْ هَذِهِ المَرْأَةُ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافَاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلَاً سَدِيدَاً﴾.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى لَنَا وَلَهَا صِدْقَ التَّوْبَةِ وَالإِنَابَةِ، وَالذُّرِّيَّةَ الصَّالِحَةَ الطَّيِّبَةَ المُبَارَكَةَ. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.