السؤال :
إِنْسَانٌ مَرِيضٌ نَفْسِيَّاً حَاوَلَ الانْتِحَارِ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ، وَفي المَرَّةِ الأَخِيرَةِ قَتَلَ نَفْسَهُ، فَمَا حُكْمُهُ في دِينِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 10151
 2020-02-02

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولاً: الانْتِحَارُ كَبِيرَةٌ مِنَ الكَبَائِرِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمَاً * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانَاً وَظُلْمَاً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارَاً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرَاً﴾.

وروى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدَاً مُخَلَّدَاً فِيهَا أَبَدَاً، وَمَنْ تَحَسَّى سُمَّاً فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدَاً مُخَلَّدَاً فِيهَا أَبَدَاً، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ، فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدَاً مُخَلَّدَاً فِيهَا أَبَدَاً».

ثانياً: روى الإمام أحمد عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الطِّفْلِ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَبْرَأَ ـ أَوْ يَعْقِلَ ـ».

وَقَالَ العُلَمَاءُ: العَقْلُ مَنَاطُ التَّكْلِيفِ، وَكُلُّ تَكْلِيفٍ يُشْتَرَطُ لَهُ العَقْلُ، وَمِنْ فَضْلِ اللهِ تعالى عَلَى عِبَادِهِ أَنَّهُ إِذَا أَخَذَ مَا أَوْهَبَ أَسْقَطَ مَا أَوْجَبَ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَإِذَا كَانَ هَذَا المَرِيضُ نَفْسِيَّاً، وَصَلَ إلى دَرَجَةٍ لَا يَسْتَطِيعُ فِيهَا التَّمْيِيزَ وَلَا الإِدْرَاكَ، فَإِنْ شَاءَ اللهُ تعالى هُوَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ وَغَيْرُ مُؤَاخَذٍ عَلَى مَا فَعَلَ، فَيُغَسَّلُ وَيُكَفَّنُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْفَنُ في مَقَابِرِ المُسْلِمِينَ في سَائِرِ الأَحْوَالِ.

لِأَنَّ قَاتِلَ نَفْسِهِ عَمْدَاً مِنْ غَيْرِ اسْتِحْلَالٍ يُغَسَّلُ وَيُكَفَّنُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْفَنُ في مَقَابِرِ المُسْلِمِينَ، فَهَذَا مِنْ بَابِ أَوْلَى.

وَأَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يُمَتِّعَنَا بِأَبْصَارِنَا وَأَسْمَاعِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَانَا مَعَ كَمَالِ الاسْتِقَامَةِ. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.