السؤال :
امْرَأَةٌ مَاتَ زَوْجُهَا وَهِيَ في سِنِّ الصِّبَا، وَتَرْفُضُ الزَّوَاجَ طَمَعًا بِأَنْ تَكُونَ زَوْجَتَهُ في الآخِرَةِ، فَهَلْ هَذَا الفِعْلُ صَوَابٌ أَمْ خَطَأٌ؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 10198
 2020-03-07

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولاً: يَجِبُ عَلَى الإِنْسَانِ أَنْ يَعْلَمَ حَقِيقَةَ هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، مِنْ خِلَالِ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾.

وَمِنْ خِلَالِ الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الحاكم عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، عِشْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ، وَأَحْبِبْ مَنْ أَحْبَبْتَ فَإِنَّكَ مَفَارِقُهُ، وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَجْزِيٌّ بِهِ.

وَمِنْ خِلَالِ الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الحاكم عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً؟

قَالَ: «الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ، فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ صُلْبَ الدِّينِ يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى قَدْرِ دِينِهِ، فَمَنْ ثَخُنَ دِينُهُ ثَخُنَ بَلَاؤُهُ، وَمَنْ ضَعُفَ دِينُهُ ضَعُفَ بَلَاؤُهُ».

وَمِنْ خِلَالِ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا سَبَقَتْ لِلْعَبْدِ مِنَ اللهِ مَنْزِلَةٌ لَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلِهِ، ابْتَلَاهُ اللهُ فِي جَسَدِهِ أَوْ فِي مَالِهِ أَوْ فِي وَلَدِهِ، ثُمَّ صَبَّرَهُ حَتَّى يُبْلِغَهُ الْمَنْزِلَةَ الَّتِي سَبَقَتْ لَهُ مِنْهُ» رواه الإمام أحمد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ.

ثانيًا: اخْتَلَفَ العُلَمَاءُ في مَسْأَلَةِ المَرْأَةِ التي تَزَوَّجَتْ أَكْثَرَ مِنْ رَجُلٍ، لِمَنْ تَكُونُ في الآخِرَةِ؟

القَوْلُ الأَوَّلُ: أَنَّهَا لِآخِرِ أَزْوَاجِها، روى الطَّبَرَانِيُّ في الأَوْسَطِ عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ قَيْسِ الكِلَابِيِّ قالَ: خَطَبَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ أُمَّ الدَّرْدَاءِ بَعْدَ وَفَاةِ أَبِي الدَّرْدَاءِ، فَقَالَتْ أُمُّ الدَّرْدَاءِ: إِنِّي سَمِعْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقولُ: «أَيُّما امْرَأَةٍ تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُها، فَتَزَوَّجَتْ بَعْدَهُ فَهِيَ لِآخِرِ أَزْوَاجِهَا» وَمَا كُنْتُ لِأَخْتَارَكَ عَلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ.

وَالقَوْلُ الثَّاني: لِأَحْسَنِهِم خُلُقًا، روى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ وَالبَزَّارُ وَالخَرَائِطِيُّ في مَكَارِمِ الأَخْلَاقِ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ المَرْأَةَ يَكُونُ لَهَا زَوْجَانِ في الدُّنْيَا فَتَمُوتُ وَيَمُوتَانِ وَيَدْخُلُونَ الجَنَّةَ، لِأَيِّهِمَا هِيَ تَكُونُ؟

قَالَ: «لِأَحْسَنِهِمَا خُلُقًا كَانَ عِنْدَهَا في الدُّنْيَا، يَا أُمَّ حَبِيبَةَ، ذَهَبَ حَسَنُ الخُلُقِ بِخَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ».

ثالثًا: عَلَى المَرْأَةِ المُسْلِمَةِ إِذَا فَقَدَتْ زَوْجَهَا أَنْ تَدْعُوَ بِالدُّعَاءِ الذي عَلَّمَنَا إِيَّاهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ، فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللهُ: ﴿إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا أَخْلَفَ اللهُ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا».

قَالَتْ: فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ، قُلْتُ: أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ؟ أَوَّلُ بَيْتٍ هَاجَرَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ إِنِّي قُلْتُهَا، فَأَخْلَفَ اللهُ لِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

قَالَتْ: أَرْسَلَ إِلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ يَخْطُبُنِي لَهُ، فَقُلْتُ: إِنَّ لِي بِنْتًا وَأَنَا غَيُورٌ.

فَقَالَ: «أَمَّا ابْنَتُهَا فَنَدْعُو اللهَ أَنْ يُغْنِيَهَا عَنْهَا، وَأَدْعُو اللهَ أَنْ يَذْهَبَ بِالْغَيْرَةِ».

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَأَنَا أَنْصَحُ هَذِهِ الزَّوْجَةَ أَنْ تَسْتَخِيرَ اللهَ تعالى فِيمَا أقْدَمَتْ عَلَيْهِ، وَلْتَنْظُرْ إلى مَا يَشْرَحُ اللهُ تعالى صَدْرَهَا إِلَيْهِ، هَذَا إِذَا كَانَتْ تَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهَا مِنَ الفِتْنَةِ.

أَمَّا إِذَا كَانَتْ تَخَافُ عَلَى نَفْسِهَا مِنَ الفِتْنَةِ، وَجَاءَهَا خَاطِبٌ صَاحِبُ دِينٍ وَخُلُقٍ، فَيَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ إِذَا ارْتَاحَتْ إِلَيْهِ، لِأَنَّ زَوَاجَهَا في هَذِهِ الحَالَةِ وَاجِبٌ عَلَيْهَا لِإِعْفَافِ نَفْسِهَا.

وَإِذَا لَمْ يَأْتِهَا خَاطِبٌ، وَهِيَ تَشْعُرُ بِحَاجَتِهَا إلى الزَّوَاجِ، فَلْتُكْثِرْ مِنَ الدُّعَاءِ الذي عَلَّمَنَا إِيَّاهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا.

وَأَخِيرًا: أُذَكِّرُ هَذِهِ المَرْأَةَ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ﴾. وَالأَيِّمُ مَنْ لَا زَوْجَ لَهُ مِنَ الثَّيِّبِات وَالأَبْكَارِ.

وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ» رواه الشيخان عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَأَنْتِ كَمَا جَاءَ في نَصِّ السُّؤَالِ في سِنِّ الصِّبَا. هذا، والله تعالى أعلم.