السؤال :
لَقَدِ اشْتَدَّ عَلَيَّ البَلَاءُ وَالكَرْبُ، وَلَا اَدْرِي مَاذَا أَفْعَلُ؟ أَرْجُو إِرْشَادِي مِنْ أَجْلِ رَاحَةِ قَلْبِي.
 الاجابة :
رقم الفتوى : 10207
 2020-03-12

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولًا: الابْتِلَاءُ للإِنْسَانِ المُؤْمِنِ عُنْوَانُ مَحَبَّةِ اللهِ تعالى لَهُ، وَهُوَ لَهُ كَالدَّوَاءِ ـ وَالدَّوَاءُ يُقُدِّمُهُ الإِنْسَانُ لِمَنْ أَحَبَّ، وَلَو كَانَ الدَّوَاءُ مُرًّا ـ وَجَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام الترمذي عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ عِظَمَ الجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ البَلَاءِ، وَإِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ».

وَنُزُولُ البَلَاءِ عَلَى المُؤْمِنِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يُدَّخَرَ لَهُ العِقَابُ في الآخِرَةِ، فَفِيهِ الخَيْرُ ﴿وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾.

وَيَقُولُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ إِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ خَيْرًا عَجَّلَ لَهُ عُقُوبَةَ ذَنْبِهِ، وَإِذَا أَرَادَ شَرًّا أَمْسَكَ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُ عَيْرٌ» رواه الحاكم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَيَقُولُ سَيِّدُنَا الحَسَنُ البَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: لَا تَكْرَهُوا النِّقْمَاتِ الوَاقِعَةَ، وَالبَلَايَا الحَادِثَةَ، فَلَرُبَّ أَمْرٍ تَكْرَهُهُ فِيهِ نَجَاتُكَ، وَلَرُبَّ أَمْرٍ تُؤْثِرُهُ فِيهِ عَطَبُكَ ـ أَيْ: هَلَاكُكَ ـ.

وَيَقُولُ سَيِّدُنَا الفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ: إِنَّ فِي الْعِلَلِ لَنِعَمًا يَنْبَغِي لِلْعُقَلَاءِ أَنْ يَعْرِفُوْهَا: تَمْحِيصٌ لِلذَّنْبِ، وَتَعَرُّضٌ لِثَوَابِ الصَّبْرِ، وَإِيقَاظٌ مِنَ الغَفْلَةِ، وَإِذْكَارٌ لِلنِّعَمِ فِي حَالِ الصِّحَّةِ، وَاسْتِدْعَاءٌ لِلتَّوْبَةِ، وَحَضٌّ عَلَى الصَّدَقَةِ.

وَالمُؤْمِنُ يَبْحَثُ في البَلَاءِ عَنِ الأَجْرِ، وَلَا سَبِيلَ إِلَيْهِ إِلَّا بِالصَّبْرِ، وَلَا سَبِيلَ إلى الصَّبْرِ إِلَّا بِعَزِيمَةٍ إِيمَانِيَّةٍ، وَإِرَادَةٍ قَوِيَّةٍ.

وَرَحِمَ اللهُ تعالى مَنْ قَالَ:

رُبَّ أَمْـرٍ تَـتَّـقِـيــهِ   ***   جَرَّ أَمْرًا تَرْتَضِيهِ

خَفِيَ المَحْبُوبُ مِنْهُ    ***   وَبَـدَا المَكْرُوهُ فِيهِ

ثانيًا: يَجِبُ عَلَى المُؤْمِنِ أَنْ يَسْتَحْضِرَ عِنْدَ البَلَاءِ قَوْلَهُ تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾.

وَقَوْلَهُ تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾.

وَلْيُكْثِرْ مِنَ الدُّعَاءِ: ﴿إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا.

ثالثًا: تَذَكَّرْ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَتَذَكَّرْ أَصْحَابَهُ الكِرَامَ، وَأَهْلَ بَيْتِهِ الكِرَامَ، لَقَدِ اشْتَدَّ عَلَيْهِمُ البَلَاءُ، فَمَا غَيَّرَهُمْ، بَلْ زَادَهُمُ الأَمْرُ ثِقَةً بِاللهِ تعالى أَنَّهُ كُلَّمَا اشْتَدَّ البَلَاءُ اقْتَرَبَ الفَرَجُ.

رابعًا: لِمَاذَا الجَزَعُ وَاليَأْسُ، هَلْ بِالجَزَعِ وَاليَأْسِ يُغَيِّرُ الإِنْسَانُ مِنْ هُمُومِهِ وَابْتِلَائِهِ؟

خامسًا: تَذكَّرْ يَا مَنِ اشْتَدَّ عَلَيْكَ البَلَاءُ وَالهَمُّ وَالكَرْبُ وَالضِّيقُ، قَوْلَ اللهِ تعالى في الحَدِيثِ القُدْسِيِّ: «ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الجَنَّةِ، وَسَمُّوهُ بَيْتَ الحَمْدِ» رواه الترمذي عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَقَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَوَدُّ أَهْلُ العَافِيَةِ يَوْمَ القِيَامَةِ حِينَ يُعْطَى أَهْلُ البَلَاءِ الثَّوَابَ لَوْ أَنَّ جُلُودَهُمْ كَانَتْ قُرِضَتْ فِي الدُّنْيَا بِالمَقَارِيضِ» رواه الترمذي عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَأَخِيرًا: مَرَارَةُ الدُّنْيَا هِيَ حَلَاوَةُ الآخِرَةِ، فَأَذْهِبْ مَرَارَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا بِحَلَاوَةِ الإِيمَانِ بِاللهِ تعالى وَاليَوْمِ الآخِرِ، وَأَبْشِرْ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ، وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ لَا يُحَمِّلَنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.