السؤال :
امْرَأَةٌ ابْتُلِيَتْ بِزَوْجٍ كَسْبُهُ مِنْ حَرَامٍ، بِالإِضَافَةِ إلى المُبَاحِ، وَهُوَ يُنْفِقُ عَلَيْهَا وَعَلَى أَوْلَادِهَا القَاصِرِينَ مِنْ هَذَا الكَسْبِ، فَمَا حُكْمُ المَرْأَةِ مَعَ الأَوْلَادِ؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 11677
 2022-01-09

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَجِبُ عَلَى المُسْلِمِ أَنْ يَقِيَ نَفْسَهُ وَأَهْلَهُ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ، وَذلِكَ بِالكَسْبِ الحَلَالِ، قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾.

وَالكَسْبُ الحَرَامُ سَبَبٌ لِدُخُولِ نَارِ جَهَنَّمَ إِذَا لَمْ يَتُبْ صَاحِبُهُ إلى اللهِ تعالى، روى الترمذي عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ لَا يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ إِلَّا كَانَتِ النَّارُ أَوْلَى بِهِ». هذا أولًا.

ثانيًا: رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَنَا بِالكَسْبِ الحَلَالِ، وَبِطَرِيقٍ مَشْرُوعٍ، قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾. أَيْ: مِنْ حَلَالِ مَا رَزَقْنَاكُمْ. وَقَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا﴾.

ثالثًا: الزَّوْجَةُ وَالأَوْلَادُ أَمَانَةٌ في عُنُقِ الزَّوْجِ، وَوَاجِبٌ عَلَيْهِ أَنْ يُطْعِمَهُمُ الحَلَالَ، وَخَاصَّةً الأَوْلَادَ وَالقَاصِرِينَ حَتَّى يُنَشَّؤُوا عَلَى طَاعَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وإِلَّا كَانَ آثِمًا وَمُرْتَكِبًا كَبِيرَةً مِنَ الكَبَائِرِ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَالوَاجِبُ عَلَى الزَّوْجَةِ وَأَوْلَادِهَا البَالِغِينَ أَنْ يَنْصَحُوا هَذَا الرَّجُلَ أَنْ يُقْلِعَ عَنْ هَذِهِ المَعْصِيَةِ، وَهِيَ الكَسْبُ الحَرَامُ، وَأَنْ يَكْتَفِيَ بِالحَلَالِ، فَإِنَّ دَائِرَةَ الحَلَالِ تَكْفِي العَبْدَ، وَالخُرُوجَ مِنْهَا مِنْ سُوءِ الأَدَبِ مَعَ اللهِ تعالى، وَعَاقِبَتَهَا وَخِيمَةٌ، فَإِنِ اسْتَجَابَ الوَالِدُ فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ أَنْ تَأْكُلَ مِنْ هَذَا المَالِ الذي اخْتَلَطَ فِيهِ الحَرَامُ مَعَ الحَلَالِ، وَكَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِأَوْلَادِهَا القَاصِرِينَ، وَالإِثْمُ عَلَى الزَّوْجِ.

أَمَّا إِذَا كَانَ الأَوْلَادُ بَالِغِينَ، وَعِنْدَهُمُ المَقْدِرَةُ عَلَى العَمَلِ، وَالعَمَلُ مُتَوَفِّرٌ عِنْدَهُمْ، فَالأَوْلَى في حَقِّهِمْ أَنْ لَا يَأْكُلُوا مِنْ هَذَا المَالِ الذي اخْتَلَطَ فِيهِ الحَرَامُ مَعَ الحَلَالِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ، وَعِرْضِهِ» رواه الإمام مسلم عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا. هذا، والله تعالى أعلم.