السؤال :
إِذَا تَابَ العَبْدُ مِنَ الذَّنْبِ خَشْيَةَ الفَضِيحَةِ، فَهَلْ تَوْبَتُهُ صَحِيحَةٌ؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 11696
 2022-01-11

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَالتَّوْبَةُ مَطلُوبَةٌ مِنَّا شَرْعًا بِنَصِّ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَبِإِجْمَاعِ الأُمَّةِ، وَفَضْلُهَا عَظِيمٌ جِدًّا، وَيَكْفِينَا قَوْلُ اللهِ تعالى في حَقِّ التَّائِبِينَ: ﴿إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾.

وَمَنْ أَحَبَّهُ اللهُ تعالى أَيَّدَهُ بِجَمِيعِ جَوَارِحِهِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ».

وَهَذِهِ التَّوْبَةُ لَهَا شُرُوطٌ، أَوَّلُهَا: الإِخْلَاصُ فِيهَا للهِ تعالى، قَالَ تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾.

فَيَجِبُ عَلَى التَّائِبِ أَنْ يَقْصِدَ بِتَوْبَتِهِ وَجْهَ اللهِ تعالى.

ثَانِيهَا: الإِقْلَاعُ عَنِ الذَّنْبِ.

ثَالِثُهَا: النَّدَمُ عَلَى مَا حَصَلَ مِنْهُ.

رَابِعُهَا: العَزْمُ عَلَى عَدَمِ الرُّجُوعِ إلى الذَّنْبِ.

خَامِسُهَا: أَنْ تَكُونَ التَّوْبَةُ قَبْلَ وُقُوعِ الرُّوحِ في الغَرْغَرَةِ، روى الترمذي عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ العَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ».

سَادِسُهَا: هَجْرُ قُرَنَاءِ السُّوءِ، وَبَلَدِ السُّوءِ، وَالدَّلِيلُ حَدِيثُ قَاتِلِ مِئَةِ نَفْسِ، حَيْثُ وَرَدَ في نَصِّ ذَلِكَ الحَدِيثِ الشَّرِيفِ: «انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللهَ فَاعْبُدِ اللهَ مَعَهُمْ، وَلَا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ، فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَتَوْبَةُ العَبْدِ إلى اللهِ تعالى إِذَا حَقَّقَ شُرُوطَهَا صَحَّتْ، وَكَانَتْ مَقْبُولَةً عِنْدَ اللهِ تعالى، وَأَهَمُّ شَرْطٍ فِيهَا إِخْلَاصُ النِّيَّةِ فِيهَا، فَيَجِبُ عَلَى العَبْدِ أَنْ يَتُوبَ إلى اللهِ تعالى امْتِثَالًا لِأَمْرِ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾. لَا خَشْيَةَ الفَضِيحَةِ فَحَسْبُ، لِأَنَّ العَبْدَ إِذَا تَابَ خَشْيَةَ الفَضِيحَةِ فَحَسْبُ، خَوْفًا عَلَى جَاهِهِ وَمَنْزِلَتِهِ، فَهَذِهِ تَوْبَةٌ مَشُوبَةٌ بِعَدَمِ الإِخْلَاصِ، وَرَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: ﴿لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ﴾. فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ عَمَلٍ خَالِصًا لِوَجْهِ اللهِ تعالى، قَالَ تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾. هذا، والله تعالى أعلم.