السؤال :
كَانَتْ لِي صَدِيقَةٌ تَعَرَّضَتْ للاغْتِصَابِ ، وَحَمَلَتْ، وَبَعْدَ الحَمْلِ أَسْقَطَتْ حَمْلَهَا، وَلَمَّا خُطِبَتْ قَامَتْ بِعَمَلِيَّةِ رَتْقِ البَكَارَةِ، وَتَزَوَّجَتْ، فَهَلْ أَنَا آثِمَةٌ لِأَنِّي لَمْ أُعْلِمْ أَهْلَهَا، وَلَا أَهْلَ زَوْجِهَا؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 11698
 2022-01-11

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَإِذَا سَتَرْتِ عَلَى هَذِهِ المَرْأَةِ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ تعالى، وَكُنْتِ حَرِيصَةً عَلَى سَتْرِهَا رَجَاءَ أَنْ يَسْتُرَ اللهُ عَلَيْكِ، فَلَكِ بِذَلِكَ الأَجْرُ العَظِيمُ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

فَالسَّتْرُ عَلَى النَّاسِ وَخَاصَّةً مِمَّنْ لَا يُعْرَفُ إِلَّا بِالصَّلَاحِ وَاجِبٌ شَرْعًا، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ القُرُبَاتِ إلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، روى الإمام أحمد اللهِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ نُعَيْمِ بنِ هَزَّالٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ فِي حِجْرِ أَبِي، فَأَصَابَ جَارِيَةً مِنَ الْحَيِّ، فَقَالَ لَهُ أَبِي: ائْتِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبِرْهُ بِمَا صَنَعْتَ، لَعَلَّهُ يَسْتَغْفِرُ لَكَ؛ وَإِنَّمَا يُرِيدُ بِذَلِكَ رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَخْرَجٌ.

فَأَتَاهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي زَنَيْتُ، فَأَقِمْ عَلَيَّ كِتَابَ اللهِ؛ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَعَادَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي زَنَيْتُ، فَأَقِمْ عَلَيَّ كِتَابَ اللهِ؛ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي زَنَيْتُ، فَأَقِمْ عَلَيَّ كِتَابَ اللهِ؛ ثُمَّ أَتَاهُ الرَّابِعَةَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي زَنَيْتُ، فَأَقِمْ عَلَيَّ كِتَابَ اللهِ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّكَ قَدْ قُلْتَهَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَبِمَنْ؟».

قَالَ: بِفُلَانَةَ.

قَالَ: «هَلْ ضَاجَعْتَهَا؟».

قَالَ: نَعَمْ.

قَالَ: «هَلْ بَاشَرْتَهَا؟».

قَالَ: نَعَمْ.

قَالَ: «هَلْ جَامَعْتَهَا؟».

قَالَ: نَعَمْ.

قَالَ: فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُرْجَمَ.

قَالَ: فَأُخْرِجَ بِهِ إِلَى الْحَرَّةِ، فَلَمَّا رُجِمَ، فَوَجَدَ مَسَّ الْحِجَارَةِ، جَزِعَ، فَخَرَجَ يَشْتَدُّ، فَلَقِيَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُنَيْسٍ، وَقَدْ أَعْجَزَ أَصْحَابَهُ، فَنَزَعَ لَهُ بِوَظِيفِ بَعِيرٍ، فَرَمَاهُ بِهِ، فَقَتَلَهُ.

قَالَ: ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: «هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ لَعَلَّهُ يَتُوبُ، فَيَتُوبَ اللهُ عَلَيْهِ».

قَالَ هِشَامٌ: فَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ نُعَيْمِ بْنِ هَزَّالٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَبِي حِينَ رَآهُ: «وَاللهِ يَا هَزَّالُ، لَوْ كُنْتَ سَتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ، كَانَ خَيْرًا مِمَّا صَنَعْتَ بِهِ».

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَالذي فَعَلْتِهِ هُوَ الوَاجِبُ الشَّرْعِيُّ عَلَيْكِ، بَعْدَ تَقْدِيمِ النُّصْحِ لِتِلْكَ المَرْأَةِ التي اغْتُصِبَتْ، أَن تَصْدُقَ بِتَوبَتِها وَإِنَابَتِهَا إلى اللهِ تعالى، وَنَرْجُو اللهَ تعالى أَنْ لَا تَكُونَ مِمَّنْ عَرَّضَتْ نَفْسَهَا للفِتْنَةِ، كَمَا يَجِبُ عَلَيْكِ تَقْدِيمُ النُّصْحِ لَهَا بِالتَّوْبَةِ وَالاسْتِغْفَارِ بِسَبَبِ إِسْقَاطِ حَمْلِهَا، وَخَاصَّةً إِذَا كَانَ الإِسْقَاطُ بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ، فَإِذَا كَانَ بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ وَجَبَتْ عَلَيْهَا كَفَّارَةُ القَتْلِ، وَهِيَ صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ.

وَفي الخِتَامِ: احْذَرِي أَنْ تَتَحَدَّثِي لِأَحَدٍ عَنْ هَذَا الأَمْرِ، وَيَكْفِي هَذِهِ المَرْأَةَ أَنَّهَا تَتَجَرَّعُ مَرَارَةَ الاغْتِصَابِ، وَإِسْقَاطِ الحَمْلِ، وَرَتْقِ بَكَارَتِهَا، لِأَنَّكِ إِنْ تَحَدَّثْتِ لَا سَمَحَ اللهُ رُبَّمَا تَكُونِينَ سَبَبًا في طَلَاقِهَا، وَبِذَلِكَ تَقَعِينَ في الإِثْمِ الكَبِيرِ.

أَسأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يَسْتُرَ أَعْرَاضَنَا. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.