السؤال :
مَا حُكْمُ الأَهْلِ الذينَ يَسْخَرُونَ مِنِ ابْنَتِهِمْ وَيُهِينُونَهَا بِسَبَبِ تَأَخُّرِهَا في الزَّوَاجِ؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 11767
 2022-02-03

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَإِنَّ السُّخْرِيَةَ وَالاسْتِهْزَاءَ وَالإِهَانَةَ للغَيْرِ بِشَكْلٍ عَامٍّ حَرَامٌ شَرْعًا، وَكَبِيرَةٌ مِنَ الكَبَائِرِ، فَلَا يَحِلُّ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَسْخَرَ وَيَسْتَهْزِئَ وَيُهِينَ مُؤْمِنًا أَبَدًا، لَا لِفَقْرٍ، وَلَا لِعَيْبٍ خَلْقِيٍّ فِيهِ، وَلَا لِتَأَخُّرِ زَوَاجٍ، لِأَنَّ هَذِهِ الأُمُورَ لَيْسَتْ بِيَدِهِ، بَلْ بِيَدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾.

وَقَالَ تعالى: ﴿زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾.

وَقَالَ تعالى مُخْبِرًا عَنْ أَهْلِ النَّارِ مَاذَا يَقُولُونَ لِرَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾.

وَقَالَ تعالى عَنْهُمْ أَيْضًا: ﴿وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ * أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ * إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ﴾.

هَذَا بِشَكْلٍ عَامٍّ في حَقِّ المُؤْمِنِينَ وَالنَّاسِ عَامَّةً، فَكَيْفَ إِذَا كَانَتِ السُّخْرِيَةُ وَالاسْتِهْزَاءُ وَالإِهَانَةُ للذُّرِّيَّةِ؟ فَهِيَ أَشَدُّ وَأَعْظَمُ، لِأَنَّهَا تَكُونُ سَبَبًا فِي قَطْعِ الأَرْحَامِ، وَإِيقَاعِ الأَبْنَاءِ في العُقُوقِ.

وَهَلْ تَصَرُّفُ هَؤُلَاءِ الأَهْلِ يَقْبَلُهُ خُلُقُ الحَيَاءِ؟

هَلْ تُخَاطَبُ الفَتَاةُ صَاحِبَةُ الحَيَاءِ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ؟

هَلْ يَدْعُونَهَا لِتَخْرُجَ إلى الشَّارِعِ لِتَتَعَرَّفَ عَلَى عَرِيسٍ؟

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَإِنَّ إِهَانَةَ الأَهْلِ مِنْ أَبٍ أَو أُمٍّ أَو إِخْوَةٍ وَأَخَوَاتٍ لِبِنْتٍ لَهُمْ، كَبِيرَةٌ مِنَ الكَبَائِرِ، وَفِيهَا مُخَالَفَةٌ لِأَمْرِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَسَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَذَّرَنَا مِنْ إِهَانَةِ البِنَاتِ وَاحِتِقَارِهِنَّ، روى الإمام أحمد وأبو داود عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَتْ لَهُ أُنْثَى فَلَمْ يَئِدْهَا، وَلَمْ يُهِنْهَا، وَلَمْ يُؤْثِرْ وَلَدَهُ عَلَيْهَا ـ قَالَ: يَعْنِي الذُّكُورَ ـ أَدْخَلَهُ اللهُ الْجَنَّةَ».

فَكَيْفَ إِذَا كَانَ مَعَ الإِهَانَةِ السُّخْرِيَةُ وَالاسْتِهْزَاءُ؟ وَخَاصَّةً في مَسْأَلَةٍ لَا عَلَاقَةَ لَهَا بِهَا، فَإِنَّ الزَّوَاجَ بِيَدِ اللهِ تعالى، فَلَو شَاءَ لَهَيَّأَ لَهَا أَسْبَابَ الزَّوَاجِ، وَقَدْ يَكُونُ الأَهْلُ هُمُ السَّبَبَ في تَأَخُّرِ زَوَاجِهَا، لِأَنَّهُمْ يَبْحَثُونَ عَنْ صَاحِبِ المَالِ، وَلَمْ يَلْتَفِتُوا إلى قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ» رواه الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَأَنَا أَنْصَحُ هَذِهِ الفَتَاةَ بِالصَّبْرِ وَالمُصَابَرَةِ وَاحْتِسَابِ الأَمْرِ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَقُولُ لِأَهْلِهَا الذينَ يُهِينُونَهَا وَيَحْتَقِرُونَهَا وَيَسْخَرُونَ مِنْهَا: اعْلَمُوا أَنَّ كَسْرَ الخَاطِرِ فِي كَسْرِ الخَاطِرِ، كَمَا أَنَّ جَبْرَ الخَاطِرِ في جَبْرِ الخَاطِرِ.

وَاعْلَمُوا أَنَّ الجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ العَمَلِ، وَوَاللهِ إِنَّ أَمْرَ هَؤُلَاءِ عَجِيبٌ وَغَرِيبٌ، هَذَا إِذَا كَانَ في حَقِّ ابْنَتِهِمْ، فَكَيْفَ يَكُونُ تَعَامُلُهُمْ مَعَ الآخَرِينَ؟ ﴿أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾. هذا، والله تعالى أعلم.