السؤال :
صَدِيقٌ في اللهِ أُحِبُّهُ حُبًّا جَمًّا، وَلَا أَشُكُّ في اسْتِقَامَتِهِ، فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ أَسْمَحَ لِزَوْجَتِي وَبَنَاتِي بِالاخْتِلَاطِ مَعَهُ؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 11786
 2022-02-11

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَلِكُلِّ عَامِلٍ هَدَفٌ مِنْ عَمَلِهِ وَغَايَةٌ، فَمَا الغَايَةُ مِنِ اخْتِلَاطِ زَوْجَتِكَ وَبَنَاتِكَ مَعَ هَذَا الرَّجُلِ الأَجْنَبِيِّ، وَإِنْ كَانَ تَقِيًّا نَقِيًّا صَالِحًا؟

وَهَلْ صَاحِبُ التَّقْوَى وَالصَّلَاحِ يَرْضَى بِهَذَا الاخْتِلَاطِ؟ فَإِنْ كَانَ يَرْضَى بِهَذَا فَأَيْنَ هُوَ مِنْ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ﴾.

وَأَيْنَ هُوَ مِنْ قَوْلِهِ تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾؟

بَلْ وَأَيْنَ هُوَ مِنْ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾؟

بَلْ وَأَيْنَ هُوَ مِنْ قَوْلِهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾؟

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَكُنْ عَلَى حَذَرٍ مِنْ هَذَا الاخْتِلَاطِ، لِأَنَّ الاخْتِلَاطَ سَبَبٌ للفِتْنَةِ، فَالرِّجَالُ إِذَا اخْتَلَطُوا بِالنِّسَاءِ كَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ اخْتِلَاطِ النَّارِ وَالحَطَبِ.

وَتَمْكِينُ نِسَائِكَ وَمَحَارِمِكَ مِنَ الاخْتِلَاطِ أَصْلُ كُلِّ بَلِيَّةٍ وَشَرٍّ، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ نُزُولِ العُقُوبَاتِ العَامَّةِ، كَمَا أَنَّهُ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ فَسَادِ أُمُورِ العَامَّةِ وَالخَاصَّةِ.

وَأُذَكِّرُكَ بِقَوْلِ اللهِ تعالى حِكَايَةً عَنْ بَنَاتِ سَيِّدِنَا شُعَيْبٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَعَلَى نَبِيِّنَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ: ﴿لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ﴾ إِشَارَةٌ إلى أَنَّ المَرْأَةَ إِذَا اضْطُرَّتْ للخُرُوجِ إلى العَمَلِ، فَتَخْرُجُ بِمِقْدَارِ الضَّرُورَةِ، وَلَا تَخْتَلِطُ بِالرِّجَالِ، وَتَعْزِلُ نَفْسَهَا عَنْهُمْ.

وَأَرْجِعُ فَأَسْأَلُكَ، وَأَسْأَلُ هَذَا العَبْدَ التَّقِيَّ النَّقِيَّ الصَّالِحَ، وَأَسْأَلُ زَوْجَتَكَ وَبَنَاتِكَ: مَا الغَايَةُ مِنْ ذَلِكَ؟ وَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ إِذَا وَقَعَتِ الفِتْنَةُ ـ لَا قَدَّرَ اللهُ تعالى ـ؟ هَلْ نَسِيتُمْ جَمِيعًا قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِي النَّاسِ فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ»؟ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ. هذا، والله تعالى أعلم.