السؤال :
مَا حُكْمُ الزَّوْجَةِ التي لَا تَتَعايَشُ مَعَ الظُّرُوفِ المَالِيَّةِ لِزَوْجِهَا، وَهِيَ دَائِمًا مَصْدَرُ تَعَبٍ وَقَلَقٍ لِزَوْجِهَا، بِسَبَبِ كَثْرَةِ طَلَبَاتِهَا مَعَ قِلَّةِ دَخْلِ زَوْجِهَا؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 11856
 2022-03-21

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَالمَرْأَةُ المُسْلِمَةُ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ عَوْنًا لِزَوْجِهَا عَلَى طَاعَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، حَتَّى تَجْعَلَ البَيْتَ كَقَلْعَةٍ لَا تُزَعْزِعُهَا الرِّيَاحُ، وَخَاصَّةً أَيَّامَ الفِتَنِ.

المَرْأَةُ المُسْلِمَةُ الصَّالِحَةُ هِيَ التي تُوصِي زَوْجَهَا بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَتَقُولُ لَهُ: يَا عَبْدَ اللهِ، اتَّقِ اللهَ فِينَا، فَإِنَّا نَصْبِرُ عَلَى أَلَمِ الجُوعِ وَالفَقْرِ، وَلَا نَصْبِرُ عَلَى نَارِ جَهَنَّمَ، فَلَا تُطْعِمْنَا إِلَّا الحَلَالَ، لِأَنَّهُ بِسِرِّ الحَلَالِ يَكُونُ دُعَاؤُنَا مُسْتَجَابًا، وَاحْذَرْ لُقْمَةَ الحَرَامِ التي تَجْعَلُ حَيَاتَنَا شَقَاءً قَبْلَ نَارِ جَهَنَّمَ يَوْمَ القِيَامَةِ.

المَرْأَةُ المُسْلِمَةُ الصَّالِحَةُ هِيَ التي تَسْأَلُ زَوْجَهَا عَنْ عَمَلِهِ وَكَسْبِهِ، هَلْ هُوَ مَشْرُوعٌ أَمْ لَا؟ قَبْلَ أَنْ تَسْأَلَهُ عَنْ طَلَبَاتِ المَنْزِلِ وَحَاجَاتِهَا وَحَاجَاتِ الذُّرِّيَّةِ.

المَرْأَةُ الصَّالِحَةُ هِيَ التي تَجْعَلُ السَّيِّدَةَ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وَأَرْضَاهَا قُدْوَةً صَالِحَةً لَهَا، تَرْضَى بِيَسِيرِ العَيْشِ، دُونَ أَنْ تُقْلِقَ زَوْجَهَا، وَتَكُونُ عَوْنًا لِزَوْجِهَا أَيَّامَ الشِّدَّةِ وَالغَلَاءِ.

رَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَشْكُو إِلَيْهِ مَا تَلْقَى فِي يَدِهَا مِنَ الرَّحَى، وَبَلَغَهَا أَنَّهُ جَاءَهُ رَقِيقٌ، فَلَمْ تُصَادِفْهُ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ.

فَلَمَّا جَاءَ أَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ.

قَالَ: فَجَاءَنَا وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا، فَذَهَبْنَا نَقُومُ، فَقَالَ: «عَلَى مَكَانِكُمَا».

فَجَاءَ فَقَعَدَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا، حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى بَطْنِي.

فَقَالَ: «أَلاَ أَدُلُّكُمَا عَلَى خَيْرٍ مِمَّا سَأَلْتُمَا؟ إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا ـ أَوْ أَوَيْتُمَا إِلَى فِرَاشِكُمَا ـ فَسَبِّحَا ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَاحْمَدَا ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَكَبِّرَا أَرْبَعًا وَثَلاَثِينَ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ».

المَرْأَةُ الصَّالِحَةُ هِيَ التي تَجْعَلُ هَمَّهَا الآخِرَةَ، وَتَتَعَايَشُ مَعَ زَوْجِهَا سَعَةً في رِزْقِهِ أَو تَقْتِيرًا، وَلَا تَتَبَرَّمُ، بَلْ تَكُونُ شَاكِرَةً عِنْدَ الرَّخَاءِ، صَابِرَةً عِنْدَ البَلَاءِ، وَتَلْتَزِمُ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللهُ لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا﴾. فَلَا تُكَلِّفُ زَوْجَهَا مَا لَا يُطِيقُ.

وَتَقُولُ لِزَوْجِهَا: أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ بِاللهِ أَلَّا تَكْسِبَ مَعِيشَتَكَ إِلَّا مِنْ حَلَالٍ، وَأَقْسَمْتُ عَلَيْكَ أَلَّا تَدْخُلَ النَّارَ مِنْ أَجْلِي، بِرَّ أَبَوَيْكَ، وَصِلْ أَرْحَامَكَ، وَاحْذَرِ القَطِيعَةَ مِنْ أَجْلِي لِئَلَّا يَقْطَعَكَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ.

الزَّوْجَةُ الصَّالِحَةُ هِيَ التي لَا تَشْكُو الفَقْرَ وَلَا قِلَّةَ اليَدِ، روى الإمام البخاري عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا (بَعْدَ أَنْ تَرَكَ سَيِّدُنَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ زَوْجَهُ وَوَلَدَهُ بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ): فَجَاءَ إِبْرَاهِيمُ بَعْدَمَا تَزَوَّجَ إِسْمَاعِيلُ يُطَالِعُ تَرِكَتَهُ، فَلَمْ يَجِدْ إِسْمَاعِيلَ، فَسَأَلَ امْرَأَتَهُ عَنْهُ.

فَقَالَتْ: خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا.

ثُمَّ سَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ، فَقَالَتْ: نَحْنُ بِشَرٍّ، نَحْنُ فِي ضِيقٍ وَشِدَّةٍ، فَشَكَتْ إِلَيْهِ.

قَالَ: فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عَلَيْهِ السَّلَامَ، وَقُولِي لَهُ يُغَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِهِ.

فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ كَأَنَّهُ آنَسَ شَيْئًا، فَقَالَ: هَلْ جَاءَكُمْ مِنْ أَحَدٍ؟

قَالَتْ: نَعَمْ، جَاءَنَا شَيْخٌ كَذَا وَكَذَا، فَسَأَلَنَا عَنْكَ فَأَخْبَرْتُهُ، وَسَأَلَنِي كَيْفَ عَيْشُنَا، فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا فِي جَهْدٍ وَشِدَّةٍ.

قَالَ: فَهَلْ أَوْصَاكِ بِشَيْءٍ؟

قَالَتْ: نَعَمْ، أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ السَّلَامَ، وَيَقُولُ غَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِكَ.

قَالَ: ذَاكِ أَبِي، وَقَدْ أَمَرَنِي أَنْ أُفَارِقَكِ، الحَقِي بِأَهْلِكِ، فَطَلَّقَهَا.

وَتَزَوَّجَ مِنْهُمْ أُخْرَى، فَلَبِثَ عَنْهُمْ -  أي فلبث مدة بعيداً عنهم ـ إِبْرَاهِيمُ مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ أَتَاهُمْ بَعْدُ فَلَمْ يَجِدْهُ، فَدَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ فَسَأَلَهَا عَنْهُ، فَقَالَتْ: خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا.

قَالَ: كَيْفَ أَنْتُمْ؟ وَسَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ.

فَقَالَتْ: نَحْنُ بِخَيْرٍ وَسَعَةٍ، وَأَثْنَتْ عَلَى اللهِ.

فَقَالَ: مَا طَعَامُكُمْ؟

قَالَتِ اللَّحْمُ.

قَالَ فَمَا شَرَابُكُمْ؟

قَالَتِ المَاءُ.

قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي اللَّحْمِ وَالمَاءِ.

قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ حَبٌّ، وَلَوْ كَانَ لَهُمْ دَعَا لَهُمْ فِيهِ».

قَالَ: فَهُمَا لَا يَخْلُو عَلَيْهِمَا أَحَدٌ بِغَيْرِ مَكَّةَ إِلَّا لَمْ يُوَافِقَاهُ.

قَالَ: فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عَلَيْهِ السَّلَامَ، وَمُرِيهِ يُثْبِتُ عَتَبَةَ بَابِهِ.

فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ قَالَ: هَلْ أَتَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ؟

قَالَتْ: نَعَمْ، أَتَانَا شَيْخٌ حَسَنُ الهَيْئَةِ، وَأَثْنَتْ عَلَيْهِ، فَسَأَلَنِي عَنْكَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَسَأَلَنِي كَيْفَ عَيْشُنَا فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا بِخَيْرٍ.

قَالَ: فَأَوْصَاكِ بِشَيْءٍ؟

قَالَتْ: نَعَمْ، هُوَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ، وَيَأْمُرُكَ أَنْ تُثْبِتَ عَتَبَةَ بَابِكَ.

قَالَ: ذَاكِ أَبِي وَأَنْتِ العَتَبَةُ، أَمَرَنِي أَنْ أُمْسِكَكِ، ثُمَّ لَبِثَ عَنْهُمْ مَا شَاءَ اللهُ. اهـ .

أَمَّا الآنَ فَالزَّوْجَةُ هِيَ التي تُطِيلُ الشَّكْوَى، وَتُكْثِرُ التَّبَرُّمَ، وَمِنْ ثَمَّ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ عَوْنًا لِزَوْجِهَا عَلَى المُهِمَّاتِ الكِبَارِ التي يُعَدُّ لَهَا.

يَجِبُ عَلَى المَرْأَةِ المُسْلِمَةِ أَنْ تَجْعَلَ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُنَّ وَأَرْضَاهُنَّ قُدْوَةً لَهَا، وَلْتَذْكُرِ المَرْأَةُ المُسْلِمَةُ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا﴾.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَالمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ هِيَ التي تُحَقِّقُ السَّكَنَ لِزَوْجِهَا، وَتَتَعَايَشُ مَعَهُ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا أَيًّا كَانَ وَضْعُهُ المَادِّيُّ، وَتَكُونُ عَوْنًا لَهُ عَلَى تَحْصِيلِ لُقْمَةِ الحَلَالِ دُونَ الحَرَامِ، وَتَرْضَى بِمَا قَسَمَ اللهُ تعالى لَهَا، وَلَا تَكُونُ مِمَّنِ انْدَرَجَتْ تَحْتَ قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾.

المَرْأَةُ الصَّالِحَةُ هِيَ التي تُظْهِرُ الرِّضَا لِزَوْجِهَا في سَائِرِ أَحْوَالِهَا، لِتَنَالَ رِضَاهُ، حَتَّى تَفُوزَ بِالجَنَّةِ، رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَالحَاكِمُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَنْهَا رَاضٍ دَخَلَتِ الجَنَّةَ». هذا، والله تعالى أعلم.