السؤال :
أَنَا طَالِبُ عِلْمٍ وَللهِ الحَمْدُ، وَأُحِبُّ العَمَلَ في التِّجَارَةِ، فَمَا نَصِيحَتُكُمْ لِي؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 12036
 2022-06-20

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَأَنْتَ في الحَقِيقَةِ بَيْنَ تِجَارَتَيْنِ، تِجَارَةٍ دُنْيَوِيَّةٍ فَانِيَةٍ، وَتِجَارَةٍ دِينِيَّةٍ بَاقِيَةٍ، فَإِذَا كُنْتَ في تِجَارَةِ طَلَبِ العِلْمِ الشَّرِيفِ، فَأَنْتَ تَطْلُبُ النَّفْعَ للنَّاسِ دُنْيَا وَأُخْرَى، وَأَجْرُهَا بَاقٍ لَكَ دُنْيَا وَأُخْرَى، وَأَقَلُّ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ الدُّعَاءَ مُتَوَاصِلٌ لَكَ مِنْ قِبَلِ النَّاسِ الذينَ تُصَحِّحُ لَهُمْ أُمُورَ عَقَائِدِهِمْ وَعِبَادَاتِهِمْ وَمُعَامَلَاتِهِمْ وَسُلُوكِهِمْ.

وَإِذَا كُنْتَ في تِجَارَةِ الدُّنْيَا فَهِيَ خَيْرٌ كَذلِكَ بِنِيَّتِكَ الصَّالِحَةِ، وَلَكِنَّ الفَارِقَ بَيْنَ التِّجَارَتَيْنِ كَبِيرٌ، فَتِجَارَةُ طَلَبِ العِلْمِ تَكُونُ في الغَالِبِ الأَعَمِّ في المَسَاجِدِ، وَالمَسَاجِدُ هِيَ أَحَبُّ البِقَاعِ إلى اللهِ تعالى، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللهِ مَسَاجِدُهَا، وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إِلَى اللهِ أَسْوَاقُهَا».

أَمَّا تِجَارَةُ الدُّنْيَا فَمَحَلُّهَا في أَغْلَبِ الأَوْقَاتِ الأَسْوَاقُ، وَهِيَ أَبْغَضُ البِلَادِ إلى اللهِ تعالى، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ: «وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إِلَى اللهِ أَسْوَاقُهَا».

وَالسَّبَبُ في كَوْنِهَا أَبْغَضَ البِلَادِ إلى اللهِ تعالى، مَا يَقَعُ فِيهَا مِنَ النَّجْشِ وَالغِشِّ وَالكَذِبِ وَالأَيْمَانِ الكَاذِبَةِ وَالرِّبَا وَأَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالبَاطِلِ، وَفِيهَا مِنَ  المُحَرَّمَاتِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللهُ تعالى.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَأَنْصَحُكُمْ أَنْ تَدُومُوا عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ طَلَبِ العِلْمِ، وَخَاصَّةً في هَذِهِ الآوِنَةِ، فَإِنَّ تُجَّارَ الدُّنْيَا يَحْتَاجُونَ إلى عُلَمَاءَ عَامِلِينَ يُبَصِّرُونَهُمْ في شُؤُونِهِمْ وَتَعَامُلَاتِهِمْ، وَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ عَمَلٌ دُنْيَوِيٌّ، وَلَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُؤَثِّرَ عَلَى طَلَبِكَ للعِلْمِ.

وَأَخِيرًا أَقُولُ: إِنَّ مُخَالَطَةَ أَهْلِ الدُّنْيَا وَخَاصَّةً في زَمَنِ الفِتَنِ قَلَّمَا يَسْلَمُ الإِنْسَانُ فِيهَا مِنْ مُنْكَرَاتِ المُعَامَلَاتِ التِّجَارِيَّةِ في هَذِهِ الآوِنَةِ. هذا، والله تعالى أعلم.