السؤال :
مَا فَضْلُ التَّكْبِيرِ وَمَكَانَتُهُ في دِينِنَا؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 12053
 2022-07-08

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَإِنَّ التَّكْبِيرَ لهُ شَأْنٌ عَظِيمٌ، وَثَوَابُهُ عِنْدَ اللهِ جَزِيلٌ، وَقَدْ تَكَاثَرَتِ النُّصُوصُ في الحَثِّ عَلَيْهِ، وَالتَّرْغِيبِ فِيهِ، وَذِكْرِ ثَوَابِهِ.

قَالَ تعالى: ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ للهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا﴾.

وَقَالَ تعالى: ﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾.

وَقَالَ تعالى: ﴿لَنْ يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ﴾.

وَقَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ﴾.

فَتَكْبِيرُ اللهِ تعالى شَأْنُهُ عَظِيمٌ، وَأَجْرُهُ كَبِيرٌ، وَلِهَذَا كَانَ مِنْ شَعَائِرِ الصَّلَاةِ وَالأَذَانِ وَالأَعْيَادِ وَالأَمَاكِنِ العَالِيَةِ، وَهُوَ أَحَدُ الكَلِمَاتِ التي هِيَ أَفْضَلُ الكَلَامِ بَعْدَ القُرْآنِ العَظِيمِ، رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَحَبُّ الْكَلَامِ إِلَى اللهِ أَرْبَعٌ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ للهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ؛ لَا يَضُرُّكَ بِأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ».

وَفي رِوَايَةٍ لَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَأَنْ أَقُولَ سُبْحَانَ اللهِ، وَالحَمْدُ للهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ».

وَالتَّكْبِيرُ لَيْسَ كَلِمَةً لَا مَعْنَى لَهَا، أَو لَفْظَةً لَا مَضْمُونَ فِيهَا، بَلْ كَلِمَةٌ عَظِيمٌ شَأْنُهَا، رَفِيعٌ قَدْرُهَا، تَتَضَمَّنُ المَعَانِيَ الجَلِيلَةَ، وَالمَدْلُولَاتِ العَمِيقَةَ، وَالمَقَاصِدَ السَّامِيَةَ الرَّفِيعَةَ.

فَالتَّكْبِيرُ هُوَ تَعْظِيمُ الرَّبِّ جَلَّ جَلَالُهُ، وَاعْتِقَادُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ أَكْبَرُ وَلَا أَعْظَمُ مِنْهُ تَبَارَكَ وتعالى، فَيَصْغُرُ دُونَ جَلَالِهِ كُلُّ كَبِيرٍ، فَهُوَ الذي خَضَعَتْ لَهُ الرِّقَابُ، وَذَلَّتْ لَهُ الجَبَابِرَةُ، وَعَنَتْ لَهُ الوُجُوهُ، وَقَهَرَ كُلَّ شَيْءٍ، وَدَانَتْ لَهُ الخَلَائِقُ، وَتَوَاضَعَتْ لِعَظَمَتِهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَعُلُوِّهِ وَقُدْرَتِهِ الأَشْيَاءُ، وَاسْتَكَانَتْ وَتَضَاءَلَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَحْتَ حُكْمِهِ وَقَهْرِهِ المَخْلُوقَاتُ.

رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: «مَا يُفِرُّكَ أَنْ تَقُولَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ؟ فَهَلْ تَعْلَمُ مِنْ إِلَهٍ سِوَى اللهِ؟».

قَالَ: قُلْتُ: لَا.

قَالَ: ثُمَّ تَكَلَّمَ سَاعَةً؛ ثُمَّ قَالَ: «إِنَّمَا تَفِرُّ أَنْ تَقُولَ: اللهُ أَكْبَرُ، وَتَعْلَمُ شَيْئًا أَكْبَرُ مِنَ اللهِ؟».

قَالَ: قُلْتُ: لَا.

قَالَ: «فَإِنَّ اليَهُودَ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِمْ، وَإِنَّ النَّصَارَى ضُلَّالٌ».

قَالَ: قُلْتُ: فَإِنِّي ضَيْفٌ مُسْلِمٌ.

وَالتَّكْبِيرُ عَلَى قِسْمَيْنِ:

تَكْبِيرٌ مُطْلَقٌ، وَهُوَ الذي لَا يَتَقَيَّدُ بِشَيْءٍ، فَيُسَنُّ دَائِمًا في الصَّبَاحِ وَالمَسَاءِ، قَبْلَ الصَّلَاةِ وَبَعْدَ الصَّلَاةِ، وَفي كُلِّ الأَوْقَاتِ.

وَتَكْبِيرٌ مُقَيَّدٌ، وَهُوَ الذي يَكُونُ بَعْدَ الصَّلَاةِ، كَمَا يُسَنُّ التَّكْبِيرُ المُطْلَقُ في أَيَّامِ عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ، وَسَائِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تعالى: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ﴾. وَالأَيَّامُ المَعْلُومَاتُ هِيَ عَشْرُ ذِي الحِجَّةِ.

وَقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ﴾. وَهِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ.

وَقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ» رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَالتَّكْبِيرُ المُقَيَّدُ يَبْدَأُ مِنْ فَجْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ إلى غُرُوبِ شَمْسِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ.

فَأَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ اللهِ تعالى وَتَكْبِيرِهِ، وَخَاصَّةً مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ إلى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، امْتِثَالًا لِأَمْرِ رَبِّكُمْ تَبَارَكَ وتعالى، وَاسْتِنَانًا بِسُنَّةِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَاقْتِدَاءً بِأَثَرِ سَلَفِكُمُ الصَّالِحِ، فَقَدْ كَانَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ يُكَبِّرُونَ في هَذِهِ الأَيَّامِ الفَاضِلَةِ، وَكَانَ سَيِّدُنَا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يُكَبِّرُ في قُبَّتِهِ في مِنًى، فَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِ، فَتَرْتَجُّ مِنًى كُلُّهَا مِنَ التَّكْبِيرِ.

وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ جُرَيٍّ النَّهْدِيِّ، عَنْ رَجُلٍ، مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، قَالَ: عَدَّهُنَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي يَدِي أَوْ فِي يَدِهِ: «التَّسْبِيحُ نِصْفُ المِيزَانِ، وَالْحَمْدُ يَمْلَؤُهُ، وَالتَّكْبِيرُ يَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، وَالصَّوْمُ نِصْفُ الصَّبْرِ، وَالطُّهُورُ نِصْفُ الإِيمَانِ». هذا، والله تعالى أعلم.