السؤال :
أَخٌ حَاوَلَ الاعْتِدَاءَ عَلَى زَوْجَةِ أَخِيهِ، وَلَكِنْ لَمْ يَصِلْ إِلَيْهَا، فَهَجَرَهُ أَخُوهُ، وَأَبُوهُ يَلُومُهُ في هَجْرِهِ لِأَخِيهِ، فَمَاذَا يَصْنَعُ؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 12069
 2022-07-20

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَهَذِهِ هِيَ نَتَائِجُ مُخَالَفَةِ أَمْرِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ القَائِلِ: «إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ».

فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَرَأَيْتَ الحَمْوَ؟

قَالَ: «الحَمْوُ المَوْتُ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَرَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ قَدْ حَذَّرَنَا مِنْ مُخَالَفَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾. هَذَا أَوَّلًا.

ثَانِيًا: يَجِبُ عَلَى المَرْأَةِ المُسْلِمَةِ أَنْ تَسْتُرَ نَفْسَهَا عَنْ جَمِيعِ الرِّجَالِ الأَجَانِبِ، وَأَنْ تَحْذَرَ مِنْ مُخَالَطَتِهِمْ، وَلَو كَانَ أَخًا لِزَوْجِهَا، أَو عَمًّا لَهُ، أَو خَالًا، كَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا أَنْ تُخَالِطَ أَبْنَاءَ عَمِّهَا أَو عَمَّتِهَا أَو أَبْنَاءَ خَالِهَا أَو أَبْنَاءَ خَالَتِهَا، لِأَنَّهُ يَحِلُّ للوَاحِدِ مِنْ هَؤُلَاءِ أَنْ يَتَزَوَّجَ مِنْهَا، فَلْتَحْذَرِ المَرْأَةُ مِنَ التَّسَاهُلِ بِذَلِكَ، وَخَاصَّةً مَعَ أَقَارِبِ الزَّوْجِ.

يَقُولُ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الحَمْوُ المَوْتُ» فَمَعْنَاهُ: أَنَّ الْخَوْفَ مِنْهُ أَكْثَرُ مِنْ غَيْره، وَالشَّرُّ يُتَوَقَّعُ مِنْهُ، وَالْفِتْنَةُ أَكْثَرُ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْوُصُولِ إِلَى المَرْأَةِ وَالْخَلْوَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْكَرَ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الأَجْنَبِيِّ.

وَالْمُرَادُ بِالْحَمْوِ هُنَا أَقَارِبُ الزَّوْجِ غَيْرُ آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ.

فَأَمَّا الآبَاءُ وَالأَبْنَاءُ فَمَحَارِمُ لِزَوْجَتِهِ تَجُوزُ لَهُمُ الْخَلْوَةُ بِهَا، وَلَا يُوصَفُونَ بِالْمَوْتِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ الْأَخُ، وَابْنُ الْأَخِ، وَالْعَمُّ، وَابْنهُ، وَنَحْوُهُمْ مِمَّنْ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ.

وَعَادَةُ النَّاسِ الْمُسَاهَلَةُ فِيهِ، وَيَخْلُو بِامْرَأَةِ أَخِيهِ، فَهَذَا هُوَ الْمَوْتُ، وَهُوَ أَوْلَى بِالْمَنْعِ مِنَ الْأَجْنَبِيِّ لِمَا ذَكَرْنَاهُ. اهـ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَالتَّسَاهُلُ في حِجَابِ المَرْأَةِ، وَالجُرْأَةُ عَلَى الاخْتِلَاطِ مَعَ إخْوَةِ الزَّوْجِ سَبَبٌ لِكُلِّ شَرٍّ وَبَلِيَّةٍ، وَمَا يَقُولُهُ النَّاسُ مِنْ أَنَّ أَخَ الزَّوِجِ بِمَنْزِلَةِ الأَخِ للزَّوْجَةِ خَطَأٌ فَادِحٌ، وَلَيْسَ صَحِيحًا.

لِذَلِكَ وَجَبَ الالْتِزَامُ بِمَا أَمَرَ اللهُ تعالى بِهِ: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ﴾.

وَأَنْ تَكُونَ المَرْأَةُ عَلَى حَذَرٍ مِنَ الخُضُوعِ بِالقَوْلِ لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾.

وَمِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّ مَا أَقْدَمَ عَلَيْهِ الأَخُ ـ إِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ ـ عَمَلٌ مُنْكَرٌ وَقَبِيحٌ، وَأَصْحَابُ النُّفُوسِ الأَبِيَّةِ تَأْبَاهُ، وَلَكِنْ هَذِهِ هِيَ نَتَائِجُ الاخْتِلَاطِ المُحَرَّمِ شَرْعًا، مَعَ قِلَّةِ الوَازِعِ الدِّينِيِّ.

وَالوَاجِبُ عَلَى الوَالِدِ أَنْ يُنْكِرَ هَذَا المُنْكَرَ، وَأَنْ يُعَنِّفَ وَلَدَهُ عَلَى فِعْلِهِ هَذَا، فَإِنْ كَانَ رَاضِيًا بِمَا فَعَلَ وَلَدُهُ فَهُوَ شَرِيكٌ لَهُ في الإِثْمِ.

وَأَمَّا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهَجْرِ الأَخِ، فَهُوَ جَائِزٌ شَرْعًا إِنْ بَقِيَ مُصِرًّا عَلَى مَا فَعَلَ وَمُقِرًّا بِهِ؛ أَمَّا إِذَا تَابَ إلى اللهِ تعالى، وَرَجَعَ وَاسْتَغْفَرَ، فَلَا يَحِلُّ هَجْرُهُ، مَعَ وُجُوبِ الاحْتِرَازِ مِنَ الاخْتِلَاطِ، وَمُرَاقَبَةِ الأَخِ وَالزَّوْجَةِ.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يَسْتُرَ أَعْرَاضَنَا. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.