السؤال :
أَنَا مُتَزَوِّجٌ مِنْ فَتْرَةٍ طَوِيلَةٍ، وَإلى الآنَ لَمْ أُرْزَقْ بِنِعْمَةِ الوَلَدِ، فَهَلْ لِي وَلِزَوْجَتِي الأَجْرُ في ذَلِكَ؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 12101
 2022-08-11

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَهَنِيئًا لَكُمَا الرِّضَا بِقَضَاءِ اللهِ تعالى، رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «عِظَمُ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ، وَإِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ».

وَالرِّضَا عَنِ اللهِ تعالى في المَنْعِ دَلِيلُ بُلُوغِ العَبْدِ دَرَجَةَ الإِيمَانِ وَكَمَالَهُ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حِينَ سُئِلَ عَنِ الإِيمَانِ: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ» رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ». هَذَا أَوَّلًا.

ثَانِيًا: مَنْعُ اللهِ تعالى للعَبْدِ عَيْنُ العَطَاءِ، لِأَنَّ العَطَاءَ قَدْ يَضُرُّ العَبْدَ، وَاللهُ تعالى يَقُولُ: ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾. وَيَقُولُ: ﴿فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾.

ثَالِثًا: لَا شَكَّ أَنَّ المَالَ وَالبَنِينَ زِينَةُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَلَكِنْ بِالمُقَابِلِ قَدْ يَكُونُ الوَلَدُ مُصِيبَةً كُبْرَى لِوَالِدَيْهِ، قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.

رَابِعًا: رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ حَكِيمٌ يَضَعُ الأُمُورَ في مَحَلِّهَا، قَالَ تعالى: ﴿للهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَهَنِيئًا لَكُمَا الرِّضَا عَنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّ حِرْمَانَ الوَلَدِ مُصِيبَةٌ عَظِيمَةٌ، وَلَكِنَّ الأَعْظَمَ مِنْهَا عَدَمُ الصَّبْرُ وَالرِّضَا عَنِ اللهِ تعالى في قَضَائِهِ، فَمَنْ صَبَرَ فَهَنِيئًا لَهُ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾.

وَبِقَوْلِهِ تعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾.

وَلَكِنَّ هَذَا لَا يَمْنَعُ مِنَ الأَخْذِ بِالأَسْبَابِ الحِسِّيَّةِ مِنْ أَجْلِ الإِنْجَابِ مِنَ التَّدَاوِي، وَمِنَ الأَخْذِ بِالأَسْبَابِ المَعْنَوِيَّةِ مِنَ الالْتِجَاءِ إلى اللهِ تعالى وَكَثْرَةِ الاسْتِغْفَارِ، قَالَ تعالى حِكَايَةً عَنْ سَيِّدِنَا نُوحٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِقَوْمِهِ: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ﴾. هذا، والله تعالى أعلم.