السؤال :
لِمَاذَا لَمْ يَتَحَدَّثِ العُلَمَاءُ عَنْ اسْتِشْهادِ سَيِّدِنَا الحُسَيْنِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 12106
 2022-08-11

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَإِنَّهُ مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّ حَادِثَةَ اسْتِشْهادِ سَيِّدِنَا الحُسَيْنِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَأْسَاةٌ عَظِيمَةٌ، وَقَدْ كَانَ اليَوْمُ الذي قُتِلَ فِيهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَوْمَ مُصِيبَةٍ كَبِيرَةٍ، كَمَا أَنَّ اليَوْمَ الذي قُتِلَ فِيهِ سَيِّدُنَا عُثْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَوْمُ مُصِيبَةٍ كَبِيرَةٍ، وَاليَوْمَ الذي قُتِلَ فِيهِ سَيِّدُنَا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَوْمُ مُصِيبَةٍ كَبِيرَةٍ، وَاليَوْمَ الذي قُتِلَ فِيهِ سَيِّدُنَا حَمْزَةُ أَسَدُ اللهِ وَأَسَدُ رَسُولِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَوْمُ مُصِيبَةٍ كَبِيرَةٍ، وَاليَوْمَ الذي قُبِضَ فِيهِ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَتَأَلَّمُ مِنْ أَثَرِ السُّمِّ الذي جَعَلَتْهُ اليَهُودِيَّةُ في ذِرَاعِ الشَّاةِ يَوْمُ مُصِيبَةٍ كَبِيرَةٍ، وَهَذِهِ المُصِيبَةُ أَعْظَمُ المَصَائِبِ، حَيْثُ أَظْلَمَ في المَدِينَةِ كُلُّ شَيْءٍ.

وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَقْصِيَ مِثْلَ هَذِهِ المَصَائِبِ التي أَصَابَتِ المُسْلِمِينَ لَعَجَزَ عَنِ الاسْتِقْصَاءِ، يَوْمُ الرَّجِيعِ قُتِلَ فِيهِ مَنْ قُتِلَ، وَيَوْمُ بِئْرِ مَعُونَةَ قُتِلَ فِيهِ مَنْ قُتِلَ، وَيَوْمُ الحَرَّةِ قُتِلَ فِيهِ مَنْ قُتِلَ، وَيَوْمُ أُحُدٍ قُتِلَ فِيهِ سَبْعُونَ صَحَابِيًّا رَضِيَ اللهُ عَنْهُم جَميْعاً ، فَهَلْ نَجْعَلُ لقَتْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ العُظَمَاءِ يَوْمَ حُزْنٍ للمُسْلِمِينَ لِتَجْدِيدِ أَحْزَانِهِمْ؟

إِنَّ جَعْلَ يَوْمِ المُصِيبَةِ يَوْمَ حُزْنٍ يَتَجَدّدُ في كُلِّ عَامٍ، أَمْرٌ لَا يَجُوزُ شَرْعًا، لِأَنَّ الفُقَهَاءَ نَصُّوا عَلَى أَنَّ السَّنَوِيَّةَ للمَيْتِ أَمْرٌ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَفِيهِ تَجْدِيدُ حُزْنٍ وَضَيَاعُ مَالٍ، وَلَا يَنْتَفِعُ المَيْتُ بِذَلِكَ، رَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ قَالَتْ: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ تُحِدُّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ، إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا».

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَلِمَاذَا التَّرْكِيزُ عَلَى مَقْتَلِ سَيِّدِنَا الحُسَيْنِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَلَيْسَ عَلَى سَيِّدِنَا الحَسَنِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الذي قُتِلَ بِالسُّمِّ، وَلَيْسَ عَلَى أَبِي الحَسَنَيْنِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ جَمِيعًا، وَلَيْسَ عَلَى سَيِّدِنَا حَمْزَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَلَيْسَ عَلَى سَيِّدِ الخَلْقِ وَحَبِيبِ الحَقِّ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

وَمَاذَا يَنْفَعُ النُّوَاحُ عَلَى مَقْتَلِ العُظَمَاءِ مِنَ الأُمَّةِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَانَ فِلْذَةَ كَبِدٍ في حَيَاةِ المُسْلِمِينَ؟

لَقَدْ شَمِتَ أَعْدَاءُ الأُمَّةِ بِهَذِهِ الأُمَّةِ التي تَعِيشُ مَعَ ظُلُمَاتِ تِلْكَ المَصَائِبِ المَاضِيَةِ، وَهِيَ مُتَنَاسِيَةٌ المَصَائِبَ التي تُحِيقُ بِالأُمَّةِ، حَيْثُ تَدَاعَتْ عَلَيْهَا الأُمَمُ، وَأَحَاطَتْ بِهَا كَإِحَاطَةِ السِّوَارِ بِالمِعْصَمِ، بَلْ كَمَا شَبَّهَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: «يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا».

فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟

قَالَ: «بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزَعَنَّ اللهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ».

فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا الْوَهْنُ؟

قَالَ: «حُبُّ الدُّنْيَا، وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

أَحَاطَتِ الأُمَمُ بِهَذِهِ الأُمَّةِ، وَتُحَاوِلُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا أَنْ تَجْعَلَ مِنَّا لُقْمَةً سَائِغَةً لَهَا.

يَجِبُ عَلَى الأٌمَّةِ أَنْ تَدَعَ مَاضِيَ المَآسِي، وَأَنْ تَفْهَمَ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.

فَأَمَامَنَا مَحْكَمَةٌ أَمَامَ قَيُّومِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الذي يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى، نَحْنُ لَنْ نُسْأَلَ عَمَّنْ مَضَى، كَمَا أَنَّهُمْ لَنْ يُسْأَلُوا عَنَّا.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يَجْعَلَنَا عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ أَمْرِنَا. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.