السؤال :
لَقَدْ أَصْبَحْتُ أَكْرَهُ جَمِيعَ النِّسَاءِ بِسَبَبِ سُفُورِهِنَّ وَعَدَمِ الْتِزَامِهِنَّ بِالحِجَابِ، وَبِسَبَبِ تَضْيِيعِهِنَّ لِشَبَابِ الأُمَّةِ، أَلَيْسَ هَذَا مِنْ حَقِّي؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 12122
 2022-08-18

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَالكُرْهُ وَالبُغْضُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ للفِعْلِ لَا للشَّخْصِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تعالى حِكَايَةً عَنْ سَيِّدِنَا لُوطٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ﴾. فَالبُغْضُ يَكُونُ للعَمَلِ المُخَالِفِ. هَذَا أَوَّلًا.

ثَانِيًا: مِنْ حِكْمَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ جَعَلَ البَشَرَ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى، وَرَكَّبَ فِيهِمُ الغَرَائِزَ وَفَطَرَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾.

وَقَالَ: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ المَآبِ﴾.

وَجَعَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ طَبَائِعَ البَشَرِ مُخْتَلِفَةً، وَكَذَلِكَ أَخْلَاقُهُمْ وَاسْتِقَامَتُهُمْ، فَمِنْهُمُ المُؤْمِنُ وَالكَافِرُ، وَالطَّائِعُ وَالعَاصِي، وَجَعَلَ أَهْلَ الصَّلَاحِ مُتَفَاوِتِينَ، كَمَا جَعَلَ أَهْلَ الفَسَادِ مُتَفَاوِتِينَ في فَسَادِهِمْ وَإِفْسَادِهِمْ.

ثَالِثًا: مَنْ مَنَّ اللهُ تعالى عَلَيْهِ بِالاسْتِقَامَةِ وَالهِدَايَةِ، وَشَرَحَ صَدْرَهُ للإِسْلَامِ، وَحَبَّبَ إلى قَلْبِهِ الإِيمَانَ، وَأَرْشَدَهُ إلى طَرِيقِ الخَيْرِ وَالفَلَاحِ، وَرَأَى غَيْرَهُ يَتَخَبَّطُ في طُرُقِ الغِوَايَةِ، فَكَانَ مِنْهُمُ الفَاسِدَ وَالمُفسِدَ، فَلْيَحْمَدِ اللهَ تعالى عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ، وَلْيَكُنْ مِمَّنْ يَدْعُو اللهَ تعالى بِالهِدَايَةِ لِأَهْلِ الغِوَايَةِ، وَلْيَذْكُرْ قَوْلَ سَيِّدِنَا عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: لَا تَنْظُرُوا فِي ذُنُوبِ الْعِبَادِ كَأَنَّكُمْ أَرْبَابٌ، وَانْظُرُوا فِي ذُنُوبِكُمْ، فَإِنَّمَا النَّاسُ رَجُلَانِ: مُبْتَلًى وَمُعَافًى، فَارْحَمُوا أَهْلَ الْبَلَاءِ وَاحْمَدُوا اللهَ عَلَى الْعَافِيَةِ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَإِذَا رَأَيْتَ بَعْضَ النِّسَاءِ سَافِرَاتٍ مُتَبَرِّجَاتٍ وَسَلَكْنَ طَرِيقَ الغِوَايَةِ فَلَا تُعَمِّمْ هَذَا عَلَى جَمِيعِ النِّسَاءِ، لِأَنَّ هُنَاكَ مِنَ النِّسَاءِ مَنِ انْطَبَقَ عَلَيْهِنَّ قَوْلُهُ تعالى: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾.

وَكُنْ عَلَى حَذَرٍ مِنْ أَنْ تَنْدَرِجَ تَحْتَ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا قَالَ الرَّجُلُ: هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ».

قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: لَا أَدْرِي، أَهْلَكَهُمْ بِالنَّصْبِ، أَوْ أَهْلَكُهُمْ بِالرَّفْعِ. رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَتَذَكَّرْ أَخِيرًا قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ» رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَهَذِهِ الطَّائِفَةُ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ هُمُ المُشَارُ إِلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾. وَهَذَا يَشْمَلُ النِّسَاءَ كَذَلِكَ. هذا، والله تعالى أعلم.