السؤال :
هَلْ صَحِيحٌ أَنَّ المُنْتَحِرَ كَافِرٌ، وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَلَا يُدْعَى لَهُ؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 12169
 2022-09-09

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَقَدْ رَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ، فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا».

وَرَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنِ الحَسَنِ، حَدَّثَنَا جُنْدَبٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي هَذَا المَسْجِدِ فَمَا نَسِينَا وَمَا نَخَافُ أَنْ يَكْذِبَ جُنْدَبٌ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كَانَ بِرَجُلٍ جِرَاحٌ، فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَقَالَ اللهُ: بَدَرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ».

لَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنَ الفُقَهَاءِ، وَخَاصَّةً أَصْحَابَ المَذَاهِبِ الأَرْبَعَةِ، أَنَّ المُنْتَحِرَ كَافِرٌ، وَخَارِجٌ عَنِ الدِّينِ، وَلَكِنْ ذَكَرُوا أَنَّ المُنْتَحِرَ صَاحِبُ كَبِيرَةٍ وَأَمْرُهُ إلى اللهِ تعالى، إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ.

وَمَا جَاءَ في الأَحَادِيثِ الشَّرِيفَةِ مِنْ خُلُودِ المُنْتَحِرِ في النَّارِ مَحْمُولٌ عَلَى الاسْتِحْلَالِ، وَمَنِ اسْتَحَلَّ الكَبَائِرَ صَارَ كَافِرًا، وَالكَافِرُ خَالِدٌ في النَّارِ بِلَا رَيْبٍ، سَوَاءٌ أَفَعَلَ الكَبِيرَةَ أَمْ لَا، وَخُلُودُهُ في النَّارِ بِسَبَبِ الاسْتِحْلَالِ، أَمَّا مَنْ فَعَلَ الكَبِيرَةَ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْلَالٍ فَلَيْسَ بِكَافِرٍ، وَأَمْرُهُ إلى اللهِ تعالى.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَالمُنْتَحِرُ لَيْسَ بِكَافِرٍ، وَيُغَسَّلُ وَيُكَفَّنُ وَيُصلَّى عَلَيْهِ، وَيُدْفَنُ في مَقَابِرِ المُسْلِمِينَ، وَهُوَ تَحْتَ المَشِيئَةِ، وَلَيْسَ مَقْطُوعًا بِخُلُودِهِ في النَّارِ، لِمَا رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ الطُّفَيْلَ بْنَ عَمْرٍو الدَّوْسِيَّ، أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ لَكَ فِي حِصْنٍ حَصِينٍ وَمَنْعَةٍ؟ ـ قَالَ: حِصْنٌ كَانَ لِدَوْسٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ـ.

فَأَبَى ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِلَّذِي ذَخَرَ اللهُ لِلْأَنْصَارِ، فَلَمَّا هَاجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ، هَاجَرَ إِلَيْهِ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو وَهَاجَرَ مَعَهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَاجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ (كَرِهُوا المُقَامَ بِهَا لِضَجَرٍ وَنَوْعٍ مِنْ سَقَمٍ) فَمَرِضَ، فَجَزِعَ، فَأَخَذَ مَشَاقِصَ لَهُ، فَقَطَعَ بِهَا بَرَاجِمَهُ، فَشَخَبَتْ يَدَاهُ حَتَّى مَاتَ، فَرَآهُ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فِي مَنَامِهِ، فَرَآهُ وَهَيْئَتُهُ حَسَنَةٌ، وَرَآهُ مُغَطِّيًا يَدَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: مَا صَنَعَ بِكَ رَبُّكَ؟

فَقَالَ: غَفَرَ لِي بِهِجْرَتِي إِلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

فَقَالَ: مَا لِي أَرَاكَ مُغَطِّيًا يَدَيْكَ؟

قَالَ: قِيلَ لِي: لَنْ نُصْلِحَ مِنْكَ مَا أَفْسَدْتَ، فَقَصَّهَا الطُّفَيْلُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اللهُمَّ وَلِيَدَيْهِ فَاغْفِرْ». هذا، والله تعالى أعلم.