السؤال :
ابْتُلِيتُ بِأُخْتٍ تَرْفُضُ الحِجَابَ رَفْضًا تَامًّا، وَبِكُلِّ أَسَفٍ تَرْكُهَا للحِجَابِ بِمُوَافَقَةِ الأَبَوَيْنِ، فَهَلْ مِنْ حَقِّي أَنْ أَضْرِبَهَا حَتَّى تَتَحَجَّبَ؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 12216
 2022-10-03

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَجِبُ عَلَى الأَخِ أَنْ يَكُونَ عَوْنًا لِأُخْتِهِ عَلَى طَاعَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ أَمْرُهَا بِالحِجَابِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَسْلُكَ في ذَلِكَ سَبِيلَ الحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾. وَلِقَوْلِهِ تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾.

وَلْيَعْلَمْ هَذَا الأَخُ أَنَّهُ مَنْ لَانَتْ كَلِمَتُهُ وَجَبَتْ مَحَبَّتُهُ، وَلْيَذْكُرْ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا﴾.

وَلْيَحْذَرِ الكَلِمَةَ القَاسِيَةَ الجَارِحَةَ، لِأَنَّهَا سَبَبٌ لِدُخُولِ الشَّيْطَانِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُخْتِهِ.

وَلْيَكُنْ ذَا رَحْمَةٍ وَرِفْقٍ بِأُخْتِهِ، فَهِيَ مَرِيضَةٌ في دِينِهَا، وَالمَرِيضُ يَحْتَاجُ إلى رَحْمَةٍ وَرِفْقٍ، وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ، يُحْرَمِ الْخَيْرَ» رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ جَرِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. هَذَا أَوَّلًا.

ثَانِيًا: هَجْرُ أَهْلِ المَعَاصِي بَعْدَ النُّصْحِ وَالتَّذْكِيرِ بِأُسْلُوبٍ حَكِيمٍ مَشْرُوعٍ جَائِزٌ شَرْعًا إِذَا عَلِمَ الهَاجِرُ أَنَّ الهَجْرَ يَنْفَعُ وَيُؤَثِّرُ، أَمَّا إِذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الهَجْرَ يَزِيدُ في التَّمَرُّدِ وَالعِصْيَانِ وَالعِنَادِ، وَيَكُونُ حَائِلًا دُونَ اسْتِمْرَارِ النُّصْحِ وَالدَّعْوَةِ فَلَا يَجُوزُ الهَجْرُ في هَذِهِ الحَالَةِ، حَتَّى لَا يَسْتَفْحِلَ أَمْرُ المَعْصِيَةَ أَكْثَرَ.

فَالهَجْرُ بِمَنْزِلَةِ الدَّوَاءِ، يُسْتَعْمَلُ عِنْدَ الحَاجَةِ إِذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ نَفْعُهُ.

ثَالِثًا: ضَرْبُ الأُخْتِ في حَالِ إِصْرَارِهَا عَلَى تَرْكِ الحِجَابِ مَعَ وُجُودِ الوَالِدَيْنِ لَا يَجُوزُ، لِأَنَّهُ لَا سُلْطَانَ للأَخِ عَلَى أُخْتِهِ في هَذِهِ الحَالَةِ، وَيَكْفِيهِ النُّصْحُ وَالبَيَانُ، وَالاسْتِعَانَةُ بِالوَالِدَيْنِ، وَتَذْكِيرُ الوَالِدَيْنِ بِقَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾.

وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ زَوْجِهَا، وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْؤُولَةٌ عَنْهُمْ» رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَأَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يُعِينَكَ عَلَى صَلَاحِ أُخْتِكَ بِالكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ، وَبِالهَدِيَّةِ المُحَبَّبَةِ إلى قَلْبِهَا، مَعَ النُّصْحِ لَهَا وَالتَّذْكِيرِ بِأُسْلُوبٍ حَكِيمٍ، مَعَ كَثْرَةِ الدُّعَاءِ لَهَا بِظَهْرِ الغَيْبِ، وَلَا يَجُوزُ لَكَ ضَرْبُهَا لِأَنَّهُ لَا سُلْطَانَ لَكَ عَلَيْهَا، وَكُنْ عَلَى حَذَرٍ مِنْ هَجْرِهَا إِلَّا إِذَا تَيَقَّنْتَ أَنَّ هَجْرَهَا يَرُدُّهَا إلى جَادَّةِ الصَّوَابِ. هذا، والله تعالى أعلم.