السؤال :
إِنْسَانٌ مُعَاقٌ، وَيُفَكِّرُ في الانْتِحَارِ بِسَبَبِ إِعَاقَتِهِ، وَهُوَ مِمَّنْ يُحَافِظُ عَلَى صَلَوَاتِهِ، فَمَا نَصِيحَتُكُمْ لَهُ؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 12229
 2022-10-10

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أَمَا تَعْلَمُ يَا أَخِي الكَرِيمَ المُعَاقَ، مَا نَتِيجَةُ الانْتِحَارِ في الآخِرَةِ؟ أَلَمْ يَقُلْ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ، فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا»؟ رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

أَتَرْضَى أَنْ تَنْتَقِلَ مِنْ إِعَاقَةٍ في الدُّنْيَا إلى عَذَابٍ مُقِيمٍ في الآخِرَةِ؟ هَذَا أَوَّلًا.

ثَانِيًا: يَجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تُقَوِّيَ إِيمَانَكَ، مِنْ خِلَالِ تِلَاوَةِ القُرْآنِ العَظِيمِ، وَمِنْ خِلَالِ الأَحَادِيثِ الشَّرِيفَةِ، وَأَنْ تَقْرَأَ سِيرَةَ السَّلَفِ الصَّالِحِ الذينَ ابْتِلَاهُمُ اللهُ تعالى.

ثَالِثًا: يَجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تَتَذَكَّرَ أَنَّ الحَيَاةَ الدُّنْيَا هِيَ للاخْتِبَارِ وَالابْتِلَاءِ، وَخَاصَّةً لِأَهْلِ الإِيمَانِ، وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ بَلَاءً الْأَنْبِيَاءَ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ حُذَيْفَةَ، عَنْ عَمَّتِهِ فَاطِمَةَ.

رَابِعًا: كُنْ عَلَى يَقِينٍ أَنَّ جَمِيعَ نِعَمِ الدُّنْيَا، وَمَتَاعَهَا، وَزُخْرُفَهَا، وَشَهَوَاتِهَا، وَاللهِ لَا تُسَاوِي شَيْئًا مِنْ نَعِيمِ الآخِرَةِ، رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً، ثُمَّ يُقَالُ: يَا بْنَ آدَمَ، هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا وَاللهِ يَا رَبِّ.

وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِي الْجَنَّةِ، فَيُقَالُ لَهُ: يَا بْنَ آدَمَ، هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا وَاللهِ يَا رَبِّ، مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ، وَلَا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ».

خَامِسًا: اعْلَمْ يَا أَخِي المُعَاقَ أَنَّ عِظَمَ الجَزَاءِ وَالثَّوَابِ وَالعَطَاءِ عَلَى قَدْرِ عِظَمِ البَلَاءِ، وَلَو عَلِمْتَ مَا لَكَ يَوْمَ القِيَامَةِ إِنْ صَبَرْتَ مِنْ ثَوَابٍ وَجَزَاءٍ لَمَا جَزِعْتَ، وَلَا يَئِسْتَ، فَضْلًا عَنْ أَنْ تُفَكِّرَ في الانْتِحَارِ، وَاسْمَعْ هَذَا الحَدِيثَ الشَّرِيفَ الذي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَوَدُّ أَهْلُ العَافِيَةِ يَوْمَ القِيَامَةِ حِينَ يُعْطَى أَهْلُ البَلَاءِ الثَّوَابَ لَوْ أَنَّ جُلُودَهُمْ كَانَتْ قُرِضَتْ فِي الدُّنْيَا بِالمَقَارِيضِ».

وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ عِظَمَ الجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ البَلَاءِ، وَإِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ».

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَالمُؤْمِنُ الحَقُّ ـ وَأَنْتَ مِنْهُمْ إِنْ شَاءَ اللهُ تعالى ـ صَاحِبُ عَزِيمَةٍ، وَلَا يَسْتَسْلِمُ للأَمْرِ الوَاقِعِ الذي يُضْعِفُهُ، بَلْ يَسْعَى وَيَجِدُّ فِيمَا كُلِّفَ بِهِ، حَتَّى وَلَو كَانَ مُعَاقًا لِيُتَرْجِمَ بِذَلِكَ عَنْ مَدَى حُبِّهِ للهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾.

فَكَمْ وَكَمْ مِنْ أَهْلِ الإِعَاقَةِ مَنْ كَانَ مَضْرِبَ مَثَلٍ في الرِّضَا عَنِ اللهِ تعالى.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يُعْظِمَ لَكُمُ الأَجْرَ، وَيَرْزُقَنَا وَإِيَّاكُمْ الرِّضَا عَنِ اللهِ تعالى، رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يَأْخُذُ عَنِّي هَؤُلَاءِ الكَلِمَاتِ فَيَعْمَلُ بِهِنَّ أَوْ يُعَلِّمُ مَنْ يَعْمَلُ بِهِنَّ»؟

فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقُلْتُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ.

فَأَخَذَ بِيَدِي فَعَدَّ خَمْسًا، وَقَالَ: «اتَّقِ المَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ، وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ، وَأَحْسِنْ إِلَى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا، وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِمًا، وَلَا تُكْثِرِ الضَّحِكَ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ القَلْبَ». هذا، والله تعالى أعلم.