طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَد روى الإمام البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: وَسَمِعْتُ أَخَاهُ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ، يُحَدِّثُ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَوْمَاً لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: فِيمَ تَرَوْنَ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ: ﴿أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ﴾؟
قَالُوا: اللهُ أَعْلَمُ.
فَغَضِبَ عُمَرُ فَقَالَ: قُولُوا نَعْلَمُ أَوْ لَا نَعْلَمُ.
فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فِي نَفْسِي مِنْهَا شَيْءٌ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ.
قَالَ عُمَرُ: يَا ابْنَ أَخِي، قُلْ وَلَا تَحْقِرْ نَفْسَكَ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ضُرِبَتْ مَثَلَاً لِعَمَلٍ.
قَالَ عُمَرُ: أَيُّ عَمَلٍ؟
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لِعَمَلٍ.
قَالَ عُمَرُ: لِرَجُلٍ غَنِيٍّ يَعْمَلُ بِطَاعَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ بَعَثَ اللهُ لَهُ الشَّيْطَانَ، فَعَمِلَ بِالمَعَاصِي حَتَّى أَغْرَقَ أَعْمَالَهُ.
وَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الحَدِيثِ الشَّرِيفِ، أَنَّ الإِنْسَانَ إِذَا سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ، وَأَرَادَ السَّائِلُ أَنْ يَعْرِفَ مَا عِنْدَ المَسْؤُولِ مِنْ عِلْمٍ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُجِيبَ عَنِ السُّؤَالِ، فَإِنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُجِيبَ بِقَوْلِهِ: لَا أَعْلَمُ، لِأَنَّ الجَوَابَ في مِثْلِ هَذَا الحَالِ بِقَوْلِهِ: اللهُ أَعْلَمُ؛ لَيْسَ في مَحَلِّهِ.
لِذَلِكَ غَضِبَ سَيِّدُنَا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عِنْدَمَا أَجَابُوا بِقَوْلِهِمْ: اللهُ أَعْلَمُ، وَقَالَ: قُولُوا نَعْلَمُ أَوْ لَا نَعْلَمُ.
فَإِذَا سُئِلَ العَبْدُ سُؤَالَاً يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُجِيبَ، ثُمَّ يُتْبِعَ الإِجَابَةَ بِقَوْلِهِ: وَاللهُ تعالى أَعْلَمُ.
وبناء على ذلك:
فَمَا ثَبَتَ عَنْ سَيِّدِنَا عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ هَذَا القَوْلُ الوَارِدُ في السُّؤَالِ، وَإِنْ كَانَ المَعْنَى صَحِيحَاً بِقَوْلِهِ: لَقَدْ شَقِينَا إِنْ كُنَّا لَا نَعْلَمُ أَنَّ اللهَ أَعْلَمُ.
وَلَكِنْ لَا حَرَجَ مِنْ إِجَابَةِ السَّائِلِ بِقَوْلِ: اللهُ أَعْلَمُ، لِأَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَجَابَ بِقَوْلِهِ: اللهُ أَعْلَمُ؛ روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَرَارِيِّ المُشْرِكِينَ.
فَقَالَ: «اللهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ».
وَقَدْ ثَبَتَ بِأَنَّ سَيِّدَنَا عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَجَابَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عِنْدَمَا سَأَلَهُ: «يَا عُمَرُ، أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟».
قَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. رواه الإمام مسلم.
وَقَدْ وَرَدَ عَنْ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا سُئِلْتُمْ عَمَّا لَا تَعْلَمُونَ، فَاهْرُبُوا.
قَالَ: وَكَيْفَ الهَرَبُ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ؟
قَالَ: تَقُولُونَ: اللهُ أَعْلَمُ. رواه الدارمي.
وَيَقُولُ سَيِّدُنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: مَنْ عَلِمَ مِنْكُمْ عِلْمَاً، فَلْيَقُلْ بِهِ، وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ، فَلْيَقُلْ لِمَا لَا يَعْلَمُ: اللهُ أَعْلَمُ، فَإِنَّ الْعَالِمَ إِذَا سُئِلَ عَمَّا لَا يَعْلَمُ، قَالَ: اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ، وَقَدْ قَالَ اللهُ لِرَسُولِهِ: ﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ المُتَكَلِّفِينَ﴾. رواه الدارمي. هذا، والله تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2024 https://www.naasan.net/print.ph/ |