السؤال :
امرأة تم الفراق بينها وبين زوجها، ولهما طفلة صغيرة، لا تستطيع الأم أن تضمها إلى نفسها بشكل دائم، وهي حريصة على حضانتها، ولكن ظرف أهلها لا يسمح بذلك، فطلبت من زوجها أن تأخذ الطفلة ثلاثة أيام ليلاً ونهاراً، وتبقى أربعة أيام عنده، ولكن والد الطفلة يأبى، إلا أن تكون عنده دائماً، أو عندها دائماً، ويأذن لها أن ترى ابنتها ساعات في بعض الأيام، دون المبيت عندها؛ فما هو الحكم الشرعي في ذلك؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 9650
 2019-05-08

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَلِكُلٍّ مِنَ الحَاضِنِ وَالمَحْضُونِ حَقٌّ في الحَضَانَةِ، فَهِيَ حَقُّ الحَاضِنِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَو امْتَنَعَ عَنِ الحَضَانَةِ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا، لِأَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَيْهِ، وَلَو أَسْقَطَ حَقَّهُ فِيهَا سَقَطَ، وَإِذَا أَرَادَ العَوْدَ وَكَانَ أَهْلَاً لَهَا عَادَ إِلَيْهِ حَقُّهُ عِنْدَ جُمْهُورِ الفُقَهَاءِ، لِأَنَّهُ حَقٌّ يَتَجَدَّدُ بِتَجَدُّدِ الزَّمَانِ.

وَالنِّسَاءُ يُقَدَّمْنَ عَلَى الرِّجَالِ في الحَضَانَةِ، لِأَنَّهُنَّ أَشْفَقُ وَأَرْفَقُ، وَبِهَا أَلْيَقُ وَأَهْدَى إلى تَرْبِيَةِ الصِّغَارِ.

وَالأُمُّ هِيَ الأَحَقُّ بِالحَضَانَةِ إِنِ افْتَرَقَتْ عَنْ زَوْجِهَا، لِمَا وَرَدَ عند الحاكم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً، وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً، وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً، وَإِنَّ أَبَاهُ طَلَّقَنِي، وَأَرَادَ أَنْ يَنْزِعَهُ عَنِّي.

قَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي».

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَمَا دَامَتِ الأُمُّ لَمْ تَتَزَوَّجْ فَهِيَ أَحَقُّ بِالحَضَانَةِ مِنْ أَبِ المَحْضُونِ، وَمَا دَامَتْ أَنَّهَا صَاحِبَةُ عُذْرٍ في ضَمِّ المَحْضُونِ إِلَيْهَا دَائِمَاً، فَمِنْ حَقِّهَا أَنْ تَضُمَّهُ إِلَيْهَا الأَيَّامَ التي تَسْتَطِيعُ عَلَيْهَا، ثُمَّ يَأْخُذَهُ أَبُوهُ، لِأَنَّ حِرْمَانَ الأُمِّ مِنْ حَقِّ الحَضَانَةِ يَحْرُمُ شَرْعَاً، وَمَا دَامَتْ أَنَّهَا حَرِيصَةٌ عَلَى ضَمِّ المَحْضُونِ إِلَيْهَا بَعْضَ الأَيَّامِ بِسَبَبِ العُذْرِ ـ وَاللهُ تعالى هُوَ الذي يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ـ فَلَا يَجُوزُ حِرْمَانُهَا مِنْ ذَلِكَ، كَمَا لَا يَجُوزُ إِلْزَامُهَا بِالتَّنَازُلِ عَنِ حَقِّ الحَضَانَةِ، وَخَاصَّةً إِذَا كَانَ وَالِدُ المَحْضُونِ يَعْلَمُ العُذْرَ، وَإِنْ تَنَازَلَتْ عَنْ حَقِّهَا في الحَضَانَةِ فَهُوَ حَقٌّ مُتَجَدِّدٌ بِتَجَدُّدِ الزَّمَانِ.

وَأَنَا أَنْصَحُ وَالِدَ المَحْضُونِ بِالمُوَافَقَةِ عَلَى ذَلِكَ، رَحْمَةً بِالمَحْضُونِ، وَحَتَّى لَا يُزْرَعَ في قَلْبِهِ الحِقْدُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَبَوَيْهِ أَو كِلَيْهِمَا؛ وَالظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ القِيَامَةِ. هذا، والله تعالى أعلم.