السؤال :
مَا صِحَّةُ هَذَا القَوْلِ: مَنِ اسْتُغْضِبَ فَلَمْ يَغْضَبْ فَهُوَ حِمَارٌ؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 9784
 2019-06-29

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَقَدْ وَرَدَ عَنِ الرَّبِيعِ يَقُولُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى يَقُولُ: مَنِ اسْتُغْضِبَ فَلَمْ يَغْضَبْ فَهُوَ حِمَارٌ، وَمَنِ اسْتُرْضِيَ فَلَمْ يَرْضَ فَهُوَ شَيْطَانٌ. رواه البيهقي.

الغَضَبُ نَوْعَانِ: غَضَبٌ مَحْمُودٌ، وَغَضَبٌ مَذْمُومٌ.

فَالغَضَبُ المَحْمُودُ هُوَ الغَضَبُ للهِ تعالى، وَذَلِكَ إِذَا انْتُهِكَتْ حُرُمَاتُ اللهِ تعالى، وَكَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَغْضَبُ إِذَا انْتُهِكَتْ حُرُمَاتُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، عَلَى سَبِيلِ المِثَالِ، روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي لَأَتَأَخَّرُ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ أَجْلِ فُلَانٍ، مِمَّا يُطِيلُ بِنَا.

فَمَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ غَضِبَ فِي مَوْعِظَةٍ قَطُّ أَشَدَّ مِمَّا غَضِبَ يَوْمَئِذٍ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ، فَأَيُّكُمْ أَمَّ النَّاسَ فَلْيُوجِزْ، فَإِنَّ مِنْ وَرَائِهِ الْكَبِيرَ، وَالضَّعِيفَ وَذَا الْحَاجَةِ».

أَمَّا الغَضَبُ المَذْمُومُ فَهُوَ غَضَبُ الطَّائِشِ الذي فِيهِ حُبُّ الانْتِقَامِ للنَّفْسِ الأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ، هُوَ الغَضَبُ لِأُمُورٍ تَافِهَةٍ في الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَمِنْ هَذَ المُنْطَلَقِ أَوْصَى سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِعَدَمِ الغَضَبِ.

روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلَاً قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: أَوْصِنِي.

قَالَ: «لَا تَغْضَبْ».

فَرَدَّدَ مِرَارَاً، قَالَ: «لَا تَغْضَبْ».

وروى الإمام أحمد عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَوْصِنِي؟

قَالَ: «لَا تَغْضَبْ».

قَالَ: قَالَ الرَّجُلُ: فَفَكَّرْتُ حِينَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ، فَإِذَا الغَضَبُ يَجْمَعُ الشَّرَّ كُلَّهُ.

وروى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ».

وَسَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ يَغْضَبُ لِنَفْسِهِ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَالكَلَامُ مَنْسُوبٌ للإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الغَضَبِ المَحْمُودِ المَطْلُوبِ شَرْعَاً مِنَ المُسْلِمِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ الغَضَبُ إِذَا انْتُهِكَتْ حُرُمَاتُ اللهِ تعالى. هذا، والله تعالى أعلم.