السؤال :
إذا كان لا يجوز إعطاء زكاة المال وصدقة الفطر للمدارس الشرعية ليصرفوها على المدرسين، فمن أين تدفع رواتب المدرسين؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 9715
 2019-05-27

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولاً: تُدْفَعُ لَهُمْ مِنَ الصَّدَقَاتِ وَالهِبَاتِ وَالوَصَايَا وَالتَّبَرُّعَاتِ، وَلَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَقُولَ: أَيْنَ هَؤُلَاءِ الذينَ يَدْفَعُونَ الصَّدَقَاتِ؟ لِأَنَّ الوَاقِعَ الذي نَعِيشُهُ اليَوْمَ في جَوِّ هَذِهِ الأَزْمَةِ يُبَيِّنُ أَنْ هُنَاكَ مَنْ دَفَعُوا مِئَاتِ المَلَايِينِ، وَكُلُّهَا مِنَ الصَّدَقَاتِ لِتَرْمِيمِ بُيُوتِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَالخَيْرُ في هَذِهِ الأُمَّةِ قَائِمٌ بِإِذْنِ اللهِ تعالى وَلَنْ يَمُوتَ.

ثانياً: تُدْفَعُ لَهُمْ مِنْ غَلَّاتِ الأَوْقَافِ التي تَرَكَهَا آبَاؤُنَا وَأَجْدَادُنَا، حَيْثُ أَوْقَفُوا مِنَ العَقَارَاتِ وَغَيْرِهَا مَا يُغْنِي المُسْلِمِينَ في عِمَارَةِ بُيُوتِ اللهِ تعالى، وَدَعْمِ المَدَارِسِ الشَّرْعِيَّةِ وَالمَعَاهِدِ.

ثالثاً: إِذَا لَمْ يُوجَدِ المُتَبَرِّعُونَ، وَلَمْ تُدْعَمِ المَدَارِسُ الشَّرْعِيَّةُ مِنْ قِبَلِ غَلَّاتِ الأَوْقَافِ، فَلْتَكُنِ المَدَارِسُ الشَّرْعِيَّةُ كَبَقِيَّةِ المَعَاهِدِ التي تَأْخُذُ أَقْسَاطَاً شَهْرِيَّةً مِنَ الطُّلَّابِ، لِتَدْفَعَ للمُدَرِّسِينَ وَلِسَائِرِ المُوَظَّفِينَ.

وَمَا الذي يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَجُلُّ الطُّلَّابِ مُسَجَّلِينَ في مَعَاهِدِ التَّدْرِيسِ وَيَدْفَعُونَ أَقْسَاطَاً شَهْرِيَّةً، حَتَّى في المَرْحَلَةِ الابْتِدَائِيَّةِ.

رابعاً: إِلْغَاءُ المَبِيتِ اللَّيْلِيِّ في المَدَارِسِ الشَّرْعِيَّةِ، لِأَنَّهُ يُحَمِّلُ المَدْرَسَةَ أَعْبَاءَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَهِيَ في حَالَةِ غِنَىً عَنْ ذَلِكَ؛ وَجُلُّ المَدَارِسِ وَالمَعَاهِدِ الشَّرْعِيَّةِ لَيْسَ فِيهَا المَبِيتُ اللَّيْلِيُّ.

يَجِبُ عَلَى الأُمَّةِ أَنْ تَعْلَمَ حَدِيثَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي رواه الترمذي عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ قَالَتْ: سَأَلْتُ، أَوْ سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنِ الزَّكَاةِ؟

فَقَالَ: «إِنَّ فِي المَالِ لَحَقَّاً سِوَى الزَّكَاةِ» ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الآيَةَ الَّتِي فِي البَقَرَةِ: ﴿لَيْسَ البِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ﴾.

وَأَنْ تَعْلَمَ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ﴾. وَقَوْلَهُ تعالى: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرَّاً وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾. وَقَوْلَهُ تعالى: ﴿إِنَّ المُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلَاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالمَحْرُومِ﴾. لَيْسَ مَعْلُومَاً.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَالسُّبُلُ لِدَفْعِ رَوَاتِبِ المُوَظَّفِينَ مُتَوَفِّرَةٌ بِفَضْلِ اللهِ تعالى، وَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَدْفَعَ الطُّلَّابُ أَقْسَاطَاً شَهْرِيَّةً للمَدْرَسَةِ، وَأَمَّا الطُّلَّابُ الفُقَرَاءُ فَهُنَاكَ مَنْ يَدْعَمُهُمْ لِمُتَابَعَةِ طَلَبِ العِلْمِ مِنَ الزَّكَوَاتِ أَو الصَّدَقَاتِ؛ وَهَذَا أَمْرٌ لَا يُنْكَرُ.

وَعَلَى العُلَمَاءِ أَنْ يُحَرِّضُوا أَغْنِيَاءَ الأُمَّةِ وَأَصْحَابَ اليَسَارِ عَلَى الصَّدَقَاتِ، فَوَاللهِ إِنَّ الخَيْرَ في الأُمَّةِ مَوْجُودٌ، فَإِنْ رَأَيْنَا تَقْصِيرَاً في العَطَاءِ فَلْنَتَّهِمْ أَنْفُسَنَا نَحْنُ طُلَّابَ العِلْمِ.

وَفِي الخِتَامِ، لِنَتْرُكِ الزَّكَاةَ تُصْرَفْ في مَصَارِفِهَا التي بَيَّنَهَا اللهُ تعالى في كِتَابِهِ العَظِيمِ، وَلَمْ يَجْعَلْ تَحْدِيدَ مَصَارِيفَهَا لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَضْلَاً عَنْ وُرَّاثِهِ. والله تعالى أعلم.