طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَنُشُوزُ الزَّوْجَةِ يَخْتَلِفُ عَنْ نُشُوزِ الرَّجُلِ، نُشُوزُ المَرْأَةِ يَكُونُ في مَعْصِيَةِ الزَّوْجَةِ لِزَوْجِهَا فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهَا.
أَمَّا نشوز الزَّوْجِ فَيَكُونُ بِجَفْوَةِ الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ، وَإِعْرَاضِهِ عَنْهَا.
وَسَبَبُ النُّشُوزِ هُوَ عَدَمُ الحُصُولِ عَلَى الحَقِّ، لِأَنَّ النُّفُوسَ مَجْبُولَةٌ عَلَى الحِرْصِ عَلَى حَقِّهَا، وَعَدَمِ الرَّغْبَةِ في بَذْلِ مَا عَلَيْهَا، وَبِذَلِكَ تَصْعُبُ الحَيَاةُ وَتَفْسُدُ، وَيَقَعُ النُّشُوزُ، وَتُعْلَنُ رَايَةَ العِصْيَانِ، وَتَتَمَزَّقُ أَوَاصِرُ العَلَاقَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ.
وَلِكَيْ تَصْلُحَ الأُمُورُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ لَا بُدَّ مِنْ قَلْعِ هَذَا الخُلُقِ الدَّنِيءِ، وَاسْتِبْدَالِهِ بِضِدِّهِ، وَهُوَ السَّمَاحَةُ بِبَذْلِ الحَقِّ الذي عَلَيْكَ، وَالقَنَاعَةُ بِبَعْضِ الحَقِّ الذي لَكَ. هذا أولاً.
ثانياً: كَيْفَ تُعَالِجُ المَرْأَةُ نُشُوزَ الرَّجُلِ؟
إِذَا خَشِيَتِ المَرْأَةُ أَنْ تُصْبِحَ مَجْفُوَّةً مِنْ زَوْجِهَا، وَأَنْ تُؤَدِّيَ هَذِهِ الجَفْوَةُ إلى الطَّلَاقِ، أَو إلى الإِعْرَاضِ الذي يَتْرُكُهَا كَالمُعَلَّقَةِ، أَو يُهَدِّدُ أَمْنَ المَرْأَةِ وَكَرَامَتَهَا وَأَمْنَ الأُسْرَةِ كُلِّهَا، فَفِي هَذِهِ الأَحْوَالِ تُعَالِجُ المَرْأَةُ نُشُوزَ زَوْجِهَا بِالطَّرِيقِ الذي ذَكَرَهُ اللهُ تعالى لَهَا ، قَالَ تعالى: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزَاً أَوْ إِعْرَاضَاً فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحَاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرَاً﴾.
لَمْ يَأْمُرْهَا اللهُ تعالى أَنْ تَعِظَهُ فَضْلَاً عَنْ هَجْرِهِ وَضَرْبِه، لِأَنَّهُ يَعْلَمُ طَبِيعَةَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، فَالرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ، وَفي الغَالِبِ الأَعَمِّ لَا تُفْلِحُ المَرْأَةُ إِذَا نَصَّبَتْ نَفْسَهَا قَوَّامَةً عَلَى الرَّجُلِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
لَقَدْ أَمَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ المَرْأَةَ عِنْدَمَا تُرِيدُ أَنْ تُعَالِجَ نُشُوزَ زَوْجِهَا بِهَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزَاً أَوْ إِعْرَاضَاً فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحَاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرَاً﴾.
تَتَنَازَلُ لَهُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ فَرَائِضِهَا المَالِيَّةِ، أَو حُقُوقِهَا الزَّوْجِيَّةِ، أَو تَتَنَازَلُ عَنْ لَيْلَتِهَا إِنْ كَانَتْ لَهُ زَوْجَةٌ أُخْرَى.
تَفْعَلُ ذَلِكَ كُلَّهُ إِنْ رَأَتْهُ خَيْرَاً لَهَا، وَأَكْرَمَ مِنْ طَلَاقِهَا، وَيَحْسُنُ بِالرَّجُلِ تَحْقِيقُ رَغْبَتِهَا.
روى الإمام البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزَاً أَوْ إِعْرَاضَاً﴾ قَالَتْ: هِيَ المَرْأَةُ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ لَا يَسْتَكْثِرُ مِنْهَا، فَيُرِيدُ طَلَاقَهَا وَيَتَزَوَّجُ غَيْرَهَا، تَقُولُ لَهُ: أَمْسِكْنِي وَلَا تُطَلِّقْنِي، ثُمَّ تَزَوَّجْ غَيْرِي، فَأَنْتَ فِي حِلٍّ مِنَ النَّفَقَةِ عَلَيَّ وَالقِسْمَةِ لِي، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَصَّالَحَا بَيْنَهُمَا صُلْحَاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَنُشُوزُ الرَّجُلِ يَكُونُ بِإِعْرَاضِهِ عَنْ زَوْجَتِهِ لِسَبَبٍ (مَا) أَو بِجَفْوَتِهِ لَهَا لِمُبَرِّرٍ شَرْعِيٍّ عَنْهُ، وَلَا يَكُونُ هَذَا بِقَصْدٍ مِنْهُ لِتَطْلُبَ الطَّلَاقَ، أَو مِنْ أَجْلِ أَنْ تَتَنَازَلَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ حُقُوقِهَا، لِأَنَّ اللهَ تعالى نَهَى الرِّجَالَ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئَاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرَاً كَثِيرَاً﴾.
فَإِذَا حَصَلَ هَذَا النُّشُوزُ، وَوَقَعَ الرَّجُلُ في حَيْرَةٍ مِنْ أَمْرِهِ، أَرْشَدَ اللهُ تعالى الزَّوْجَةَ لِمُعَالَجَةِ هَذَا النُّشُوزِ، وَذَلِكَ بِالمُصَالَحَةِ بَيْنَهُمَا عَلَى شَيْءٍ مِنَ الحُقُوقِ المَالِيَّةِ أَو المَعْنَوِيَّةِ. هذا، والله تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2024 https://www.naasan.net/print.ph/ |