أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

9373 - دليل الحنفية على وجوب زكاة الزروع

13-01-2019 24730 مشاهدة
 السؤال :
ما هو دليل الحنفية على وجوب زكاة الزروع، ولو لم تبلغ نصاباً؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 9373
 2019-01-13

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَقَدْ جَاءَ في كِتَابِ بَدَائِعِ الصَّنَائِعِ: وَكَذَا النِّصَابُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِوُجُوبِ العُشْرِ، فَيَجِبُ الـعُشْرُ فِي كَثِيرِ الخَارِجِ وَقَلِيلِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ النِّصَابُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَا يَجِبُ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ إذَا كَانَ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الكَيْلِ كَالحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ وَالْأَرُزِّ وَنَحْوِهَا، وَالوَسْقُ سِتُّونَ صَاعَاً؛ وَالصَّاعُ قُدِّرَ بِـ /3800 /غ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: الصَّاعُ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثُ رَطْلٍ وَاحْتَجَّا فِي المَسْأَلَةِ بِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ».

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ عُمُومُ قَوْله تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ﴾. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾.

وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا سَقَتْهُ السَّمَاءُ فَفِيهِ الـعُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِغَرَبٍ، أَوْ دَالِيَةٍ (أَيْ: مَا سُقِيَتْ بِأَيِّ آلَةٍ مِنَ آلَاتِ السِّقَايَةِ) فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ القَلِيلِ وَالكَثِيرِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الوُجُوبِ وَهِيَ الأَرْضُ النَّامِيَةُ بِالخَارِجِ لَا يُوجِبُ التَّفْصِيلَ بَيْنَ القَلِيلِ وَالكَثِيرِ.

وَأَمَّا الحَدِيثُ الذي رواه الشيخان عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنَ التَّمْرِ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنَ الوَرِقِ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ مِنَ الإِبِلِ صَدَقَةٌ». فَالجَوَابُ عَنِ التَّعَلُّقِ بِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مِنَ الآحَادِ، فَلَا يُقْبَلُ فِي مُعَارَضَةِ الكِتَابِ وَالخَبَرِ المَشْهُورِ، فَإِنْ قِيلَ مَا تَلَوْتُمْ مِنْ الكِتَابِ وَرَوَيْتُمْ مِنَ السُّنَّةِ يَقْتَضِيَانِ الوُجُوبَ مِنْ غَيْرِ التَّعَرُّضِ لِمِقْدَارِ المُوجَبِ مِنْهُ، وَمَا رَوَيْنَا يَقْتَضِي المِقْدَارَ فَكَانَ بَيَانَاً لِمِقْدَارِ مَا يَجِبُ فِيهِ العُشْرُ، وَالْبَيَانُ بِخَبَرِ الوَاحِدِ جَائِزٌ كَبَيَانِ المُجْمَلِ وَالمُتَشَابِهِ، فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى البَيَانِ؛ لِأَنَّ مَا تَمَسَّكْنَا بِهِ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ الوَسْقِ وَمَا لَا يَدْخُلُ، وَمَا رَوَيْتُمْ مِنْ خَبَرِ المِقْدَارِ خَاصٌّ فِيمَا يَدْخُلُ تَحْتَ الوَسْقِ فَلَا يَصْلُحُ بَيَانَاً لِلْقَدْرِ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ العُشْرُ؛ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ البَيَانِ أَنْ يَكُونَ شَامِلَاً لِجَمِيعِ مَا يَقْتَضِي البَيَانُ، وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَعُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ مَوْرِدَ البَيَانِ.

وَالثَّانِي أَنَّ المُرَادَ مِنَ الصَّدَقَةِ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ اسْمِ الصَّدَقَةِ لَا يَنْصَرِفُ إلَّا إلَى الزَّكَاةِ المَعْهُودَةِ وَنَحْنُ بِهِ نَقُولُ أَنَّ مَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ طَعَامٍ أَوْ تَمْرٍ لِلتِّجَارَةِ لَا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مَا لَمْ يَبْلُغْ قِيمَتُهَا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَالسَّادَةُ الحَنَفِيَّةُ رَضِيَ اللهُ عَنِ الجَمِيعِ لَهُمْ أَدِلَّتُهُمُ القَوِيَّةُ في عَدَمِ وُجُوبِ النِّصَابِ في زَكَاةِ الزُّرُوعِ، وَالجُمْهُورُ لَهُمْ دَلِيلُهُمُ القَوِيُّ كَذَلِكَ، وَالخِلَافُ رَحْمَةٌ بِالأُمَّةِ، لِأَنَّ الأَئِمَّةَ لَا يَتَكَلَّمُونَ عَنْ هَوَىً.

وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لَنَا، نَلْتَزِمُ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾. فَأَهْلُ الذِّكْرِ هُمْ أَهْلُ العِلْمِ، الذينَ يَعْرِفُونَ كَيْفَ تُسْتَنْبَطُ الأَحْكَامُ مِنَ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. هذا، والله تعالى أعلم.

 

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
24730 مشاهدة