أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

9178 - الإيمان بالقلب لا بالعمل

28-09-2018 1138 مشاهدة
 السؤال :
إنسان يرتكب المعاصي والمنكرات، ويقول بأن الإيمان بالقلب، وليس بالعمل، لأن الله لا ينظر إلى العمل، بل ينظر إلى القلب، فما صحة هذا القول؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 9178
 2018-09-28

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَقُولُ الحَسَنُ البَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: لَيْسَ الْإِيمَانُ بِالتَّحَلِّي وَلَا بِالتَّمَنِّي، وَلَكِنْ مَا وَقَرَ فِي الْقَلْبِ، وَصَدَّقَتْهُ الْأَعْمَالُ، مَنْ قَالَ حَسَنَاً وَعَمِلَ غَيْرَ صَالِحٍ رَدَّهُ اللهُ عَلَى قَوْلِهِ، وَمَنْ قَالَ حَسَنَاً وَعَمِلَ صَالِحَاً رَفَعَهُ الْعَمَلُ، ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعٌهُ﴾. رواه البيهقي.

الإيمَانُ الكَامِلُ لَا يُسَمَّى إِيمَانَاً إِلَّا إِذَا قُرِنَ مَعَ العَمَلِ الصَّالِحِ، قَالَ تعالى: ﴿وَالْـعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾.

وَخَاطَبَ اللهُ تعالى أَهْلَ الإِيمَانِ بِقَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾. وَقَالَ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾.

فَالإِيمَانُ بِدُونِ عَمَلٍ لَا يَكْفِي، لِأَنَّ اللهَ تعالى قَالَ في حَقِّ أَهْلِ الجَنَّةِ: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرَاً﴾. وَلَمْ يَقُلْ: وَسِيقَ الَّذِينَ آمَنُوا، وَقَالَ تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمَاً مَقْضِيَّاً * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيَّاً﴾. لَمْ يَقُلْ: ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ آمَنُوا.

وَكَذَلِكَ بِالمُقَابِلِ عَمَلٌ صَالِحٌ في الظَّاهِرِ بِدُونِ إِيمَانٍ بِالقَلْبِ لَا يُقْبَلُ، لِأَنَّ هَذَا مِنْ وَصْفِ المُنَافِقِينَ الذينِ هُمْ في الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ.

وبناء على ذلك:

فَهَذَا الذي يَقُولُ هَذَا الكَلَامَ نَسِيَ قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً: إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ القَلْبُ» رواه الإمام البخاري عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا.

وَقَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: « عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

وَهَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ أَنَّ إِصْلَاحَ القُلُوبِ بِالإِيمَانِ مَقْصُودٌ، وَإِصْلَاحَ الجَوَارِحِ بِالأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ مَقْصُودٌ، وَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَهُوَ يَعِيشُ في وَهْمٍ وَأَمَاني، وَلَوْلَا أَنَّ هَذَا العَبْدَ مَغْلُوبٌ مِنْ نَفْسِهِ الأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ لَمَا قَالَ هَذَا الكَلَامَ، وَإِلَّا فَمَا هُوَ قَائِلٌ للهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾. وَالقَائِلِ: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلَاً صَالِحَاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَاً﴾. هذا، والله تعالى أعلم.

 

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
1138 مشاهدة