أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

443 - حكم شرب الدخان والأركيلة

07-08-2007 4 مشاهدة
 السؤال :
أَرْجُو مِنْكُمْ إِعْطَاءَ الحُكْمِ الـشَّرْعِيِّ في شُرْبِ الدُّخَانِ وَالأَرْكِيلَةِ، وَأَنْ يَكُونَ الجَوَابُ مُفَصَّلًا تَفْصِيلًا وَاضِحًا.
 الاجابة :
رقم الفتوى : 443
 2007-08-07

 

الجواب: الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

قَبْلَ أَنْ أَذْكُرَ الحُكْمَ الشَّرْعِيَّ في شُرْبِ الدُّخَانِ وَالأَرْكِيلَةِ ـ وَهُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ ـ أَوَدُّ أَنْ أَقُولَ بَعْضَ الكَلِمَاتِ بَيْنَ يَدَيْ هَذَا المَوْضُوعِ:

أَوَّلًا: مِنَ المُسَلَّمِ فِيهِ بِأَنَّ صِحَّةَ الجَسَدِ مُنْطَلَقٌ لِصِحَّةِ العَقْلِ، وَقُوَّةُ الأُمَّةِ تَتَجَلَّى في صِحَّةِ أَفْرَادِهَا، وَإِنَّ الأُمَّةَ التي تَحِلُّ بِهَا الأَمْرَاضُ تَتَعَرَّضُ لِخَسَائِرَ كَبِيرَةٍ مِنَ المَادَّةِ بَعْدَ خُسْرَانِ شَبَابِهَا التي كَانَتْ تُسَاهِمُ في بِنَاءِ الأُمَّةِ وَمَجْدِهَا، وَإِنَّ الأَمْوَالَ التي تُصْرَفُ في مُعَالَجَةِ الأَمْرَاضِ يَجِبُ أَنْ تُصْرَفَ في رَفْعِ شَأْنِ الأُمَّةِ.

ثَانِيًا: يَجِبُ أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ شَرِكَاتِ إِنْتَاجِ الدُّخَانِ هِيَ شَرِكَاتُ قَتْلِ النَّاسِ بِصُورَةٍ بَطِيئَةٍ مُرَخَّصَةٍ عَالَمِيًّا، في عَالَمِ الحَضَارَةِ وَالتَّقَدُّمِ وَالرُّقِيِّ وَالازْدِهَارِ وَفِي عَالَمِ الإِنْسَانِيَّةِ.

ثَالِثًا: يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَعْلَمَ بَعْضَ قَرَارَاتِ مُنَظَّمَةِ الصِّحَّةِ العَالَمِيَّةِ، التي مِنْهَا:

1ـ تَحْتَوِي أَوْرَاقُ التَّبْغِ عَلَى قُلَوِيَّاتٍ سَامَّةٍ في طَلِيعَتِهَا النِّيكُوتِينُ، وَثَمَانِي قَطَرَاتٍ لَوْ حُقِنَتْ تَحْتَ جِلْدِ حِصَانٍ تَقْتُلُهُ في أَرْبَعِ دَقَائِقَ.

2ـ فِي الدُّخَانِ سُمُومٌ تُضْعِفُ عَمَلَ كُرَيَّاتِ الدَّمِ الحَمْرَاءِ، وَتُعِيقُ وَظِيفَتَهَا في تَبَادُلِ الأُوكْسِجِينِ مَعَ غَازِ الفَحْمِ، وَهَذَا الذي يُتْعِبُ المُدَخِّنَ.

3ـ فِي الدُّخَانِ غَازَانِ سَامَّانِ مُسَرْطِنَانِ، وَفِيهِمَا أَيْضًا فُحُومٌ مُسَرْطِنَةٌ.

4ـ أَمَّا أَثَرُهُ عَلَى الإِنْسَانِ فَكَبِيرٌ وَخَطِيرٌ، وَمِنْ ذَلِكَ:

أ ـ أَثَرُهُ عَلَى الدِّمَاغِ: سُمُومُ الدُّخَانِ إِذَا وَصَلَتْ إِلَى الدِّمَاغِ تُخَدِّرُهُ، وَيَشْعُرُ الإِنْسَانُ بِشَيْءٍ مِنَ الفُتُورِ تَارَةً، وَبِشَيْءٍ مِنَ الخُدْرِ تَارَةً، وَيُشْعِرُهُ بِالنَّشَاطِ وَالتَّنَبُّهِ تَارَةً أُخْرَى، فَالدُّخَانُ مُهَدِّئٌ وَمُنَشِّطٌ في آنٍ وَاحِدٍ، وَهَذا هُوَ سِرُّ الإِدْمَانِ عَلَيْهِ وَالتَّعَلُّقِ بِهِ، كَمَا أَنَّ هَذَا السُّمَّ يُضْعِفُ تَغْذِيَةَ الأَعْصَابِ، فَتُصَابُ بِالالْتِهَابِ، ثُمَّ تُضْعِفُ ذَكَاءَ الإِنْسَانِ المُدَخِّنِ.

ب ـ أَثَرُهُ عَلَى جِهَازِ التَّنَفُّسِ: هُوَ أَشَدُّ الأَجْهِزَةِ تَأَثُّرًا بِالتَّدْخِينِ، حَيْثُ سُمُومُ الدُّخَانِ تُخَرِّبُ الأَنْسِجَةَ المُبَطَّنَةَ لِلْأَسْنَاخِ الرِّئَوِيَّةِ، وَتُضْعِفُ الوَظَائِفَ التَّنَفُسِّيَّةِ، وَتُؤَدِّي إِلَى الْتِهَابِ الأَنْفِ وَالبُلْعُومِ المُزْمِنَيْنِ، وَإِلَى الْتِهَابِ الحُنْجُرَةِ وَالقَصَبَاتِ الهَوَائِيَّةِ، وَنِسْبَةُ سَرَطَانِ الرِّئَةِ عِنْدَ المُدَخِّنِينَ هِيَ ثَمَانِيَةُ أَمْثَالِ غَيْرِ المُدَخِّنِينَ.

ج ـ أَثَرُهُ عَلَى القلب: مُعْظَمُ الإِصَابَاتِ القَلْبِيَّةِ وَالوِعَائِيَّةِ القَاتِلَةِ تَعُودُ إِلَى التَّدْخِينِ، وَإِنَّ 80% مِنْ مَرْضَى القَلْبِ مِنَ المُدَخِّنِينَ، بِسَبَبِ السُّمُومِ التي تُضَيِّقُ الشَّرَايِينَ، وَقَدْ يَتَحَوَّلُ الضِّيقُ إِلَى انْسِدَادٍ، فَتَكُونُ الذَّبْحَةُ الصَّدْرِيَّةُ، أَوِ الجَلْطَةُ، أَوْ يُسَبِّبُ انْسِدَادًا في شَرَايِينِ المُخِّ، فَتَكُونُ السَّكْتَةُ الدِّمَاغِيَّةُ، أَوْ يُسَبِّبُ انْسِدَادًا في شَرَايِينِ السَّاقَيْنِ فَيَكُونُ مَرَضُ الغَرْغَرِينَ، مِمَّا يُؤَدِّي إِلَى قَطْعِ السَّاقِ.

د ـ أَثَرُهُ عَلَى الحَـْمِل: إِنَّ أَكْثَرَ حَالَاتِ الإِجْهَاضِ وَالإِمْلَاصِ ـ وِلَادَةِ الجَنِينِ مَيْتًا ـ وَالوِلَادَةِ قَبْلَ الأَوَانِ، وَالوَفَاةِ في المَهْدِ، وَرَبْوِ الأَطْفَالِ، وَالصَّمَمِ، وَتَسَرُّعِ دَقَّاتِ قَلْبِهِ، وَالإِقْيَاءَاتِ المُتَكَرِّرَةِ وَالتَّشَنُّجَاتِ كُلَّهُ يُعْزَى إِلَى الأُمِّ المُدَخِّنَةِ، حَيْثُ تَدْخُلُ سُمُومُ الدُّخَانِ في جِسْمِ الرَّضِيعِ عَنْ طَرِيقِ حَلِيبِ أُمِّهِ المُدَخِّنَةِ، كَمَا أَنَّ كَثَافَةِ سُمُومِ الدُّخَانِ في ثَدْيِ المَرْأَةِ تُؤَدِّي إِلَى تَخَرُّشِ الثَّدْيِ، وَهَذَا يُؤَدِّي إِلَى سَرَطَانِ الثَّدْيِ.

وَالتَّدْخِينُ يَضُـُّر بِالنِّسَاءِ الحَوَامِلِ حَتَّى لَوْ كُنَّ غَيْرَ مُدَخِّـنَاتٍ، وَذَلِكَ عَـنْ طَرِيقِ الزَّوْجِ المُدَخِّنِ.

13ـ هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ العَالَمَ الإِسْلَامِيَّ وَالعَرَبِيَّ هُوَ أَكْبَرُ مُسْتَهْلِكٍ للدُّخَانِ عَلَى الإِطْلَاقِ؟

14ـ هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ أَعْدَاءَنَا يُعْطُونَ أَعْدَاءَنَا الصَّوَارِيخَ وَالأَسْلِحَةَ المُدَمِّرَةَ وَيُعْطُونَنَا السَّجَائِرَ ـ المَوْتَ البَطِيءَ ـ؟

15ـ هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ الحُكُومَةَ البَرِيطَانِيَّةَ مَنَعَتِ التَّدْخِينَ في الأَمَاكِنِ العَامَّةِ؟ وَنَحْنُ نُرَكِّزُ عَلَى التَّدْخِينِ في الأَمَاكِنِ العَامَّةِ وَخَاصَّةً في عُقُودِ الزَّوَاجِ وَحَفَلَاتِهِ.

16ـ هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ بَعْضَ القَنَوَاتِ الفَضَائِيَّةَ أَرْسَلَتْ بِشَارَةً إِلَى أَهَالِي سُورِيَّا، بِأَنَّ أَعْلَى نِسْبَةَ تَدْخِينٍ في العَالَمِ بِمُوجَبِ نِسْبَةِ عَدَدِ السُّكَّانِ هُمْ أَهَالِي سُورِيَّا.

﴿يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ [يس: 30].

إِنْ عَلِمْتَ قَرَارَاتِ مُنَظَّمَةِ الصِّحَّةِ العَالَمِيَّةِ، وَعَلِمْتَ هَذِهِ الحَقَائِقَ السَّابِقَةَ الذِّكْرِ بَعْدَ ذَلِكَ تُرِيدُ أَنْ تَعْرِفَ الحُكْمَ الشَّرْعِيَّ في الدُّخَانِ؟

قَبْلَ أَنْ أَذْكُرَ لَكَ حُكْمَهُ، أَقُولُ لَكَ: اعْتَبِرْ يَا أَخِي الحَبِيبُ بِهَذَا المُدَخِّنِ الذي يَقُصُّ عَلَيْكَ قِصَّتَهُ، حَيْثُ هِيَ في الحَقِيقَةِ قِصَّةُ كُلِّ مُدَخِّنٍ، يَقُولُ:

أَمَّا أَنَـا فَــاسْمَعْ بِـدَايَـةَ قِــصَّتِـــي    ***   مُــنْذُ الْـتَحَقْتُ بِــشِلَّــةِ الأَقْـرَانِ

لَمْ يَعْلَـــمِ الأَبَوَانِ أَيْـنَ تَــسَـكُّـعِي     ***   بَحْثًا عَنِ الأَعْقَابِ وَالـــــعِـيدَانِ

لَمْ تَمْضِ إِلَّا أَشْهُرٌ حَــتَّى غَــــدَتْ      ***   سِيجَارَةُ الـشَّيْطَانِ طَـــوْعَ بَـــنَانِي

في العِيدِ كَانَتْ فُــرْصَتِي ذَهَـــبِيَّــةً     ***   الجَيْـــبُ مَمْلُوءٌ أَبِي أَعْــــطَــانِـي

تَابَعْــتُ أَفْــلَامَ الــبُطُولَةِ مُـغْرَمًــا     ***   وَمَـشَاهِدَ التَّدْخِينِ كُــلَّ ثَــــوَانِ

أَيْــــقَــنْتُ أَنَّ الــتَّبْغَ شَـــرْطٌ لَازِمٌ   ***   كَيْ أَنْتَمِـي لِفَصِيلَةِ الـــــشُّجْعَانِ

سِــيجَــارَةُ الأُسْتَاذِ في مَــــدْرَسَتِـي   ***   كَـــانَتْ كَـوَحْيِ الجِنِّ وَالشَّيْطَانِ

أَذْعَــنْتُ لِلـتَّـــدْخِينِ دُونَ تَـــــرَدُّدٍ   ***   وَبَـــدَأْتُ بَــعْدَ الــسِّرِّ بِالإِعْلَانِ

فَأَبِــي يُـدَخِّنُ وَالمُعَلِّـــمُ قُــــدْوَتِـي   ***   وَكِلَاهُمَا بِـــسُلُوكِـــهِ أَغْــــوَانِي

وَطَبِـــيبُنَا في الحَيِّ كَــانَ مُـــــدَخِّنًـا   ***   فَجَعَلْتُهُ تِرْسًــا لِـمَــــنْ يَـــنْهَانِي

جَـــــاوَزْتُ مَرْحَلَةَ الشَّبَابِ وَبَـعْدَهَا   ***   مَالَتْ بِصَدْرِي كَـــفَّةُ الْمِيــــزَانِ

أَصْــبَحْتُ أَلْهَثُ إِنْ مَــــشَيْتُ بِسُرْعَةٍ   ***   وَالقَلْبُ يَخْفِقُ وَالسُّعَـالُ أَتَــــانِي

أَنْفَقْتُ أَمْـــوَالِي أَهَــــنْـتُ إِرَادَتِــــي   ***   كَيْ لَا يُصَابَ الـتَّبْغُ بِـــالخِذْلَانِ

هَـذَا اللَّدُودُ جَـــعَلْتُهُ لِــي صَــــاحِبًا   ***   أَرْدَفْتُهُ خَلْفِي فَـــــبَاعَ حِـصَـانِي

لَمْ أَتَّعِظْ مِـمَّا جَـــــرَى لِلـــسَّابِقِيـــنَ    ***   وَصَمَدْتُ لَكِنْ فُزْتُ بِالخُــسْرَانِ

هَــذِي حِـكَايَةُ مَـنْ يَـذُوبُ نَــــدَامَـةً   ***   فَاحْذَرْ صَدِيقِي أَنْ تَكُونَ الـثَّانِي

هَلْ سَمِعْتَ يَا أَخِي الكَرِيمُ قِصَّةَ هَذَا المُدَخِّنِ؟ هَلْ تَعْتَبِرُ مِنْهُ؟ هَلْ سَمِعْتَ يَا أَيُّهَا الأَبُ وَأَنْتَ القُدْوَةُ؟ هَلْ سَمِعْتَ يَا أَيُّهَا المُدَرِّسُ وَأَنْتَ القُدْوَةُ؟ هَلْ سَمِعْتَ يَا أَيُّهَا الطَبِيبُ وَأَنْتَ القُدْوَةُ؟ هَلْ سَمِعْتَ يَا أَيُّهَا المَسْؤُولُ وَأَنْتَ القُدْوَةُ؟ لِنَسْمَعْ جَمِيعًا قَـوْلَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: «مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أَجْرُهَا، وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ» رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ.

بَعْدَ هَذَا أَقُولُ لَكَ: يَا أَخِي المُسْلِمُ تَعَالَ وَاسْمَعْ مَاذَا يَقُولُ اللهُ تعالى؟ وَمَاذَا يَقُولُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟ وَمَاذَا يَقُولُ العُلَمَاءُ؟

أَوَّلًا: يَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: 195].

ـ مَعَامِلُ الدُّخَانِ تَضَعُ التَّبْغَ في أَوْعِيَةٍ مُحْكَمَةٍ، ثُمَّ يَصُبُّونَ عَلَيْهِ مِنْ عَصِيرِ العِنَبِ أَوِ التُّفَّاحِ أَوْ أَيِّ شَيْءٍ مِنَ العَصَائِرِ السُّكَّرِيَّةِ، ثُمَّ يَضَعُونَ عَلَيْهِ الخَمَائِرَ، ثُمَّ يُحْكِمُونَ الإِغْلَاقِ ثَلَاثَ سَنَوَاتٍ حَتَّى يَعْتُقَ، وَحَتَّى يَتَشَبَّعَ التَّبْغُ بِالخَمْرِ وَالكُحُولِ، فَيُدَخِّنَ النَّاسُ نَقِيعَ الخَمْرِ وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ، وَهَذَا مَا يَجْعَلُ السِّيجَارَةَ تَسْتَمِرُّ مُشْتَعِلَةً لِآخِرِهَا، لِأَنَّ هُنَاكَ كُحُولًا مُتَّحِدًا بِأَوْرَاقِ التَّبْغِ.

هَذِهِ بَعْضُ قَرَارَاتِ مُنَظَّمَةِ الصِّحَّةِ العَالَمِيَّةِ في الدُّخَانِ، وَمَا زَالَتِ الدِّعَايَةُ لِشُرْبِهِ قَائِمَةً عَلَى أَجْهِزَةِ الإِعْلَامِ، تَعَالَ حَيْثُ النَّكْهَةُ، هَلِ الإِنْسَانُ العَاقِلُ وَصَلَ الأَمْرُ بِهِ أَنْ يُسْتَخَفَّ بِهِ هَذَا الاسْتِخْفَافُ؟

هَلْ تَعْلَمُ أَيُّهَا الأَخُ الكَرِيمُ العَاقِلُ:

1ـ أَنَّ عَدَدَ الذينَ يَمُوتُونَ بِالدُّخَانِ يَفُوقُ عَدَدَ الذينَ يَمُوتُونَ نَتِيجَةَ الأَمْرَاضِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا الطَّاعُونُ وَالكُولِيرَا وَالجُدَرِيُّ وَالسِّلُّ وَالجُذَامُ وَالتِّيفُوئِيدُ؟

2ـ هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ عَدَدَ الذينَ يَمُوتُونَ بِالدُّخَانِ يَزِيدُ سَبْعَةَ أَضْعَافٍ عَلَى عَدَدِ الذينَ يَمُوتُونَ في حَوَادِثِ السَّيْرِ؟

3ـ هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ مَجْمُوعَ الدَّخْلِ الذي تُحَقِّقُهُ الدُّوَلُ مِنْ جَرَّاءِ الضَّرَائِبِ عَلَى تَصْنِيعِ الدُّخَانِ أَقَلُّ بِكَثِيرٍ مِنَ الأَمْوَالِ التي تُنْفَقُ في مُعَالَجَةِ الأَمْرَاضِ النَّاتِجَةِ عَنِ التَّدْخِينِ؟

عَجَبٌ وَاللهِ شَأْنُ المُدَخِّنِ: يَدْفَعُ المَالَ الكَثِيرَ لِشُرْبِ الدُّخَانِ، ثُمَّ يَدْفَعُ المَالَ الأَكْثَرَ مِنْهُ لِمُعَالَجَةِ نَفْسِهِ بِسَبَبِ الأَمْرَاضِ النَّاتِجَةِ عَنِ التَّدْخِينِ، هَلْ هَذَا مِنَ المَعْقُولِ؟

4ـ هَلْ تَعْلَمُ أَنَّهُ أُجْرِيَتْ دِرَاسَةٌ في بَرِيطَانْيَا عَلَى ثَلَاثَةٍ وَثَمَانِينَ رَجُلًا مُدَخِّنًا، أَكَّدَتِ الدِّرَاسَةُ أَنَّ ثَلَاثَةَ أَشْخَاصٍ مِنْ كُلِّ عَشَرَةٍ سَيُلَاقُونَ حَتْفَهُمْ بِسَبَبِ الأَمْرَاضِ النَّاتِجَةِ عَنِ التَّدْخِينِ، وَأَمَّا البَاقُونَ فَسَيُعَانُونَ مِنْ أَمْرَاضٍ مُزْمِنَةٍ بِسَبَبِ الدُّخَانِ؟

5ـ هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ هُنَاكَ مَنْ يَتَوَهَّمُ بِالدُّخَانِ المُصَفَّى الذي صُفِّيَ عَنْ طَرِيقِ الفِلْتَرِ، بِأَنَّ الفِلْتَرَ يَمْنَعُ دُخُولَ القَطِرَانِ إِلَى الرِّئَتَيْنِ فَقَطْ، أَمَّا أَرْبَعُمِائَةِ نَوْعٍ مِنَ السُّمُومِ تَدْخُلُ دَمَ المُدَخِّنِ بِدُونِ اسْتِئْذَانٍ، لِأَنَّ الفِلْتَرَ لَا يَمْنَعُهَا مِنَ الدُّخُولِ؟

6ـ هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ الدُّخَانَ المُسْتَوْرَدَ وَالمُهَرَّبَ إِلَى بِلَادِ العَرَبِ وَالمُسْلِمِينَ هُوَ أَسْوَأَ وَأَرْدَأُ أَنْوَاعِ الدُّخَانِ في الغَالِبِ؟

7ـ هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ المُدَخِّنَ دَائِمًا في حَالَةِ خَوْفٍ وَقَلَقٍ مِنَ الأَمْرَاضِ التي تُلَاحِقُهُ وَتُهَدِّدُ وُجُودَهُ بَيْنَ الحِينِ وَالآخَرِ؟

8ـ هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ المُدَخِّنَ يَسْتَنْشِقُ حَوَالَيْ 15% فَقَطْ مِنْ مُحْتَوَيَاتِ السِّيجَارَةِ، بَيْنَمَا يَنْفُثُ 85% مِنْ طَرَفِهَا المُحْتَرِقِ إِلَى الهَوَاءِ لِيَسْتَنْشِقَهَا الآخَرُونَ. وَهَذَا مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ التَّدْخِينُ السَّلْبِيُّ؟

9ـ هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ الأَطْفَالَ لِوَالِدَيْنِ مُدَخِّنَيْنِ تَزْدَادُ لَدَيْهِمْ مُعَدَّلَاتُ الإِصَابَةِ بِالنَّزَلَاتِ الشَّعْبِيَّةِ الحَادَّةِ إِلَى أَرْبَعَةِ أَضْعَافِ أَقْرَانِهِمْ؟ وَتَزْدَادُ مُعَدَّلَاتُ إِصَابَتِهِمْ بِحَسَاسِيَّةِ الصَّدْرِ خَمْسَةَ أَضْعَافِ المُعَدَّلَاتِ الطَّبِيعِيَّةِ.

10ـ هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ أَعْقَابَ السَّجَايِرِ تُدَمِّرُ اقْتِصَادَ هَذِهِ الأُمَّةِ، فَكَمْ مِنْ حَرِيقٍ نَشَبَ بِسَبَبِ عُقْبِ سِيجَارَةٍ؟ كَمْ مِنْ المَحَاصِيلِ وَالمَزَارِعِ وَالغَابَاتِ الخَضْرَاءِ صَارَتْ رَمَادًا بِسَبَبِ عُقْبِ سِيجَارَةٍ؟

11ـ هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ شَرِكَةً وَاحِدَةً مِنْ شَرِكَاتِ الدُّخَانِ في العَالَمِ المُتَمَدِّنِ المُتَحَضِّرِ الذي يَخْدِمُ الإِنْسَانِيَّةِ، تُقَدِّمَ دَعْمًا في كُلِّ يَوْمٍ ثَمَانِينَ مِلْيُونَ دُولَارٍ مِنْ رَبْحِهَا في الدُّخَانِ، يَعُودُ لِلْكَيَانِ الصُّهْيُونِيِّ مِنْهَا تِسْعَةَ مَلَايِينِ دُولَارٍ كُلَّ يَوْمٍ؛ فَمَا القَوْلُ بِأَرْبَاحِ شَرِكَاتِ الدُّخَانِ؟

12ـ هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ أَعْدَادَ المُدَخِّنِينَ في بِلَادِ الغَرْبِ تَتَنَاقَصُ نِسْبَتُهُمْ 15% كُلَّ عَامٍ، بَيْنَمَا تَزْدَادُ نِسْبَةُ المُدَخِّنِينَ في عَالَمِنَا الإِسْلَامِيِّ وَالعَرَبِيِّ إِلَى 85%.

شَارِبُ الدُّخَانِ وَالأَرْكِيلَةِ، هَلْ يُلْقِي بِنَفْسِهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ أَمْ لَا؟ فَمَا هُوَ قَائِلٌ لِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ القِيَامَةِ؟

وَيَقُولُ تَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ [النساء: 29].

شَارِبُ الدُّخَانِ وَالأَرْكِيلَةِ، يَعْلَمُ بِأَنَّهُ يَقْتُلُ نَفْسَهُ بِبُطْءٍ، وَالانْتِحَارُ حَرَامٌ بِنَوْعَيْهِ السَّرِيعِ وَالبَطِيءِ، وَالمُدَخِّنُ وَشَارِبُ الأَرْكِيلَةِ يَنْتَحِرَانِ انْتِحَارًا بَطِيئًا، وَلَا يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَضُرَّ أَوْ يَقْتُلَ نَفْسَهُ، فَمَا هُوَ قَائِلٌ للهِ عَزَّ وَجَلَّ؟

وَيَقُولُ جَلَّ جَلَالُهُ: ﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾ [الأعراف: 157].

شَارِبُ الدُّخَانِ وَالأَرْكِيلَةِ، هَلْ يَعْتَقِدُ هَذَا الذي يَشْرَبُهُ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَمْ مِنَ الخَبَائِثِ؟ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ سَيَقُولُ مِنَ الخَبَائِثِ، فَمَا هُوَ قَائِلٌ للهِ عَزَّ وَجَلَّ؟

وَقَوْلُهُ تَعَالَتْ عَظَمَتُهُ: ﴿وَلَا تُـسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْـمُسْرِفِينَ﴾ [الأنعام: 141]. شَارِبُ الدُّخَانِ وَالأَرْكِيلَةِ، أَلَا يَعْتَقِدُ بِأَنَّ صَرْفَ المَالِ في هَذَا الطَّرِيقِ مِنَ الإِسْرَافِ؟ فَمَا هُوَ قَائِلٌ للهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ وَخَاصَّةً في زَمَنٍ انْتَشَرَ فِيهِ الفَقْرُ.

وَيَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا﴾ [الإسراء].

شَارِبُ الدُّخَانِ وَالأَرْكِيلَةِ، أَلَا يَرَى هَذَا مِنَ التَّبْذِيرِ؟ فَمَا هُوَ قَائِلٌ للهِ عَزَّ وَجَلَّ؟

ويقول الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ [الأحزاب: 58].

شَارِبُ الدُّخَانِ وَالأَرْكِيلَةِ، أَلَا يَشْعُرُ بِأَنَّهُ يُؤْذِي المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ بِالدُّخَانِ وَالأَرْكِيلَةِ؟ وَخَاصَّةً بَعْدَمَا عَرَفْنَا ضَرَرَ التَّدْخِينِ عَلَى غَيْرِ المُدَخِّنِينَ، فَمَا هُوَ قَائِلٌ للهِ عَزَّ وَجَلَّ؟

وَيَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [المائدة: 2].

شَارِبُ الدُّخَانِ وَالأَرْكِيلَةِ، عِنْدَمَا يُقَدِّمُ لِجُلَسَائِهِ الدُّخَانَ، هَلْ هَذَا مِنَ التَّعَاوُنِ عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى، أَمْ هُوَ تَعَاوُنٌ عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ؟ فَمَا هُوَ قَائِلٌ للهِ عَزَّ وَجَلَّ؟

ثَانِيًا: يَقُولُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» رَوَاهُ الإِمَامُ مَالِكٌ في المُوَطَّأِ.

شَارِبُ الدُّخَانِ وَالأَرْكِيلَةِ، مَاذَا سَيَقُولُ للهِ عَزَّ وَجَلَّ بَعْدَ أَنْ عَرَفَ حَدِيثَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» وَهُوَ أَضَرَّ بِنَفْسِهِ وَأَضَرَّ بِغَيْرِهِ؟

وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وَمُفَتِّرٍ.

شَارِبُ الدُّخَانِ وَالأَرْكِيلَةِ، مَاذَا سَيَقُولُ للهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ الدُّخَانَ مُفَتِّرٌ؟

وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ» رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ.

فَمَنْ أَضَرَّ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ لَمْ يُحْسِنْ، وَشَارِبُ الدُّخَانِ وَالأَرْكِيلَةِ، مَاذَا سَيَقُولُ للهِ عَزَّ وَجَلَّ بَعْدَ أَنْ عَرَفَ هَذَا الحَدِيثَ الشَّرِيفَ؟ فَهَلْ أَحْسَنَ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ أَمْ أَضَرَّ؟

وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

شَارِبُ الدُّخَانِ وَالأَرْكِيلَةِ، مَاذَا سَيَقُولُ للهِ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ إِنْفَاقِ المَالِ في شُرْبِ الدُّخَانِ وَالأَرْكِيلَةِ وَقَدْ نَهَى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ ذَلِكَ؟

وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلاَثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ المَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

شَارِبُ الدُّخَانِ وَالأَرْكِيلَةِ، مَاذَا سَيَقُولُ للهِ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ إِضَاعَةِ المَالِ وَقَدْ نَهَى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ ذَلِكَ.

ويقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ» رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ.

شَارِبُ الدُّخَانِ وَالأَرْكِيلَةِ، مَاذَا سَيَقُولُ للهِ عَزَّ وَجَلَّ عِنْدَمَا يُؤْذِي غَيْرَهُ بِشُرْبِهِ الدُّخَانَ؟ وَخَاصَّةً بَعْدَ أَنْ عَرَفَ هَذَا الحَدِيثَ الشَّرِيفَ.

وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا، فَلْيَعْتَزِلْنَا ـ أَوْ قَالَ: فَلْيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا ـ وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

شَارِبُ الدُّخَانِ وَالأَرْكِيلَةِ، مَاذَا سَيَقُولُ للهِ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ إِيذَاءِ المُسْلِمِينَ بِهَذِهِ الرَّائِحَةِ الكَرِيهَةِ، وَقَدْ نُهِيَ عَنْ إِيذَاءِ المُسْلِمِينَ بِرَائِحَةِ الثُّومِ وَالبَصَلِ مَعَ وُجُودِ المَنَافِعِ فِيهَا؟

وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا المُجَاهِرِينَ» رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ.

شَارِبُ الدُّخَانِ وَالأَرْكِيلَةِ، مَاذَا سَيَقُولُ للهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ يُجَاهِرُ بِـشُرْبِ ذَلِكَ الدُّخَانِ لَيْلًا نَهَارًا، وَخَاصَّةً في الأَمَاكِنِ العَامَّةِ؟ فَكَيْفَ يُعَافَى مِنْ ذَلِكَ؟

ثَالِثًا: وَيَقُولُ الأُصُولِيُّونَ وَفُقَهَاءُ الدِّينِ: الضَّرُورِيَّاتُ الخَمْسُ الَّتِي جَاءَ الإِسْلَامُ لِرِعَايَتِهَا يَجِبُ المُحَافَظَةُ عَلَيْهَا، وَالـضَّرُورِيَّاتُ الخَمْسُ هِيَ الدِّينُ وَالنَّفْسُ وَالعَقْلُ وَالنَّسْلُ وَالمَالُ.

وَهَذِهِ الضَّرُورِيَّاتُ الخَمْسُ كُلُّهَا تَتَأَثَّرُ بِالتَّدْخِينِ وَشُرْبِ الأَرَاكِيلِ.

أَمَّا أَثَرُهُ عَلَى دِينِ المُدَخِّنِ، فَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَصُومَ شَهْرَ رَمَضَانَ، إِمَّا لِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنِ التَّدْخِينِ، وَإِمَّا نَتِيجَةَ الأَمْرَاضِ النَّاتِجَةِ عَنِ التَّدْخِينِ.

وَأَثَرُهُ عَلَى نَفْسِ المُدَخِّنِ ـ أَيْ ذَاتِهِ ـ فَنَفْسُهُ مُتَأَثِّرَةٌ بِالدُّخَانِ وَالأَرْكِيلَةِ، وَهَذَا مَا أَثْبَتَهُ الطِّبُّ الحَدِيثُ، وَذَكَرْنَاهُ في قَرَارَاتِ مُنَظَّمَةِ الصِّحَّةِ العَالَمِيَّةِ.

أَمَّا أَثَرُهُ عَلَى عَقْلِهِ فَهَذَا مَا ثَبَتَ عِلْمِيًّا بِأَنَّهُ يُؤَثِّرُ عَلَى الدِّمَاغِ وَالذَّكَاءِ.

أَمَّا أَثَرُهُ عَلَى النَّسْلِ فَهَذَا مَا أَثْبَتَهُ الطِّبُّ الحَدِيثُ، كَمَا ذَكَرْنَا في قَرَارَاتِ مُنَظَّمَةِ الصِّحَّةِ العَالَمِيَّةِ.

أَمَّا أَثَرُهُ عَلَى المَالِ فَهُوَ أَوْضَحُ مِنْ نَارٍ عَلَى عَلَمٍ.

فَالدُّخَانُ مُضِرٌّ بِالضَّرُورِيَّاتِ الخَمْسِ الَّتِي جَاءَ الإِسْلَامُ لِرِعَايَتِهَا.

وَيَقُولُ العُلَمَاءُ وَالفُقَهَاءُ: مَا ثَبَتَ ضَرَرُهُ ثَبَتَتْ حُرْمَتُهُ، وَلَا أَشُكُّ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ إِنْسَانٌ عَاقِلٌ يَقُولُ: مَا ثَبَتَ ضَرَرُ الدُّخَانِ وَالأَرْكِيلَةِ.

لِهَذَا ذَهَبَ إِلَى تَحْرِيمِ الدُّخَانِ وَالأَرْكِيلَةِ مِنْ فُقَهَاءِ الحَنَفِيَّةِ الشَّيْخُ الشَّرْنَبْلَالِيُّ، وَالَمِسيرِيُّ، وَصَاحِبُ الدُّرِّ المُنْتَقَىَ، وَاسْتَظْهَرَ ابْنُ عَابِدِينَ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا عِنْدَ الشَّيْخِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ العِمَادِيِّ.

وَمِنْ فُقَهَاءِ المَالِكِيَّةِ: سَالِمٌ السَّنْهُورِيُّ، وَإِبْرَاهِيمُ اللَّقَّانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الكَرِيمِ الفَكُّونُ، وَخَالِدُ بْنُ أَحْمَدَ، وَغَيْرُهُمْ.

وَمِنْ فُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ: نَجْمُ الدِّينِ الغَزِّيُّ، وَالقَلْيُوبِيُّ، وَابْنُ عَلَّانَ، وَغَيْرُهُمْ.

وَمِنْ فُقَهَاءِ الحَنَابِلَةِ: الشَّيْخُ أَحْمَدُ البَهُوتِيُّ.

وَقَالُوا: الأَطِبَّاءُ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّهُ مُضِرٌّ، وَقَالَ الشَّيْخُ عليش: أَخْبَرَ بَعْضُ مُخَالِطِي الإِنْكِلِيزِ أَنَّهُمْ مَا جَلَبُوا الدُّخَانَ لِبِلَادِ الإِسْلَامِ إِلَّا بَعْدَ إِجْمَاعِ أَطِبَّائِهِمْ عَلَى مَنْعِهِمْ مِنْ مُلَازَمَتِهِ، وَأَمَرِهِمْ بِالاقْتِصَادِ عَلَى اليَسِيرِ الَّذِي لَا يَـضُرُّ، لِتَشْرِيحِهِمْ رَجُلًا مَاتَ بِاحْتِرَاقِ كَبِدِهِ وَهُوَ مُلَازِمُهُ، فَوَجَدُوهُ سَارِيًا في عُرُوقِهِ وَعَصَبِهِ، وَمُسْوَدًّا مُخُّ عِظَامِهِ، وَقَلْبُهُ مِثْلُ إِسْفِنْجَةٍ يَابِسَةٍ، فَمَنَعُوهُمْ مِنْ مُدَاوَمَتِهِ، وَأَمَرُوهُمْ بِبَيْعِهِ لِلْمُسْلِمِينَ لِإِضْرَارِهِمْ.

ثُمَّ يُتَابِعُ الشَّيْخُ عليش قَوْلَهُ:

فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إِلَّا هَذَا لَكَانَ بَاعِثًا لِلْعَقْلِ عَلَى اجْتِنَابِهِ، وَقَدْ قَالَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الحَلَالُ بَيِّنٌ، وَالحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى المُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ» رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ.

هَذَا وَفِي المَرَاجِعِ الحَدِيثَةِ مَا يُثْبِتُ ضَرَرَ التَّدْخِينِ.

يُرَاجَعْ: الموسوعة الفقهية الكويتية مصطلح (تبغ)، وفتح العلي المالك: 1/118-123، وحاشية قليوبي: 1/69، والفواكه العديدة في المسائل المفيدة: 2/81، والدر المختار وحاشية ابن عابدين.

وَإِنَّ جُلَّ الفُقَهَاءِ المُعَاصِرِينَ قَالُوا بِتَحْرِيمِهِ، وَخَاصَّةً بَعْدَ ثُبُوتِ ضَرَرِهِ وَمَفَاسِدِهِ عَلَى الدِّينِ وَالعَقْلِ وَالنَّفْسِ وَالنَّسْلِ وَالمَالِ، وَهَذِهِ هِيَ الـضَّرُورَاتُ الخَمْسُ الَّتِي جَاءَ الإِسْلَامُ لِرِعَايَتِهَا.

هَذَا إِذَا لَمْ يَتَعَدَّ ضَرَرُهُ لِلْآخَرِينَ.

أَمَّا إِذَا تَعَدَّى ضَرَرُهُ لِلْآخَرِينَ فَإِنَّ الحُرْمَةَ تَتَأَكَّدُ أَكْثَرَ.

وَإِنَّنِي أُؤَكِّدُ عَلَى ذَلِكَ بِشَكْلٍ عَامٍّ، وَأَزِيدُ تَأْكِيدًا في مَوْطِنَيْنِ:

الأَوَّلُ: في حَفَلَاتِ عُقُودِ الزَّوَاجِ:

فَعَقْدُ الـزَّوَاجِ عَـقْدٌ مُـكَرَّمٌ في دِيـنِنَا، وَهُوَ عَقْدٌ وَمِـيثَاقٌ غَـلِيظٌ يُـؤْخَذُ عَلَى الـزَّوْجِ، وَالمِيثَاقُ الغَلِيظُ مَا ذُكِرَ في القُرْآنِ العَظِيمِ إِلَّا في مَوْضِعَيْنِ:

1ـ العَهْدُ الَّذِي أُخِذَ عَلَى الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، قَالَ تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ [الأحزاب: 7].

2ـ عَقْدُ النِّكَاحِ يَقُولُ فِيهِ رَبُّنَا تَعَالَى: ﴿وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ [النساء: 21].

وَلْنَنْظُرْ إِلَى جَوِّ هَذَا العَقْدِ المُكَرَّمِ في هَذَا الزَّمَنِ كَيْفَ حَالُهُ؟ إِيذَاءٌ لِلْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ هَذَا العَقْدَ بِالدُّخَانِ وَالأَرَاكِيلِ.

الثَّانِي: في لِقَاءَاتِ العَزَاءِ:

النَّاسُ يَأْتُونَ لِلْعَزَاءِ مِنْ أَجْلِ العِبْرَةِ وَالاتِّعَاظِ بِمَنْ خَرَجَ مِنَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَالقُرْآنُ يُتْلَى، وَالنَّاسُ يَشْرَبُونَ الدُّخَانَ، فَهَلْ هَذَا مِنْ تَعْظِيمِ شَعَائِرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ الَّتِي قَالَ فِيهَا مَوْلَانَا: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج: 32]؟

بَعْدَ هَذَا أَيُّهَا الأَخُ الحَبِيبُ يَسْأَلُكَ عُلَمَاؤُنَا وَفُقَهَاؤُنَا الأَسْئِلَةَ التَّالِيَةَ، فَمَا هُوَ جَوَابُكَ عَلَيْهَا؟

1ـ هَلِ الدُّخَانُ وَالأَرْكِيلَةُ خَيْرٌ أَمِ السِّوَاكُ؟ أُجِيبُ عَنْكَ فَأَقُولُ: السِّوَاكُ مِنْ عُودِ الأَرَاكِ، يُرْضِي الرَّبَّ، وَيُطَـيِّبُ الفَمَ، وَيُعِينُ عَلَى الهَضْمِ، وَيَـنْفَعُ المَـعِدَةَ، وَيُـقَوِّي الـبَصَرَ، وَيُـذَكِّرُ صَاحِبَهُ الشَّهَادَةَ عِنْدَ المَوْتِ، وَثَمَنُهُ بَسِيطٌ.

وَالدُّخَانُ عَكْسُ ذَلِكَ تَمَامًا، فَهُوَ يُنْتِنُ الفَمَ، وَيَحْرِقُ الجَوْفَ، وَيُنَفِّرُ المَلَائِكَةَ ﴿أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ﴾ [البقرة: 61].

2ـ هَلِ المُدَخِّنُ وَشَارِبُ الأَرْكِيلَةِ كَحَامِلِ المِسْكِ أَمْ كَنَافِخِ الكِيرِ؟ أُجِيبُ عَنْكَ بِأَنَّهُ لَيْسَ كَحَامِلِ المِسْكِ الَّذِي لَا تَجِدُ مِنْهُ إِلَّا رِيحًا طَيِّبَةً.

3ـ هَلِ المُدَخِّنُ وَشَارِبُ الأَرْكِيلَةِ يَبْدَأُ شُرْبَهُ بِالبَسْمَلَةِ وَيَنْتَهِي بِالحَمْدَلَةِ؟ أُجِيبُ عَنْكَ: لَا، لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الطَّيِّبَاتِ الَّتِي يَتَقَبَّلُهَا اللهُ تعالى: «إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا» رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ.

بَلْ عَلَى العَكْسِ مِنْ ذَلِكَ، يَضَعُ نِهَايَتَهَا تَحْتَ قَدَمِهِ، وَيَدُوسُهَا بِنَعْلِهِ، وَكَأَنَّهُ يَشْفِي غَلِيلَهُ مِنْ عَدُوِّهِ.

4ـ إِذَا كُنْتَ لَا تَخَافُ مِنْ إِيذَاءِ نَفْسِكَ.

وَإِذَا كُنْتَ لَا تَخَافُ مِنْ إِيذَاءِ نَسْلِكَ.

وَإِذَا كُنْتَ لَا تَخَافُ مِنْ إِيذَاءِ زَوْجِكَ.

وَإِذَا كُنْتَ لَا تَخَافُ مِنْ إِيذَاءِ جُلَّاسِكَ.

وَإِذَا كُنْتَ لَا تَخَافُ مِنْ إِسْرَافِ مَالِكَ.

وَإِذَا كُنْتَ لَا تَخَافُ مِنْ تَبْذِيرِ مَالِكَ.

أَفَلَا تَخَافُ مِنَ اللهِ تَعَالَى رَبِّكَ؟

وَأَنَا أُجِيبُ عَنْكَ: بِأَنَّكَ تَخَافُ اللهَ رَبَّكَ الذي يَقُولُ لَكَ: ﴿وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا﴾ [النساء: 27].

وَالَّذِي يَقُولُ لَكَ: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [النور: 31].

وَالَّذِي يَقُولُ لَكَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم: 6].

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَإِنَّ شُرْبَ الدُّخَانِ وَالأَرْكِيلَةِ يُكْرَهُ كَرَاهَةً تَحْرِيمِيَّةً، فَإِذَا ثَبَتَ ضَرَرُ الدُّخَانِ وَالأَرْكِيلَةِ عَلى الشَّارِبِ بِقَوْلِ طَبِيبٍ مُسْلِمٍ عَدْلٍ، أَوْ بِتَجْرِبَةٍ حَيْثُ صَارَ شَارِبُهَا يَشْعُرُ بِالأَضْرَارِ، انْتَقَلَ الحُكْمُ مِنَ الكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِيَّةِ إِلَى التَّحْرِيمِ.

هَذَا إِذَا كَانَ شُرْبُهُ لِلدُّخَانِ وَالأَرْكِيلَةِ بَعِيدًا عَنِ الآخَرِينَ.

أَمَّا شُرْبُ الدُّخَانِ وَالأَرْكِيلَةِ في المَحَافِلِ وَمَجَامِعِ النَّاسِ وَبَيْنَ أَفْرَادِ الأُسْرَةِ وَالأَصْحَابِ فَلَا يَجُوزُ مُطْلَقًا لِمَا يُلْحِقُهُ بِهِمُ التَّدْخِينُ وَالأَرْكِيلَةُ مِنَ الـضَّرَرِ في الصِّحَّةِ وَسُوءِ الرَّائِحَةِ.

ثُمَّ أَقُولُ: قَالَ اللهُ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ﴾ [النساء: 71] وَقَالَ تعالى: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [الكهف: 46].

وَخَيْرُ كَسْبِ الرَّجُلِ وَلَدُهُ، هَلَّا تَنَبَّهْتَ أَيُّهَا الأَبُ الغَيُورُ عَلَى وَلَدِهِ، ابْنُكَ هُوَ سِرُّ سَعَادَتِكَ، ابْنُكَ هُوَ امْتِدَادُ حَيَاتِكَ، ابْنُكَ بِهِ يُحْفَظُ ذِكْرُكَ، ابْنُكَ الَّذِي يَرْفُدُ صَحِيفَةَ عَمَلِكَ بَعْدَ مَوْتِكَ، لَوْ مَلَكْتَ أَعْلَى مَنْصِبٍ، وَجَمَعْتَ أَكْبَرَ ثَرْوَةٍ، وَبَلَغْتَ أَعْلَى دَرَجَةٍ عِلْمِيَّةِ، وَلَمْ يَكُنِ ابْنُكَ كَمَا تُحِبُّ وَتَتَمَنَّى فَأَنْتَ مِنْ أَشْقَى النَّاسِ.

إِذَا رَأَيْتَ وَلَدَكَ بَدَأَ بِالتَّدْخِينِ، لِأَنَّكَ أَنْتَ المُدَخِّنُ وَأَنْتَ رَمْزُهُ وَقُدْوَتُهُ، بَدَأَ يَحْتَرِقُ قَلْبُكَ عَلَيْهِ إِضَافَةً إِلَى الأَمْرَاضِ الَّتِي تَحْرِقُ دَاخِلَكَ.

إِذَا رَأَيْتَ وَلَدَكَ بَدَأَ بِالتَّدْخِينِ مُنْذُ نُعُومَةِ أَظْفَارِهِ تَأَسِّيًا بِكَ فَلَنْ يَكْتَفِيَ بِالتَّدْخِينِ أَيَّامَ مُرَاهَقَتِهِ وَشَبَابِهِ، بَلْ قَدْ يَنْتَقِلُ مِنْهُ إِلَى الخَمْرِ، وَمِنَ الخَمْرِ إِلَى النَّوَادِي اللَّيْلِيَّةِ، وَمِنْهَا يَنْقَلِبُ إِلَيْكَ مُدْمِنًا عَلَى المُخَدِّرَاتِ، فَإِذَا مَا رَأَيْتَهُ هَكَذَا جَاءَتْكَ الأَزْمَةُ القَلْبِيَّةُ لِتَنْقُلَكَ إِلَى عَالَمِ القَبْرِ، وَمِنْ عَالَمِ القَبْرِ إِلَى الوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَمَا أَنْتَ قَائِلٌ لِرَبِّكَ الَّذِي أَعْطَاكَ المَالَ وَالبَنِينَ؟

أَيُّهَا الأَبُ الكَرِيمُ: هَلْ نَسِيتَ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ﴾ [الزخرف: 44]؟

هَلْ نَسِيتَ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

هَلْ نَسِيتَ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾؟ ضَيَّعْتَ المَالَ بِشُرْبِ الدُّخَانِ وَالأَرْكِيلَةِ، وَضَيَّعْتَ وَلَدَكَ لِأَنَّكَ مَا كُنْتَ القُدْوَةَ الصَّالِحَةَ لَهُ.

فَيَا أَيُّهَا الأَبُ الكَرِيمُ، أَنْتَ مَتْبُوعٌ فَانْتَبِهْ إِلَى نَفْسِكَ، وَيَا أَيُّهَا المَسْؤُولُ أَنْتَ مَتْبُوعٌ فَانْتَبِهْ إِلَى نَفْسِكَ، وَيَا أَيُّهَا المُدَرِّسُ أَنْتَ مَتْبُوعٌ فَانْتَبِهْ إِلَى نَفْسِكَ، وَيَا أَيُّهَا الطَّبِيبُ أَنْتَ مَتْبُوعٌ فَانْتَبِهْ إِلَى نَفْسِكَ، وَيَا أَيُّهَا التَّاجِرُ أَنْتَ مَتْبُوعٌ فَانْتَبِهْ إِلَى نَفْسِكَ، فَلْتَكُنْ أُسْوَةً صَالِحَةً لِغَيْرِكَ.

مَا أَجْمَلَ الأُسْرَةَ الصَّالِحَةَ، وَمَا أَجْمَلَ المُجْتَمَعَ الصَّالِحَ، حَيْثُ لَا يَتَعَاوَنُ أَحَدٌ مَعَ أَحَدٍ إِلَّا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى، وَمَا أَجْمَلَ الأُسْرَةَ وَالمُجْتَمَعَ إِذَا جَمَعَهَمُ الإِسْلَامُ بِأَحْكَامِهِ، وَهَلْ هُنَاكَ سَعَادَةً أَعْظَمَ مِنْ سَعَادَةِ الاجْتِمَاعِ عَلَى أَحْكَامِ شَرِيعَتِنَا؟

في الحَيَاةِ الدُّنْيَا نَسْعَدُ بِإِسْلَامِنَا الَّذِي حَافَظَ لَنَا عَلَى عَقِيدَتِنَا وَدِينِنَا وَحَافَظَ لَنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَعُقُولِنَا وَأَمْوَالِنَا وَنَسْلِنَا.

وَفِي الحَيَاةِ الآخِرَةِ نَسْعَدُ عِنْدَمَا يَجْمَعُ اللهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ أُصُولِنَا وَفُرُوعِنَا وَأَزْوَاجِنَا وَذَلِكَ بِصَبْرِنَا عَلَى امْتِثَالِ أَمْرِ رَبِّنَا ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾ [الرعد].

أَمَّا بِغَيْرِ الإِسْلَامِ فَقَدْ ضَيَّعْنَا أَنْفُسَنَا وَأَمْوَالَنَا وَعُقُولَنَا وَنَسْلَنَا بَعْدَ ضَيَاعِ دِينِنَا، فَصَارَتِ الحَيَاةُ شَقَاءً وَضَنْكًا ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ [سورة طه]. خَسَارَةُ الدُّنْيَا وَخَسَارَةُ الآخِرَةِ ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾ [عبس].

وَنَصِيحَتِي لِشَارِبِي الدُّخَانِ وَالأَرْكِيلَةِ:

أَوَّلًا: أَسْرِعْ بِالتَّوْبَةِ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ قَبْلَ فَوَاتِ الأَوَانِ، وَكُنْ صَاحِبَ إِرَادَةٍ قَوِيَّةٍ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجِزْ.

ثَانِيًا: إِنْ لَمْ تَكُنْ حَرِيصًا عَلَى نَفْسِكَ فَكُنْ حَرِيصًا عَلَى ذُرِّيَّتِكَ، وَإِنِّي عَلَى يَقِينٍ بِأَنَّ أَغْلَى شَيْءٍ عِنْدَكَ بَعْدَ اللهِ تعالى وَرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هُوَ ذُرِّيَّتُكَ، فَاتَّخِذْ قَرَارًا لَا رَجْعَةَ فِيهِ في تَرْكِ الدُّخَانِ وَالأَرْكِيلَةِ، لِأَنَّ ذَاتَكَ تَسْتَحِقُّ مِنْكَ هَذَا الحَزْمَ، وَذُرِّيَّتَكَ تَسْتَحِقُّ هَذَا الحَزْمَ.

ثَالِثًا: لَا تَفْقِدِ الأَمَلَ إِذَا لَمْ تَنْجَحْ في المَرَّةِ الأُولَى بِتَرْكِهِ، فَشَيَاطِينُ الجِنِّ وَالإِنْسِ لَا يَيْأَسُونَ مِنْ إِيقَاعِكَ في المُخَالَفَةِ، وَمِنَ اسْتِمْرَارِيَّتِكَ بِشُرْبِ الدُّخَانِ وَالأَرْكِيلَةِ، لِأَنَّهُمْ ضُعَفَاءُ أَمَامَ أَنْفُسِهِمْ، ﴿وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا﴾.

رَابِعًا: اعْتَبِرْ مِنْ أَصْحَابِ الابْتِلَاءَاتِ، وَاسْتَفِدْ مِنْ أَصْحَابِ العَزِيمَةِ الَّذِينَ أَقْلَعُوا عَنِ التَّدْخِينِ وَالأَرْكِيلَةِ.

وَأَوَّلًا وَأَخِيرًا: أَنْتَ مَسْؤُولٌ أَمَامَ اللهِ تعالى عَنْ نِعْمَةِ المَالِ أَنْ تَـصْرِفَ بَعْضَهُ في شُرْبِ الدُّخَانِ وَالأَرْكِيلَةِ.

وَهَلْ تَرَى مِنْ شُكْرِ اللهِ تعالى عَلَى نِعْمَةِ الوَلَدِ أَنْ تَكُونَ أُسْوَةً لَهُ في شُرْبِ الدُّخَانِ وَالأَرْكِيلَةِ ثُمَّ هُوَ يُتَابِعُ سَيْرَهُ في الدَّرَكَاتِ الَّتِي لَنْ يُحْسَدَ عَلَيْهَا.

أَسْأَلُ اللهَ السَّلَامَةَ لِي وَلِأُصُولِي وَفُرُوعِي وَزَوْجَتِي، وَلِكُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ في مَشَارِقِ الأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا مِنْ كُلِّ فِتْنَةٍ ظَاهِرَةٍ وَبَاطِنَةٍ.

وَأَسْأَلُ اللهَ السَّلَامَةَ لِأَوْطَانِنَا وَلِشَبَابِنَا وَشَابَّاتِنَا وَمَسْؤُولِينَا، إِنَّهُ خَيْرُ مَسْؤُولٍ وَخَيْرُ مَأْمُولٍ. آمين.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [سورة العصر]. هذا، والله تعالى أعلم.

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
4 مشاهدة