أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

9136 - ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾

03-09-2018 8696 مشاهدة
 السؤال :
ما تفسير قول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 9136
 2018-09-03

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَقُولُ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ: أَيْ: إِنَّمَا يَخْشَاهُ حَقَّ خَشْيَتِهِ العُلَمَاءُ العَارِفُونَ بِهِ، لِأَنَّهُ كُلَّمَا كَانَتِ المَعْرِفَةُ للعَظِيمِ القَدِيرِ العَلِيمِ المَوْصُوفِ بِصِفَاتِ الكَمَالِ المَنْعُوتِ بِالأَسْمَاءِ الحُسْنَى، كُلَّمَا كَانَتِ المَعْرِفَةُ بِهِ أَتَمَّ وَالعِلْمُ بِهِ أَكْمَلَ كَانَتِ الخَشْيِةُ لَهُ أَعْظَمَ وَأَكْثَرَ.

قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ في قَوْلِهِ تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾. قَالَ: الذينَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

وَقَالَ ابْنُ لُهَيْعَةَ عَنِ ابْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: العَالِمُ بِالرَّحْمَنِ مِنْ عِبَادِهِ مَنْ لَمْ يُشْرِكْ بِهِ شَيْئَاً، وَأَحَلَّ حَلَالَهُ وَحَرَّمَ حَرَامَهُ، وَحَفِظَ وَصِيَّتَهُ وَأَيْقَنَ أَنَّهُ مُلَاقِيهِ وَمُحَاسَبٌ بِعَمَلِهِ.

وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: الخَشْيَةُ هِيَ التي تَحُولُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ مَعْصِيَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.

وَقَالَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ: العَالِمُ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالغَيْبِ، وَرَغِبَ فِيمَا رَغِبَ اللهُ فِيهِ، وَزَهِدَ فِيمَا سَخِطَ اللهُ فِيهِ، ثُمَّ تَلَا الحَسَنُ ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَه عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾.

وَيَقُولُ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: لَيْسَ العِلْمُ عَنْ كَثْرَةَ الحَدِيثِ، وَلَكِنَّ العِلْمَ عَنْ كَثْرَةِ الخَشْيَةِ.

وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ المِصْرِيُّ عَنِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ قَالَ: إِنَّ العِلْمَ لَيْسَ بِكَثْرَةِ الرِّوَايَةِ، وَلَكِنَّ العِلْمَ نُورٌ يَجْعَلُهُ اللهُ في القَلْبِ، مَعْنَاهُ أَنَّ الخَشْيَةَ لَا تُدْرَكُ بِكَثْرَةِ الرِّوَايَةِ، وَإِنَّمَا العِلمُ الذي فَرَضَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُتَّبَعَ، فَإِنَّمَا هُوَ الكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَمَا جَاءَ عَنِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمْ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ أَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ، فَهَذَا لَا يُدْرَكُ إِلَّا بِالرِّوَايَةِ، وَيَكُونُ تَأْوِيلُ قَوْلِهِ: نُورٌ يُرِيدُ بِهِ فَهْمَ العِلْمِ وَمَعْرِفَةَ مَعَانِيهِ.

وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي حَيَّانَ التَّيْمِيِّ عَنْ رَجُلٍ قَالَ: كَانَ يُقَالُ: العُلَمَاءُ ثَلَاثَةٌ: عَالِمٌ بِاللهِ، عَالِمٌ بِأَمْرِ اللهِ، وَعَالِمٌ بِاللهِ لَيْسَ بِعَالِمٍ بِأَمْرِ اللهِ، وَعَالِمٌ بِأَمْرِ اللهِ، لَيْسَ بِعَالِمٍ بِاللهِ، فَالعَالِمُ بِاللهِ وَبِأَمْرِ اللهِ الذي يَخْشَى اللهَ تعالى وَيَعْلَمُ الحُدُودَ وَالفَرَائِضَ، وَالعَالِمُ بِاللهِ لَيْسَ بِعَالِمٍ بِأَمْرِ اللهِ الذي يَخْشَى اللهَ وَلَا يَعْلَمُ الحُدُودَ وَلَا الفَرَائِضَ، وَالعَالِمُ بِأَمْرِ اللهِ لَيْسَ العَالِمُ بِاللهِ الذي يَعْلَمُ الحُدُودَ وَالفَرَائِضَ وَلَا يَخْشَى اللهَ عَزَّ وَجَلَّ.

وَقَالَ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: فَكُلُّ مَنْ كَانَ بِاللهِ أَعْلَمَ، كَانَ أَكْثَرَ لَهُ خَشْيَةً، وَأَوْجَبَتْ لَهُ خَشْيَةُ اللهِ، الانْكِفَافُ عَنِ المَعَاصِي، وَالاسْتِعْدَادُ لِلِقَاءِ مَنْ يَخْشَاهُ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى فَضِيلَةِ العِلْمِ، فَإِنَّهُ دَاعٍ إلى خَشْيَةِ اللهِ، وَأَهْلُ خَشْيَتِهِ هُمْ أَهْلُ كَرَامَتِهِ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ﴾.

وبناء على ذلك:

فَالفَاعِلُ في الآيَةِ هُمُ العُلَمَاءُ، وَمَعْنَى الآيَةِ أَنَّ اللهَ تعالى لَا يَخْشَاهُ أَحَدٌ إِلَّا العُلَمَاءُ، وَهُمُ الذينَ يَعْرِفُونَ قُدْرَتَهُ وَسُلْطَانَهُ، وَالآيَةُ فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ خَشِيَ اللهَ تعالى فَهُوَ عَالِمٌ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ عَالِمٍ يَخْشَاهُ.

وَلَيْسَ مَعْنَى الآيَةِ أَنَّ اللهَ تعالى هُوَ الذي يَخْشَى العُلَمَاءَ، تعالى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ ذَلِكَ عُلُوَّاً كَبِيرَاً.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ العِلْمَ النَّافِعَ، وَالعَمَلَ الصَّالِحَ، وَالخَشْيَةَ مِنْكَ في السِّرِّ وَالعَلَنِ. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.

 

 

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
8696 مشاهدة