أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

4086 - ما الحكم الشرعي في تحويل العملات واجتماع الحوالة مع الصرف؟

19-07-2011 2446 مشاهدة
 السؤال :
ما هو الحكم الشرعي فيما يفعله بعض مكاتب الحوالات، من تحويل العملة من بلد إلى بلد آخر، مع أخذ الأجرة؟ وما هو الحكم في اجتماع عقد الصرف والحوالة في آن واحد؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 4086
 2011-07-19

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولاً: الحوالة مشتقَّة من التحول بمعنى الانتقال، وفي الاصطلاح الشرعي هي: نقل الدين وتحويلُه من ذمة المُحيل، إلى ذمة المُحال عليه.

أما المقصود بالحوالة اليوم فهي الحوالة المصرفية، بحيث يحوِّل المال من جهة إلى أخرى. أو هي: أن يدفع شخص لمصرف أو لآخر مبلغاً من المال ليحوِّله إلى شخص آخر في بلد آخر، وهذا لا حرج فيه شرعاً بإجماع الفقهاء.

وقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم 84 (1/9) ما نصُّه:

(أ ـ الحوالات التي تقدم مبالغها بعملة ما، ويرغب طالبها تحويلها بنفس العملة جائزة شرعاً، سواء أكان بدون مقابل أم بمقابل في حدود الأجر الفعلي...) اهـ.

ثانياً: أما اجتماع الحوالة مع الصرف، بحيث يقدِّم المحيل إلى مكتب الحوالات عملة (ما)، ليقوم بتحويلها إلى بلد آخر بعملة أخرى، فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى منع ذلك، وعدمِ صحة هذا التعامل، لعدم حصول التقابض في الصرف إذا اجتمع مع الحوالة، والتقابض في الصرف شرط لصحته، وإلا وقعت النسيئة والتأخير في الصرف، وربا النسيئة محرَّم شرعاً، وذلك لقوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلاً بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) رواه مسلم.

وجاء في صحيح مسلم من حديث مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ أَنَّهُ قَالَ: أَقْبَلْتُ أَقُولُ: مَنْ يَصْطَرِفُ الدَّرَاهِمَ؟ فَقَالَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ وَهُوَ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَرِنَا ذَهَبَكَ ثُمَّ ائْتِنَا إِذَا جَاءَ خَادِمُنَا نُعْطِكَ وَرِقَكَ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: كَلا وَاللهِ، لَتُعْطِيَنَّهُ وَرِقَهُ، أَوْ لَتَرُدَّنَّ إِلَيْهِ ذَهَبَهُ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قَالَ: (الوَرِقُ بِالذَّهَبِ رِبًا إِلا هَاءَ وَهَاءَ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إِلا هَاءَ وَهَاءَ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إِلا هَاءَ وَهَاءَ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إِلا هَاءَ وَهَاءَ).

وجاء في صحيح البخاري من حديث سليمان بن أبي مسلم قال: سَأَلْتُ أَبَا الْمِنْهَالِ عَنْ الصَّرْفِ يَدًا بِيَدٍ، فَقَالَ: اشْتَرَيْتُ أَنَا وَشَرِيكٌ لِي شَيْئًا يَدًا بِيَدٍ وَنَسِيئَةً، فَجَاءَنَا الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ فَسَأَلْنَاهُ، فَقَالَ: فَعَلْتُ أَنَا وَشَرِيكِي زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، وَسَأَلْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: (مَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ فَخُذُوهُ، وَمَا كَانَ نَسِيئَةً فَذَرُوهُ). وفي رواية للبخاري: (إِنْ كَانَ يَدًا بِيَدٍ فَلا بَأْسَ، وَإِنْ كَانَ نَسَاءً فَلا يَصْلُحُ).

لهذا ذهب جمهور الفقهاء إلى منع الصرف والحوالة بآن واحد إلا أن يتم عقد الصرف أولاً، وذلك بصرف العملة الموجودة بالعملة المطلوبة، ويتم التقابض، ثم يدفع طالب الحوالة المال لمكتب الحوالات لتحويله إلى الجهة المطلوبة.

وقد ذهب بعض الفقهاء المعاصرين إلى جواز عملية الصرف والحوالة، لحاجة الناس إلى هذا النوع من التعامل، وقالوا: الحاجة تنزل منزلة الضرورة، والدين يسر، والحرج مرفوع، قال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}.

وبناء على ذلك:

فلا حرج من عملية الحوالات إذا تمَّ تحويل نفس المبلغ المحال، ولو أخذ مكتب الحوالات أجرة الحوالة.

أما اجتماع عقد الصرف مع الحوالة، فعند جمهور الفقهاء يحرم إلا إذا انفصل عقد الصرف عن الحوالة، وتمَّ التقابض الحقيقي، ولا أرى جواز الأخذ بقول بعض الفقهاء بجواز الجمع بين الصرف والحوالة لأنه لا ضرورة لذلك، والأمر ليس مستحيلاً ولا متعسراً، والربا لا يباح للحاجة، ولكن وبكل أسف الكثير من المسلمين من أصحاب مكاتب الحوالات يتساهلون في ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. هذا، والله تعالى أعلم.

 

 

 

 

 

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
2446 مشاهدة