أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

5016 - حكم بنوك الحليب

01-04-2012 28456 مشاهدة
 السؤال :
سؤال: أنشأت بعض الدول الأجنبية ما يسمى ببنوكِ الحليبِ وهي تعني: ـ حليب الأم الفائض ـ ، حيث يوضعُ ببنوكٍ خاصةٍ ويستخدمُ للأطفالِ الخُدَّجِ الذين يولدون قبل وقتهم المقرر، والذين هم بحاجةٍ ماسَّةٍ له، تُرى ما الحكمُ الشرعيُّ بخصوصِ هذه البنوك؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 5016
 2012-04-01

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولاً: يترتب على الرضاع بعض الأحكام، من جملتها تحريم النكاح، ولا خلاف في ذلك بين الفقهاء لقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ}. ثم ذكر الأم والأخت من الرضاع فقال: { وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ}. وتحريم البنت بالتبعيَّةِ، لأنَّه إذا حرمت الأخت فالبنت من باب أولى.

وأما سائر المحارم فقد ثبت تحريمهن بالسنة، بقوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ) رواه الإمام البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

 ثانياً: ذكر الفقهاء شروطاً لتحريم الرضاع من جملتها أن تكون المرضع امرأة، وأن يصل حليبها إلى جوف الطفل سواء كان بمصٍّ من الثدي، أو إيجارٍ من الحلق، أو إسعاطٍ من الأنف، سواء كان اللبن صرفاً، أو مَشوباً بمائع لم يغلب على اللبن، بأن كان اللبن غالباً وصفاته باقيةٌ.

ثالثاً: صَدَرَ عن مجمع الفقه الإسلامي قرار رقم (6) بشأن بنوك الحليب:

1ـ أنَّ بنوكَ الحليبِ تجربةٌ قامت بها الأممُ الغربِيَّةُ، ثمَّ ظهرت مع التَّجربةِ بعضُ السَّلبِيَّاتِ الفنِّيَّةِ والعلمِيَّةِ فيها، فانكمشت وقَلَّ الاهتمامُ بها.

2ـ أنَّ الإسلامَ يَعتَبِرُ الرضاعَ لُحمةٌ كَلُحمةِ النَّسبِ، يَحرُمُ به ما يَحرُمُ من النَّسبِ بإجماعِ المسلمين، ومن مقاصدِ الشَّريعةِ الكليَّةِ المحافظةُ على النَّسبِ، وبنوكُ الحليبِ مُؤدِّيَةٌ إلى الاختلاطِ أو الرِّيبةِ.

3ـ أنَّ العلاقاتِ الاجتماعيةَ في العالمِ الإسلاميِّ توفِّرُ للمولودِ الخداج أو ناقصي الوزنِ أو المحتاجِ إلى اللبنِ البشريِّ في الحالاتِ الخاصةِ ما يحتاجُ إليه من الاسترضاعِ الطبيعيِّ، الأمرُ الذي يُغني عن بنوكِ الحليبِ.

وبناء على ذلك قَرَّرَ:

أولاً: مَنعُ إنشاءِ بنوكِ حليبِ الأمَّهاتِ في العالمِ الإسلاميِّ.

ثانياً: حُرمةُ الرضاعِ منها .

وبناء على ذلك:

 فإن أخذ الحليبِ من هذه البنوكِ فيه محظورٌ شرعيٌّ، وذلك أنَّ جمعَ الحليبِ من أمهاتٍ متعدداتٍ وخلطَهُ ثم إعطاءَهُ للأطفال يؤدي إلى عدم معرفة مَنْ مِنَ النساء أرضعت مَنْ مِنَ الأطفال، وهذا قد يؤدي إلى أن يتزوج الأخ أخته من الرضاعة، أو خالته، أو عمته، ولا يقاس الحليب على الدم، فإنَّ الدم إذا أخذه إنسان من آخر فإنَّه لا يجعل أخُوَّة بينهما.

وهذه البنوك ـ بنوك الحليب ـ قد تؤدي إلى تقاعس الأمهات عن الإرضاع، وفي ذلك بعض المحاذير على الأم حيث تفقد الفوائد العظيمة للرضاعة، كم أنها تُفقد الطفل الفوائد العظيمة من الرضاعة الحسية والمعنوية ـ وكل هذا يعرفه الأطباء ـ.

كما يجب علينا أن لا ننسى بأنَّ الإسلام جاء لحفظ الكليات الخمس، والتي من جملتها النسل، فأي سبب يؤدي إلى ضياع النسل واختلاطه يَحرُم، ولا شك بأنَّ بنوك الحليب تؤدي إلى ذلك، حيث قد يتزوج الرجل أخته أو خالته ...... من الرضاعة.

وإذا صارت الحاجة ملحة لظرف من الظروف، فلا حرج من إنشاء هذه البنوك، بالشروط التالية:

1ـ أن يُكتبَ على كل عُبوةٍ اسمُ صاحبَتِها التي حُلبَت منها، واسمُ زوجِها إن كان لها زوج، وعنوانُها، من أجل أن من يرتَضِعَهَا من الأطفال يُعَدُّ بذلك ابناً لها ولزوجِها رضاعاً.

2ـ أن يكون ذلك مجاناً بدون بدلٍ ماليٍّ، لأنَّه جزءُ الإنسانِ، ولا يجوزُ بيعُهُ، واستثنى الإسلامُ المرضعةَ التي تُرضِعُ الطفلَ من ثَديِها وتَخدِمُهُ، فأجاز لها الأجرةَ استثناءً فلا يُقاسُ هذا عليه.

3ـ أن يكون هذا بموافقةِ زوجِ المرضعةِ إن كان لها زوج، لأنَّ له حقٌّ في الحليب، لأنَّه دُرَّ بِسَبَبِهِ.

وبذلك نحقِّقُ مقصِدَينِ عظِيمَينِ من مقاصد الشرع؛ وهما:

1ـ حفظ الأنساب ومنعها من الاختلاط.

2ـ حفظ الأبدان من خلال حفظ حياة أولئك الأطفال المتوقفة حياتهم على هذا الحليب.  هذا، والله تعالى أعلم.

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
28456 مشاهدة