أهلا بكم في موقع الشيخ أحمد شريف النعسان

420 - يعاملها معاملة سيئة لتطلب الطلاق وتتنازل عن مهرها

24-07-2007 0 مشاهدة
 السؤال :
رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يُطَلِّقَ زَوْجَتَهُ، وَلَكِنَّهُ يَمْتَنِعُ مِنْ طَلَاقِهَا وَيُعَامِلُهَا مُعَامَلَةً سَيِّئَةً حَتَّى تَطْلُبَ هِيَ الطَّلَاقَ وَتَتَنَازَلَ عَنْ حُقُوقِهَا، فَمَا هُوَ الحُكْمُ الـشَّرْعِيُّ في ذَلِكَ؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 420
 2007-07-24

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أَخِي الكَرِيمُ: بِدَايَةً أَقُولُ لَكُمْ:

أَوَّلًا: تَذَكَّرُوا قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا﴾.

فَالكُلُّ مُخْتَبَرٌ وَمُبْتَلًى، وَاللهُ عَزَّ وَجَلَّ بَصِيرٌ بِالعِبَادِ، فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ وَمِنْهُمْ مَظْلُومٌ، وَرَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ لِلْمَظْلُومِ: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ﴾.

وَرَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ بِجَانِبِ المَظْلُومِ، «وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

وَلَمَّا بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ سَيِّدَنَا مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إلى اليَمَنِ قَالَ لَهُ: «اتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ، فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ» رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ.

وَالعَبْدُ عِنْدَمَا يَكُونُ مَظْلُومًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ ظَالِمًا.

ثَانِيًا: لِيَتَذَكَّرْ كُلُّ زَوْجٍ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾.

حَيْثُ حَرَّمَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يُضَيِّقَ عَلَى الزَّوْجَةِ حَتَّى تَطْلُبَ الطَّلَاقَ لِيَأْخُذَ مِنْهَا شَيْئًا مِنَ المَهْرِ.

وَلْيَتَذَكَّرْ كُلُّ زَوْجٍ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾.

اللهُ تعالى يَقُولُ: ﴿فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا﴾. فَكَيْفَ يَأْخُذُ الزَّوْجُ؟ وَاللهُ تعالى يَسْأَلُ: ﴿وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾.

وَلْيَتَذَكَّرْ كُلُّ زَوْجٍ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.

لَوْ أَنَّكَ يَا أَيُّهَا الزَّوْجُ عِنْدَكَ بِنْتٌ أَوْ أُخْتٌ، أَتَرْضَى أَنْ تُعَامَلَ بِقَسْوَةٍ حَتَّى يَذْهَبَ زَوْجُهَا بِمَهْرِهَا؟ الجَوَابُ قَوْلًا وَاحِدًا: لَا، لِذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَتَذَكَّرَ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.

وَلْيَتَذَكَّرْ كُلُّ زَوْجٍ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا * وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللهُ وَاسِعًا حَكِيمًا﴾.

فَتَرْكُ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ مُعَلَّقَةً لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ وَلَيْسَتْ بِمُطَلَّقَةٍ ظُلْمٌ وَأَيُّ ظُلْمٍ، وَاللهُ تعالى يَقُولُ في الحَدِيثِ القُدْسِيِّ: «يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا» رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ.

ثَالِثًا: لِيَعْلَمْ كُلُّ زَوْجٍ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا﴾.

فَالصَّدَاقُ هُوَ حَقُّ الزَّوْجَةِ، وَلَا يَطِيبُ للرَّجُلِ مِنْهُ شَيْءٌ إِلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسِ المَرْأَةِ، وَإِلَّا فَمَا أُخِذَ بِسَيْفِ الحَيَاءِ فَهُوَ حَرَامٌ، فَكَيْفَ إِذَا أُخِذَ بِالقَهْرِ وَالظُّلْمِ؟

وَلْيَعْلَمْ كُلُّ زَوْجٍ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّمَا رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى مَا قَلَّ مِنَ الْمَهْرِ أَوْ كَثُرَ لَيْسَ فِي نَفْسِهِ أَنْ يُؤَدِّيَ إِلَيْهَا حَقَّهَا خَدَعَهَا، فَمَاتَ، وَلَمْ يُؤَدِّ إِلَيْهَا حَقَّهَا لَقِيَ اللهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُوَ زَانٍ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ.

وَبَعْدَ هَذَا أَقُولُ: يَحْرُمُ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يُضَيِّقَ عَلَى الزَّوْجَةِ حَتَّى تَفْتَدِيَ نَفْسَهَا مِنْهُ بِمَا أَعْطَاهَا مِنْ مَهْرٍ، فَهَذَا ظُلْمٌ لَهَا، وَقَدْ نَهَى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ﴾.

فَمَنْ ضَارَّ زَوْجَتَهُ وَأَسَاءَ عِشْرَتَهَا لِتَفْتَدِيَ مِنْهُ بِمَا أَعْطَاهَا مِنْ مَهْرٍ، وَأَعْطَتْهُ، عَلَيْهِ أَنْ يَعْلَمَ بِأَنَّ هَذَا المَالَ حَرَامٌ عَلَيْهِ، يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ، وَإِلَّا دَخَلَ تَحْتَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ﴾. لِأَنَّ اللهَ تعالى حَرَّمَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾.

فَهَذَا لَوْنٌ مِنْ أَلْوَانِ أَكْلِ الأَمْوَالِ بِالبَاطِلِ.

وَعَلَى الزَّوْجَةِ أَنْ تَصْبِرَ عَلَى سُوءِ خُلُقِ زَوْجِهَا، فَلَهَا بِذَلِكَ أَجْرٌ كَبِيرٌ، فَإِنْ نَفَذَ صَبْرُهَا، وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى عَضْلِهَا وَسُوءِ عِشْرَتِهَا لِتَفْتَدِيَ نَفْسَهَا مِنْ ظُلْمِهِ، وَتُفَوِّضَ أَمْرَهَا إلى اللهِ تعالى، وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾. وَلِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللهُ وَاسِعًا حَكِيمًا﴾. فَإِنِ اتَّفَقَا عَلَى شَيْءٍ فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وَإِلَّا رَفَعَتِ المَرْأَةُ أَمْرَهَا إلى القَاضِي لِيَجْعَلَ حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا لِإِنْهَاءِ هَذِهِ المُشْكِلَةِ، وَالقَاضِي هُوَ الذي يُحَدِّدُ مَا تَأْخُذُهُ المَرْأَةُ مِنْ مَهْرٍ أَوْ تَرُدُّهُ.

أَمَّا إِذَا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا عَنْ طَرِيقِ الهَاتِفِ أَوْ بِرِسَالَةٍ أَوْ بِأَيِّ طَرِيقٍ آخَرَ، فَإِنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ، وَتَسْتَحِقُّ المَرْأَةُ كَامِلَ مَهْرِهَا عِنْدَئِذٍ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يُثَبِّتُ هَذَا الطَّلَاقَ بِإِقْرَارِ الزَّوْجِ أَوْ بِشُهُودٍ عَلَيْهِ في المَحْكَمَةِ الشَّرْعِيَّةِ.

وَأَنَا أُؤَكِّدُ عَلَى نَصِيحَتِيَ السَّابِقَةِ: أَنْ تَصْبِرَ المَرْأَةُ عَلَى زَوْجِهَا، وَإِلَّا لِتُفَوِّضْ أَمْرَهَا إلى اللهِ تعالى، وَلْتَتَفَاءَلْ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللهُ وَاسِعًا حَكِيمًا﴾.

فَهِيَ مَوْعُودَةٌ بِالغِنَى مِنَ اللهِ تعالى، وَمَنْ تَرَكَ شَيْئًا للهِ عَوَّضَهُ اللهُ خَيْرًا مِنْهُ. هذا، والله تعالى أعلم.

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
0 مشاهدة