7ـ ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾

7ـ ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾

﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾. أَمْرٌ مِنَ اللهِ تعالى لِاكْتِسَابِ العِلْمِ، وَأَجَلُّ العُلُومِ التي يَدْعُو القُرْآنُ إلى اكْتِسَابِهَا عُلُومُ الدِّينِ، لِأَنَّهَا تَهْدِي الإِنْسَانَ إلى سُبُلِ سَعَادَتِهِ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ دَارِ البَقَاءِ وَالخُلُودِ، كَمَا يَدْعُو هَذَا الأَمْرُ ﴿اقْرَأْ﴾. إلى اكْتِسَابِ العُلُومِ الكَوْنِيَّةِ التي تَخْدِمُ مَطَالِبَ النَّاسِ في الحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ أَجْلِ صَلَاحِ دُنْيَاهُمْ وَدِينِهِمْ.

كُلُّ البَشَرِ يُعَلِّمُهُمْ بَشَرٌ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: خِطَابُ اللهِ تعالى لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾. هُوَ خِطَابٌ مُوَجَّهٌ لِكُلِّ العَالَمِينَ لَا يُسْتَثْنَى مِنْهُ أَحَدٌ إِلَّا للعَاجِزِ عَنْ تَعَلُّمِ القِرَاءَةِ وَالكِتَابَةِ.

وَالسُّؤَالُ الذي يَطْرَحُ نَفْسَهُ هُنَا هُوَ هَلْ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَشْمُولٌ بِهَذَا الأَمْرِ: ﴿اقْرَأْ﴾.

هُنَاكَ نُصُوصٌ مِنَ القُرآنِ العَظِيمِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُسْتَثْنَىً مِنَ التَّوْجِيهِ لِتَعَلُّمِ صَنْعَةِ القِرَاءَةِ وَالكِتَابَةِ، لِتَبْقَى أُمِّيَّتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِحْدَى مُعْجِزَاتِ نُبُوَّتِهِ، لِأَنَّ كُلَّ البَشَرِ يُعَلِّمُهُمْ بَشَرٌ، إِلَّا سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي سَيُعَلِّمُهُ هُوَ اللهُ تعالى وَحْدَهُ، لِيَكُونَ مُعَلِّمَاً لِأَكْبَرِ عُلَمَاءِ البَشَرِ.

فَعُلَمَاءُ البَشَرِ يَأْخُذُونَ عَنْهُ العِلْمَ وَالمَعْرِفَةَ، قَالَ تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ﴾. أَيْ: إِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وتعالى الذي خَلَقَ مِنْ عَدَمٍ، سَيَجْعَلُكَ تَقْرَأُ عَلَى النَّاسِ مَا يُعْجِزُ عُلَمَاءَ الدُّنْيَا وَحَضَارَاتِ الدُّنْيَا عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ، وَسَيَكُونُ مَا تَقْرَأُهُ وَأَنْتَ النَّبِيُّ الأُمِّيُّ إِعْجَازَاً.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ القُرْآنَ عَلَى النَّاسِ بِاسْمِ اللهِ، وَيُؤَكِّدُ هَذَا قَوْلُهُ تعالى: ﴿قُلْ لَوْ شَاءَ اللهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرَاً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾.

وَقَوْلُهُ تعالى: ﴿وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ﴾. وَقَوْلُهُ تعالى: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ﴾.

فَقَوْلُهُ تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾. أَمْرٌ بِالقِرَاءَةِ المَقْرُونَةِ وَالمُتَلَبِّسَةِ بِالتَّفَكُّرِ في صِفَاتِ رَبِّكَ الذي خَلَقَ كُلَّ مَخْلُوقٍ في الوُجُودِ، اقْرَأْ وَأَنْتَ تَسْتَعِينُ بِاللهِ الذي يَمُدُّ بِعَطَاءَاتِ رُبُوبِيَّتِهِ.

في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ اخْتَارَ اللهُ تعالى مِنْ أَسْمَائِهِ الحُسْنَى كَلِمَةَ (رَب) مِنْ أَجْلِ لَفْتِ نَظَرِ العَبْدِ المَخْلُوقِ إلى عَظَمَةِ الرَّبِّ الخَالِقِ، الذي تَوَلَّى مَخْلُوقَاتِهِ بِالتَّرْبِيَةِ.

وَلَمَّا كَانَتِ التَّرْبِيَةُ الحَقِيقِيَّةُ لِكُلِّ مَخْلُوقٍ في الوُجُودِ كَانَ سُبْحَانَهُ وَتعالى هُوَ رَبَّ العَالَمِينَ، وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ.

﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ﴾:

ثُمَّ قَالَ تعالى: ﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ﴾. بَعْدَ أَنْ بَيَّنَ اللهُ سُبْحَانَهُ وتعالى أَنَّهُ خَلَقَ كُلَّ مَخْلُوقٍ في الوُجُودِ، جَاءَتْ هَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ لِتُوَجِّهَ نَظَرَ الإِنْسَانِ المُطَالَبِ بِأَنْ يَقْرَأَ بِاسْمِ رَبِّهِ الذي خَلَقَ، إلى طَوْرٍ مِنْ أَطْوَارِ خَلْقِهِ، وَهُوَ طَوْرُ العَلَقَةِ التي يَكُونُ عَلَيْهَا وَهُوَ في رَحِمِ أُمِّهِ.

وَالعَلَقُ هُوَ دَمٌ جَامِدٌ رَطْبٌ، غَلِيظٌ، مِنْ هَذَا الدَّمِ خَلَقَ اللهُ تعالى هَذَا الإِنْسَانَ وَجَعَلَ فِيهِ عَقْلَاً وَإِدْرَاكَاً.

وَهَذِهِ الآيَةُ لَا تُشِيرُ إلى خَلْقِ سَيِّدِنَا آدَمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، لِأَنَّهُ خُلِقَ مِنْ تُرَابٍ، وَهَذَا مَا أَكَّدَهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام البخاري عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ الصَّادِقُ المَصْدُوقُ، قَالَ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمَاً، ثُمَّ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللهُ مَلَكَاً فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعٍ: بِرِزْقِهِ وَأَجَلِهِ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، فَوَاللهِ إِنَّ أَحَدَكُمْ ـ أَوْ: الرَّجُلَ ـ يَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا غَيْرُ بَاعٍ أَوْ ذِرَاعٍ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ، فَيَدْخُلُهَا. وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا غَيْرُ ذِرَاعٍ أَوْ ذِرَاعَيْنِ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا». أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يَرْزُقَنَا حَقَّ الحَيَاءِ مِنْ هَذَا الإِلَهِ العَظِيمِ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 28/ ذو الحجة /1440هـ، الموافق: 29/آب / 2019م

الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  تفسير القرآن العظيم

05-11-2020 1285 مشاهدة
26ـ ﴿عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ﴾

﴿عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ﴾ إِشَارَةً إلى المُعَذَّبِينَ في نَارِ جَهَنَّمَ، حَيْثُ يُشْرِفُ عَلَى تَعْذِيبِهِمْ في سَقَرَ تِسْعَةَ عَشَرَ مِنَ المَلَائِكَةِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ... المزيد

 05-11-2020
 
 1285
30-10-2020 1290 مشاهدة
25ـ ﴿سَأُصْلِيهِ سَقَرَ﴾

بَعْدَ القَرَارِ النِّهَائِيِّ الذي تَوَصَّلَ إِلَيْهِ الوَلِيدُ بْنُ المُغِيرَةِ في حَقِّ القُرْآنِ العَظِيمِ، وَفي حَقِّ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، بَعْدَ تَفْكِيرٍ وَتَقْدِيرٍ وَتَرَيُّثٍ ... المزيد

 30-10-2020
 
 1290
30-10-2020 1029 مشاهدة
72ـ ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ﴾

إِنَّ حَالَةَ الكِبَرِ هِيَ الحَالَةُ التي يَحْتَاجَانِ فِيهَا إلى بِرِّ الوَلَدِ، وَذَلِكَ لِتَغَيُّرِ الحَالِ عَلَيْهِمَا بِالضَّعْفِ وَالكِبَرِ، لِذَا أَلْزَمَ الشَّارِعُ في هَذِهِ الحَالِةِ مِنْ مُرَاعَاةِ أَحْوَالِهِمَا أَكْثَرَ مِمَّا ... المزيد

 30-10-2020
 
 1029
22-10-2020 1150 مشاهدة
24ـ ﴿إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ﴾

التَّفْكِيرُ هُوَ العَمَلُ البَدَهِيُّ للعَقْلِ، إِذْ لَا فَائِدَةَ مِنْ وُجُودِ عَقْلٍ مِنْ غَيْرِ تَفْكِيرٍ، لِأَنَّ العَقْلَ المَشْلُولَ لَيْسَ بِعَقْلٍ، بَلْ هُوَ جِهَازٌ مُعَطَّلٌ، وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ. ... المزيد

 22-10-2020
 
 1150
15-10-2020 1804 مشاهدة
23ـ ﴿كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا﴾

لَقَدْ دَلَّتْ رِوَايَاتُ أَسْبَابِ نُزُولِ هَذِهِ الآيَاتِ عَلَى أَنَّ الوَلِيدَ بْنَ المُغِيرَةِ قَدْ أَدْرَكَ عَظَمَةَ مَا سَمِعَ مِنْ آيَاتِ القُرْآنِ المَجِيدِ، وَأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ قَوْلِ البَشَرِ، وَعَبَّرَ عَنْ دَهْشَتِهِ، وَلَكِنَّهُ ... المزيد

 15-10-2020
 
 1804
08-10-2020 1509 مشاهدة
22ـ ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا﴾ (3)

يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتعالى في كِتَابِهِ العَظِيمِ في سُورَةِ المُدَّثِّرِ: ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا﴾. هَذَا خِطَابٌ مِنَ اللهِ تعالى لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿ذَرْنِي ... المزيد

 08-10-2020
 
 1509

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3161
المكتبة الصوتية 4797
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414014482
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :