33ـ ثواب الصدقات من الأحياء للأموات

33ـ ثواب الصدقات من الأحياء للأموات

33ـ ثواب الصدقات من الأحياء للأموات

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَقُولُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ سَيِّدِي الشَّيْخُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ في كِتَابِهِ (الإِيمَانِ بِعَوَالِمِ الآخِرَةِ وَمَوَاقِفِهَا):

كَمَا أَنَّ ثَوَابَ الصَّدَقَاتِ مِنَ الأَحْيَاءِ يَصِلُ إلى الأَمْوَاتِ:

جَاءَ في الصَّحِيحَيْنِ، عَنِ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا ـ أَيْ: أُخِذَتْ بَغْتَةً ـ وَلَمْ تُوصِ، وَأَظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ، أَفَلَهَا أَجْرٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا؟

فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ».

وروى البُخَارِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنِ ابْنِهَا مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ، قَالَ: «حُجِّي عَنِ ابْنِكِ».

وَكُلُّ عَمَلٍ صَالِحٍ يُوهَبُ ثَوَابُهُ للأَمْوَاتِ يَصِلُ إِلَيْهِمْ، وَمِنْ ذَلِكَ إِهْدَاءُ ثَوَابِ القِرَاءَاتِ للأَمْوَاتِ، فَإِنَّهُ يَصِلُ إِلَيْهِمْ وَيَنْفَعُهُمْ:

جَاءَ في الحَدِيثِ عن مَعْقِلِ بنِ يَسارٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «قَلْبُ القُرْآنِ يس، لَا يَقْرَؤُهَا رَجُلٌ يُرِيدُ اللهَ وَالدَّارَ الآخِرَةَ، إِلَّا غَفَرَ اللهُ لَهُ، اقْرَؤُوهَا عَلَى مَوْتَاكُمْ».

قَالً الحَافِظُ المُنْذِرِيُّ: رواه أحمد، وأبو داود وَاللَّفْظُ لَهُ، وابن ماجه، والحاكم وَصَحَّحَهُ. اهـ.

وَبِهَذَا الحَدِيثِ يُرْشِدُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ إلى تِلَاوَةِ هَذِهِ السُّورَةِ الكَرِيمَةِ التي هِيَ قَلْبُ القُرْآنِ، لِيَنْتَفِعَ بِهَا الأَحْيَاءُ وَيَنْتَفِعَ بِهَا الأَمْوَاتُ.

وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ فَلَا تَحْبِسُوهُ، وَأَسْرِعُوا بِهِ إِلَى قَبْرِهِ، وَلْيُقْرَأْ عِنْدَ رَأْسِهِ فَاتِحَةُ البَقَرَةِ، وَعِنْدَ رِجْلَيْهِ بِخَاتِمَةِ الْبَقَرَةِ».

قَالَ في مِشْكَاةِ المَصَابِيحِ: رواه البيهقي في شُعَبِ الإِيمَانِ، وَقَالَ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا. اهـ.

وَفي الجُزْءِ الثَّانِي مِنَ المِرْقَاةِ: أَخْرَجَ أَبُو القَاسِمِ سَعْدُ بْنُ عَلِيٍّ الزنجانيُّ في فَوَائِدِهِ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ دَخَلَ الْمَقَابِرَ، ثُمَّ قَرَأَ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَ﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ﴾ وَ﴿أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ﴾. ثُمَّ قَالَ: إنِّي جَعَلْتُ ثَوَابَ مَا قَرَأْتُ مِنْ كَلَامِكَ لِأَهْلِ الْمَقَابِرِ مِنَ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ كَانُوا شُفَعَاءَ لَهُ إلَى اللهِ تَعَالَى».

وفي المِرْقَاةِ: أَخْرَجَ أَبُو مُحَمَّد السَّمَرْقَنْدِيُّ في فَضَائِلِ: ﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ﴾ عَنْ عَامِرٍ مَرْفُوعًا: «مَنْ مَرَّ عَلَى الْمَقَابِرِ وَقَرَأَ ﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ﴾ إِحْدَى عَشْرَةَ مَرَّةً، ثُمَّ وَهْبَ أَجْرَهُ لِلْأَمْوَاتِ أُعْطِيَ مِنَ الْأَجْرِ بِعَدَدِ الْأَمْوَاتِ».

وفي المِرْقَاةِ: نَقْلًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ المروزيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللهُ تعالى يَقُولُ: (إِذَا دَخَلْتُمُ المَقَابِرَ فَاقْرَؤُوا بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ وَالمُعَوِّذَتَيْنِ وَ﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ﴾ وَاجْعَلُوا ثَوَابَ ذَلِكَ لِأَهْلِ المَقَابِرِ فَإِنَّهُ يَصِلُ إِلَيْهِمْ).

وَفي أَذْكَارِ النَّوَوِيِّ قَالَ: وَيُسْتَحَبُّ للزَّائِرِ الإِكْثَارُ مِنْ قِرَاءَةِ القُرْآنِ، وَالذِّكْرِ، وَالدُّعَاءِ لِأَهْلِ تِلْكَ المَقْبَرَةِ، وَسَائِرِ المَوْتَى، وَالمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ.

وَقَالَ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ في شَرْحِ المُهَذَّبِ: يُسْتَحَبُّ لِزَائِرِ القُبُورِ أَنْ يَقْرَأَ مَا تَيَسَّرَ مِنَ القُرْآنِ، وَيَدْعُوَ لَهُمْ عَقِبَهَا، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الأَصْحَابُ.

وَقَالَ في مَوْضِعٍ آخَرَ: وَإِنْ خَتَمُوا القُرْآنَ عَلَى القَبْرِ كَانَ أَفْضَلَ. اهـ.

فَالأَمْوَاتُ يَنْتَفِعُونَ بِالقِرَاءَاتِ تُهْدَى إِلَيْهِمْ؛ كَمَا يَنْتَفِعُونَ بِالدَّعَوَاتِ لَهُمْ.

وَقَد روى الترمذي، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «يَقُولُ الرَّبُّ تَبَارَكَ وتعالى: مَنْ شَغَلَهُ الْقُرْآنُ عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ».

وروى الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنِ اسْتَغْفَرَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ كَتَبَ اللهُ لَهُ بِكُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ حَسَنَةً».

وروى الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَالٌ يَتَصَدَّقُ بِهِ، فَلْيَسْتَغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ».

وروى أبو داود عَنْ أَسِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ بَقِيَ مِنْ بِرِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا؟

قَالَ: «نَعَمْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِمَا، وَالاسْتِغْفَارُ لَهُمَا، وَإِنْفَاذُ عَهْدِهِمَا مِنْ بَعْدِهِمَا، وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لَا تُوصَلُ إِلَّا بِهِمَا، وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا».

وَقَالَ الخَلَّالُ في جَامِعِهِ: كِتَابِ القِرَاءَةِ عِنْدَ القُبُورِ: ثُمَّ أَسْنَدَ إلى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْعَلَاءِ بْنِ اللَّجْلَاجِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: إِذَا أَنَا مُتُّ، فَضَعْنِي فِي اللَّحْدِ، وَقُلْ: بِسْمِ اللهِ، وَعَلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَسُنَّ عَلَيَّ التُّرَابَ سَنًّا، وَاقْرَأْ عِنْدَ رَأْسِي بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَأَوَّلِ الْبَقَرَةِ وَخَاتِمَتِهَا، فَإِنِّي سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يَقُولُ ذَلِكَ. اهـ.

وَذَكَرَ الخَلَّالُ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كَانَتِ الأَنْصَارُ إِذَا مَاتَ لَهُمُ المَيْتُ اخْتَلَفُوا إلى قَبْرِهِ يَقْرَؤُونَ عِنْدَهُ القُرْآنَ.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 4/ شعبان /1442هـ، الموافق: 18/ آذار / 2021م

الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  الإيمان بعوالم الآخرة ومواقفها

11-01-2024 168 مشاهدة
60ـ يستقبل أمته على الحوض

سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَسْتَقْبِلُ أُمَّتَهُ عَلَى الحَوْضِ وَيَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ مِنْ بَيْنِ الأُمَمِ: ... المزيد

 11-01-2024
 
 168
29-12-2023 166 مشاهدة
59ـ ينتظر الواردين من أمته

رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمًا، فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلَاتَهُ عَلَى المَيِّتِ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى المِنْبَرِ، ... المزيد

 29-12-2023
 
 166
14-12-2023 175 مشاهدة
58ـ عالم الحوض

قَالَ اللهُ تعالى: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ﴾. في هَذِهِ السُّورَةِ الكَرِيمَةِ يَذْكُرُ اللهُ تعالى فَضْلَهُ العَظِيمَ عَلَى رَسُولِهِ الكَرِيمِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى ... المزيد

 14-12-2023
 
 175
28-09-2023 493 مشاهدة
57ـ لواء الحمد

لَقَدْ ثَبَتَ بِالأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ أَنَّ لِسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِوَاءً عَالِيًا عَلَى جَمِيعِ أَلْوِيَةِ الشَّرَفِ وَالكَرَامَةِ، وَاسِعًا كُلَّ السَّعَةِ، يَأْوِي ... المزيد

 28-09-2023
 
 493
16-09-2023 460 مشاهدة
56ـ حشر كل إنسان مع محبوبه

رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنِ السَّاعَةِ، فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ... المزيد

 16-09-2023
 
 460
25-07-2023 271 مشاهدة
55ـ طول الموقف يوم القيامة

قَالَ تعالى: ﴿سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِنَ اللهِ ذِي الْمَعَارِجِ * تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ * فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا * ... المزيد

 25-07-2023
 
 271

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 413690413
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :