208ـ ماذا جرى لهذه الأمة؟

208ـ ماذا جرى لهذه الأمة؟

كلمة شهر جمادى الآخرة 1445

208ـ ماذا جرى لهذه الأمة؟

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَاذَا جَرَى لِهَذِهِ الأُمَّةِ؟ هَلْ تَفْقِدُ ذَاكِرَتَهَا وَتَجْلِسُ مَعَ عَدُوِّهَا تَبْحَثُ عَنْ سَلَامٍ وَعُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ؟

يَذْبَحُهَا عَدُوُّهَا بِالأَمْسِ، فَتَمُدُّ لَهُ ذِرَاعَ المُصَافَحَةِ اليَوْمَ.

يَصْفَعُهَا بِالأَمْسِ، وَتُدِيرُ لَهُ خَدَّهَا الآخَرَ تَظُنُّ أَنَّهُ سَيُقَبِّلُهَا، يَكْذِبُ عَلَيْهَا أَلْفَ مَرَّةٍ وَلَا تَزَالُ تَرْجُو أَنْ يَصْدُقُ.

يَخُونُ لَهَا أَلْفَ مِيثَاقٍ، وَلَا تَزَالُ تَثِقُ بِمَوَاعِيدِهِ، يَخْدَعُهَا أَلْفَ مَرَّةٍ وَلَا تَزَالُ قَابِلَةً لِأَنْ تُخْدَعَ.

المُؤْمِنُ لَا يُلْدَغُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: أَيْنَ هَذِهِ الأُمَّةُ مِنْ هَدْيِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟  لَمَّا أُسِرَ أَبُو عَزَّةَ الجُمَحِيُّ، وَكَانَ شَاعِرًا قَدْ هَجَا المُسْلِمِينَ وَآذَاهُمْ، فَتَقَدَّمَ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَعْطَفَهُ لِيُطْلِقَ سَرَاحَهُ شَاكِيًا فَقْرَهُ، يَا مُحَمَّدُ، إِنَّمَا أُخْرِجْتُ كَرْهًا وَلِي بَنَاتٌ فَامْنُنْ عَلَيَّ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَيْنَ مَا أَعْطَيْتَنِي مِنَ الْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ؟ لَا وَاللهِ لَا تَمْسَحُ عَارِضَيْكَ بِمَكَّةَ، تَقُولُ: سَخِرْتُ بِمُحَمَّدٍ مَرَّتَيْنِ».

قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يُلْدَغُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ، يَا عَاصِمُ، بْنَ ثَابِتٍ قَدِّمْهُ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ» فَقَدَّمَهُ فَضَرَبَ عُنُقَهُ.

هَكَذَا تَكُونُ الأُمَّةُ الوَاعِيَةُ اليَقِظَةُ، لَا يَخْدَعُهَا عَدُوُّهَا مَرَّتَيْنِ، وَلَا تُلْدَغُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ.

فَمَا لَنَا اليَوْمَ؟ مَا لَنَا لَا تَعِظُنَا أَحْدَاثُ التَّارِيخِ وَتَقَلُّبَاتُ الأَيَّامِ؟

كَمْ مَرَّةً عَضَّ اليَهُودُ يَدًا امْتَدَّتْ إِلَيْهِمْ بِالسَّلَامِ؟

كَمْ مَرَّةً نَقَضَ اليَهُودُ عُهُودًا أَبْرَمُوهَا، وَمَوَاثِيقَ عَقَدُوهَا؟

أَلَمْ يَغْدِرُوا بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ طَرِيفِ مَا نَبَّهَ إِلَيْهِ القُرْآنُ العَظِيمُ، وَبِتْنَا نَرَاهُ في وَاقِعِنَا المَرِيرِ أَنَّ اليَهُودَ حِينَ يَنْقُضُونَ العُهُودَ لَا يَنْقُضُهَا جَمِيعُهُمْ في وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَإِنَّمَا يَنْقُضُهَا فَرِيقٌ دُونَ آخَرَ، فَإِنْ أَصَابَهُ سُوءٌ تَظَاهَرَ الفَرِيقُ الآخَرُ بِالمُحَافَظَةِ عَلَى العَهْدِ، وَإِنِ اسْتَقَامَ لَهُمُ الأَمْرُ تَتَابَعُوا في النَّقْضِ وَمَشَى بَعْضُهُمْ وَرَاءَ بَعْضٍ، قَالَ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ﴾.

هَكَذَا هُمُ اليَهُودُ، فَتَبًّا لِمَنْ لَمْ تَعِظْهُ الأَحْدَاثُ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ قُلُوبَ المُسْلِمِينَ وَأَنْظَارَهُمْ في مَشَارِقِ الأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا مُتُوَجِّهَةٌ هَذِهِ الأَيَّامَ صَوْبَ غَزَّةَ في فِلَسْطِينَ تِلْكَ الأَرْضُ المُبَارَكِةُ، تُرَاقِبُ أَحْدَاثَ مَعْرَكَةٍ غَيْرِ مُتَكَافِئَةٍ في العُدَّةِ وَالعَتَادِ، مَعْرَكَةٍ بَيْنَ فَرِيقَيْنِ، أَحَدُهُمَا: القَوْمُ المَغْضُوبُ عَلَيْهِمْ، المَلْعُونُونَ عَلَى لِسَانِ رُسُلِهِمْ وَأَنْبِيَائِهِمْ، قَوْمٌ تَفَنَّنَ آبَاؤُهُمْ وَأَجْدَادُهُمْ في قَتْلِ الأَنْبِيَاءِ وَالمُصْلِحِينَ، عُرِفُوا عَلَى مَرِّ التَّارِيخِ بِالإِفْسَادِ وَالتَّخْرِيبِ وَنَقْضِ العُهُودِ، وَصَفَهُمْ رَبُّهُمْ عَزَّ وَجَلَّ، وَذَكَرَ بَعْضَ افْتِرَاءَاتِهِمْ قَائِلًا في مُحْكَمِ تَنْزِيلِهِ: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾.

أَمَّا الفَرِيقُ الآخَرُ، وَيَا للعَجَبِ وَيَا للحَسْرَةِ، هُمْ رِجَالٌ خَذَلَهُمُ النَّاسُ، وَأَوَّلُ مَنْ خَذَلَهُمْ أَبْنَاءُ جِلْدَتِهِمُ الذينَ يُسَاوِمُونَ بِقَضِيَّتِهِمْ، وَمَعَ هَذَا فَقَدِ اسْتَطَاعَ هَذَا الفَرِيقُ أَنْ يَبْعَثَ الرُّعْبَ في صُفُوفِ اليَهُودِ، وَيُزَلْزِلَ أَرْكَانَهُمْ، فَأَصْبَحُوا في قَلَقٍ وَحَيْرَةٍ مِنْ أَمْرِهِمْ.

فَأَسْأَلُ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى أَنْ يُعَجِّلَ بِنَصْرِ إِخْوَانِنَا في غَزَّةَ، وَأَنْ يُعَجِّلَ بِالفَرَجِ عَنْ بَيْتِ المَقْدِسِ، وَأَنْ يَرْزُقَنَا الصَّلَاةَ فِيهِ، وَأَنْ يَقْضِيَ عَلَى اليَهُودِ وَمَنْ شَايَعَهُمْ، وَهُوَ يَوْمٌ قَادِمٌ لَا مَحَالَةَ بِإِذْنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتعالى، لِأَنَّ الصَّادِقَ المَصْدُوقَ أَخْبَرَ بِذَلِكَ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ، فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي، فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، إِلَّا الْغَرْقَدَ، فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ» رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

 

اللَّهُمَّ اسْتَعْمِلْنَا وَلَا تَسْتَبْدِلْنَا. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 1/جمادى الآخرة /1445هـ، الموافق: 14/ كانون الأول / 2023م

 2023-12-14
 447
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  كلمة الشهر

09-04-2024 96 مشاهدة
212ـ كيف تستقبل العيد أنت؟

هَا هُوَ يَوْمُ العِيدِ قَدْ جَاءَ بَعْدَ طَاعَةٍ عَظِيمَةٍ، بَعْدَ رُكْنٍ عَظِيمٍ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلَامِ، كَيْفَ لَا يَأْتِي يَوْمُ عِيدٍ بَعْدَ انْتِهَاءِ شَهْرٍ عَظِيمٍ مُبَارَكٍ أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآنُ، الذي هُوَ سِرُّ سَعَادَتِنَا؟ ... المزيد

 09-04-2024
 
 96
13-03-2024 260 مشاهدة
211ـ القرآن أنيسنا

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ شَهْرُ الخَيْرِ وَالبَرَكَةِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الـشَّرِيفِ الذي رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ... المزيد

 13-03-2024
 
 260
09-02-2024 505 مشاهدة
210ـ انظر عملك في شهر شعبان

أَخْرَجَ الإِمَامُ النَّسَائِيُّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ. قَالَ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبَ ... المزيد

 09-02-2024
 
 505
13-01-2024 310 مشاهدة
209ـ اغتنام ليل الشتاء

الدُّنْيَا دَارُ عَمَلٍ، وَفُرْصَةُ تَزَوُّدٍ لِيَوْمِ الرَّحِيلِ، قَالَ تعالى: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾.  الأَيَّامُ تَتَعَاقَبُ وَتَتَوَالَى، وَهَا نَحْنُ في الشِّتَاءِ، فَلْنَسْمَعْ وَصِيَّةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ ... المزيد

 13-01-2024
 
 310
16-11-2023 547 مشاهدة
207ـ لا تزال الأمة تبتلى

مَاذَا يَقُولُ الإِنْسَانُ المُسْلِمُ، وَمَاذَا يَفْعَلُ وَالمَجَازِرُ الدَّمَوِيَّةُ تُرْتَكَبُ عَلَى أَرْضِ فِلَسْطِينَ وَفي غَزَّةَ خَاصَّةً شَمَلَتِ الشُّيُوخَ وَالنِّسَاءَ وَالأَطْفَالَ الضُّعَفَاءَ وَالآمِنِينَ، وَالعَالَمُ كُلُّهُ ... المزيد

 16-11-2023
 
 547
16-09-2023 574 مشاهدة
205ـ كيف لا نحب الحبيب صلى الله عليه وسلم!

مَا أَجْمَلَ شَهْرَ الرَّبِيعِ الذي وُلِدَ فِيهِ الحَبِيبُ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟! حَيْثُ إِنَّ هَذَا الشَّهْرَ يُذَكِّرُنَا بِفَصْلِ الرَّبِيعِ الذي فِيهِ تَتَفَتَّحُ الأَزْهَارُ، وَتُغَرِّدُ ... المزيد

 16-09-2023
 
 574

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3161
المكتبة الصوتية 4797
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414224632
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :