2ـ أنواع المياه التي يصح التطهير بها

2ـ أنواع المياه التي يصح التطهير بها

الفقه الإسلامي

2ـ أنواع المياه التي يصح التطهير بها

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَو نَظَرْنَا في كُتُبِ الفِقْهِ الإِسْلَامِيِّ بِشَكْلٍ عَامٍّ فَإِنَّا نَجِدُ أَنَّ مَوْضُوعَاتِ الفِقْهِ مُنْحَصِرَةٌ في العِبَادَاتِ، وَفي المُعَامَلَاتِ، وَفي العُقُوبَاتِ.

وَالنَّاظِرُ في كُتُبِ الفِقْهِ يَجِدُ أَنَّ الفُقَهَاءَ يُقَدِّمُونَ العِبَادَاتِ عَلَى المُعَامَلَاتِ، وَذَلِكَ لِعِظَمِ شَأْنِ العِبَادَاتِ، مَعَ أَنَّ المُعَامَلَاتِ كَذَلِكَ هِيَ مِنَ العِبَادَاتِ، إِلَّا أَنَّهُمْ يُرَجِّحُونَ تَقْدِيمَ العِبَادَاتِ عَلَى المُعَامَلَاتِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾.

وَعِنْدَمَا يَتَحَدَّثُونَ عَنِ العِبَادَاتِ يُقَدِّمُونَ بَحْثَ الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِهَا، لِأَنَّ الصَّلَاةَ خَيْرُ مَوْضُوعٍ، وَلِأَنَّهَا عَمُودُ الدِّينِ، وَلِأَنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ عَلَيْهِ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ الصَّلَاةُ، وَلِأَنَّ الحَقَّ سُبْحَانَهُ وتعالى عِنْدَمَا يَذْكُرُ بَعْضَ العِبَادَاتِ يُقَدِّمُ ذِكْرَ الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِهَا، كَقَوْلِهِ تعالى: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾. فَالصَّلَاةُ بَعْدَ الإِيمَانِ مُبَاشَرَةً.

وَعِنْدَمَا يَتَحَدَّثُ الفُقَهَاءُ عَنِ الصَّلَاةِ في كِتَابِ العِبَادَةِ فَإِنَّهُمْ يُصَدِّرُونَ بَحْثَ الطَّهَارَةِ أَوَّلَاً، لِأَنَّ الطَّهَارَةَ مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه أبو داود والترمذي عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ».

يُقَدِّمُونَ بَحْثَ الطَّهَارَةِ عَلَى الصَّلَاةِ، لِأَنَّ الطَّهَارَةَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ، وَالشَّرْطُ مُقَدَّمٌ عَلَى المَشْرُوطِ.

وَعِنْدَمَا يَبْحَثُ الفُقَهَاءُ في بَابِ الطَّهَارَةِ يَتَكَلَّمُونَ أَوَّلَاً عَنِ المِيَاهِ وَأَنْوَاعِهَا، وَعَنْ أَوْصَافِهَا، وَيَتَكَلَّمُونَ عَنِ الأْسْآرِ، وَعَنِ الآبَارِ، وَعَنْ حُكْمِ التَّطْهِيرِ بِغَيْرِ المَاءِ مِنَ المَائِعَاتِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَنَحْنُ نَسِيرُ عَلَى مَا سَارَ عَلَيْهِ الفُقَهَاءُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، فَنَتَكَلَّمُ أَوَّلَاً عَنِ المِيَاهِ:

أَنْوَاعُ المِيَاهِ التي يَصِحُّ التَّطْهِيرُ بِهَا:

المِيَاهُ التي يَصِحُّ التَّطْهِيرُ بِهَا هِيَ كُلُّ مَاءٍ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ، أَو نَبَعَ مِنَ الأَرْضِ، وَصَدَقَ عَلَيْهِ اسْمُ مَاءٍ بِلَا قَيْدٍ، وَالْبَاقِي عَلَى وَصْفِ خِلْقَتِهِ، كَمَاءِ المَطَرِ، وَمِيَاهِ اليَنَابِيعِ، وَالأَنْهَارِ، وَالبِحَارِ، وَالآبَارِ، وَمِيَاهِ الأَوْدِيَةِ، وَمِيَاهِ الثَّلْجِ، وَمِيَاهِ البَرَدِ.

وَقَدْ أَجْمَعَ الفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ المَاءَ المُطْلَقَ طَاهِرٌ في ذَاتِهِ، وَمُطَهِّرٌ لِغَيْرِهِ.

فَالمَاءُ المُطْلَقُ هُوَ مَاءٌ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورَاً﴾.

مَعْنَى الطَّهُورِ هُوَ مَا يُتَطَهَّرُ بِهِ، وَفَسَّرَهُ قَوْلُهُ تعالى: ﴿وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ﴾.

وَوَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ التَّوَضُّئِ بِمَاءِ البَحْرِ؟ فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الحِلُّ مَيْتَتُهُ» رواه الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. وَالصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ فَهِمُوا أَنَّ الطَّهُورَ يَعْنِي مُطَهِّرَاً.

وَذَهَبَ الحَنَفِيَّةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إلى أَنَّ مَعْنَى الطَّهُورِ هُوَ الطَّاهِرُ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابَاً طَهُورَاً﴾. لِأَنَّ أَهْلَ الجَنَّةِ لَا يَحْتَاجُونَ إلى تَطْهِيرٍ مِنْ حَدَث وَلَا نَجَسٍ، فَعُلِمَ أَنَّ المُرَادَ بِالطَّهُورِ هُوَ الطَّاهِرُ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: فَالمَاءُ المُطْلَقُ الطَّاهِرُ المُطَهِّرُ أَنْوَاعُهُ مُتَعَدِّدَةٌ:

الأَوَّلُ: مَاءُ السَّمَاءِ، يَعْنِي المَطَرَ، وَالأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ تعالى: ﴿وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ﴾.

الثَّانِي: مَاءُ البَحْرِ، وَالأَصْلُ فِيهِ مَا رواه الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا نَرْكَبُ البَحْرَ، وَنَحْمِلُ مَعَنَا القَلِيلَ مِنَ المَاءِ، فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا، أَفَنَتَوَضَّأُ مِنَ الْبَحْرِ؟

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الحِلُّ مَيْتَتُهُ».

الثَّالِثُ: مَاءُ النَّهْرِ، وَهُوَ كَمَاءِ البَحْرِ.

الرَّابِعُ: مَاءُ البِئْرِ، وَالأَصْلُ فِيهِ مَا رواه أبو داود والترمذي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قِيلَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: أَنَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ، وَهِيَ بِئْرٌ يُطْرَحُ فِيهَا الحِيَضُ وَلَحْمُ الْكِلَابِ وَالنَّتْنُ؟

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «المَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ». إِلَّا إِذَا تَغَيَّرَتْ أَحَدُ أَوْصَافِهِ الثَّلَاثَةِ؛ اللَّوْنُ، أَو الطَّعْمُ، أَو الرِّيحُ.

الخَامِسُ: مَاءُ العَيْنِ، وَهُوَ مَا يَنْبُعُ مِنَ الأَرْضِ.

السَّادِسُ: مَاءُ الثَّلْجِ، وَهُوَ مَا نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَائِعَاً ثُمَّ جَمَدَ.

السَّابِعُ: مَاءُ البَرَدِ، وَهُوَ مَا نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ جَامِدَاً ثُمَّ مَاعَ عَلَى الأَرْضِ، وَيُسَمَّى حَبَّ الغَمَامِ، وَحَبَّ المُزْنِ. هذا، والله تعالى أعلم.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى طَهَارَةَ الظَّاهِرِ وَالبَاطِنِ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 20/ شوال /1440هـ، الموافق: 24/حزيران / 2019م

 2019-06-24
 13840
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  الفقه الإسلامي

26-10-2020 1133 مشاهدة
32ـ نواقض الوضوء (1)

النَّوَاقِضُ جَمْعُ نَاقِضٍ أَو نَاقِضَةٍ. يُسْتَعْمَلُ هَذَا اللَّفْظُ في الأَجْسَامِ، وَفي المَعَانِي، فَإِذَا اسْتُعْمِلَ في الأَجْسَامِ فَالمُرَادُ بِهِ: إِبْطَالُ تَأْلِيفِهَا، كَنَقْضِ الحَائِطِ. وَإِذَا اسْتُعْمِلَ في المَعَانِي كَانَ ... المزيد

 26-10-2020
 
 1133
19-10-2020 6201 مشاهدة
31ـ مكروهات الوضوء

مَكْرُوهَاتُ الوُضُوءِ عِنْدَ الحَنَفِيَّةِ نَوْعَانِ، مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا، وَهُوَ مَا كَانَ إلى الحَرَامِ أَقْرَبَ، وَتَرْكُهُ وَاجِبٌ، وَهُوَ المُرَادُ عِنْدَهُمْ حَالَةَ الإِطْلَاقِ. وَمَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا، وَهُوَ مَا كَانَ تَرْكُهُ أَوْلَى ... المزيد

 19-10-2020
 
 6201
12-10-2020 877 مشاهدة
30ـ الحكم التكليفي وأقسامه

الحُكْمَ التَّكْلِيفِيَّ يَنْقَسِمُ إلى أَنْوَاعٍ خَمْسَةٍ: الأَوَّلُ: الفَرْضُ: هُوَ مَا طَلَبَ الشَّارِعُ فِعْلَهُ مِنَ المُكَلَّفِ طَلَبًا حَتْمًا وَمُلْزِمًا، وَيَجِبُ عَلَى المُكَلَّفِ الإِتْيَانُ بِهِ، وَيُثَابُ فَاعِلُهُ، وَيُعَاقَبُ ... المزيد

 12-10-2020
 
 877
05-10-2020 673 مشاهدة
29ـ سنن الوضوء (6)

لَقَدْ تَقَدَّمَ مَعَنَا في الدُّرُوسِ المَاضِيَةِ بَعْضًا مِنْ سُنَنِ الوُضُوءِ، وَهِيَ النِّيَّةُ عِنْدَ الحَنَفِيَّةِ، ثُمَّ التَّسْمِيَةُ، ثُمَّ غَسْلُ اليَدَيْنِ إلى الرُّسْغَيْنِ، ثُمَّ المَضْمَضَةُ، ثُمَّ الاسْتِنْشاقُ، ثُمَّ الاسْتِنْثَارُ، ... المزيد

 05-10-2020
 
 673
22-09-2020 797 مشاهدة
28ـ سنن الوضوء (5)

قَدْ ذَكَرْنَا في الدُّرُوسِ المَاضِيَةِ بَعْضًا مِنْ سُنَنِ الوُضُوءِ، وَهِيَ النِّيَّةُ عِنْدَ الحَنَفِيَّةِ، ثُمَّ التَّسْمِيَةُ، ثُمَّ غَسْلُ اليَدَيْنِ إلى الرُّسْغَيْنِ، ثُمَّ المَضْمَضَةُ، ثُمَّ الاسْتِنْشاقُ، ثُمَّ الاسْتِنْثَارُ، ... المزيد

 22-09-2020
 
 797
11-06-2020 1366 مشاهدة
27ـ سنن الوضوء (4)

لَقَدْ ذَكَرْنَا في الدُّرُوسِ المَاضِيَةِ بَعْضًا مِنْ سُنَنِ الوُضُوءِ، وَهِيَ النِّيَّةُ عِنْدَ الحَنَفِيَّةِ، ثُمَّ التَّسْمِيَةُ، ثُمَّ غَسْلُ اليَدَيْنِ إلى الرُّسْغَيْنِ، ثُمَّ المَضْمَضَةُ، ثُمَّ الاسْتِنْشاقُ، ثُمَّ الاسْتِنْثَارُ، ... المزيد

 11-06-2020
 
 1366

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3165
المكتبة الصوتية 4802
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414956677
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :