46ـ رد السيئة بالسيئة أمر سهل، ولكن ...
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: نَتَعَلَّمُ مِنْ قِصَّةِ سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ، بِأَنَّهُ مَا مِنْ عَبْدٍ يُظْلَمُ مَظْلَمَةً ثُمَّ يَصْبِرُ عَلَيْهَا إِلَّا زَادَهُ اللهُ تعالى بِهَا عِزًّا، وَهَذَا مَا أَقْسَمَ عَلَيْهِ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «ثَلَاثَةٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ» ثُمَّ قَالَ: «مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ، وَلَا ظُلِمَ عَبْدٌ مَظْلِمَةً فَصَبَرَ عَلَيْهَا إِلَّا زَادَهُ اللهُ عِزًّا، وَلَا فَتَحَ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلَّا فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا» رواه الترمذي عَنْ أَبِي كَبْشَةَ الأَنَّمَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: رَدُّ السَّيِّئَةِ بِالسَّيِّئَةِ أَمْرٌ سَهْلٌ، بَلْ مِنْ أَسْهَلِ مَا يَكُونُ لِحُظُوظِ النَّفْسِ فِيهِ، وَالجَهْلُ عَلَى الجَاهِلِ أَمْرٌ يَسِيرٌ عَلَى النَّفْسِ، بَلِ النَّفْسُ تَعْشَقُ هَذَا، أَمَا كَظْمُ الغَيْظِ وَالحِلْمُ عَلَى مَنْ أَسَاءَ، وَمُقَابَلَةُ الإِسَاءَةِ بِالإِحْسَانِ فَلَا يَسْتَطِيعُهَا كُلُّ أَحَدٍ، قَالَ تعالى: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾.
﴿قَالُوا تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنَا﴾:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَؤُلَاءِ إِخْوَةُ سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يُقْسِمُونَ بِاللهِ تعالى بَعْدَ كَشْفِ السِّتْرِ لَهُمْ عَنْ حَقِيقَةِ فِعْلِهِمْ، وَعَنْ مَقَامِ سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، يُقْسِمُونَ قَسَمَيْنِ عَلَى حَقِيقَتَيْنِ:
الحَقِيقَةُ الأُولَى، أَقْسَمُوا بِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى آثَرَ سَيِّدَنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْهِمْ بِالفَضْلِ وَالإِحْسَانِ وَالتَّوْفِيقِ، فَقَدْ أَنْجَاهُ اللهُ تعالى مِنَ المَوْتِ عِنْدَمَا أَلْقَوْهُ في غَيَابَتِ الجُبِّ، كَمَا أَنْجَاهُ تَبَارَكَ وتعالى مِنَ الرِّقِّ، وَأَكْرَمَهُ بِالسُّلْطَانِ عَلَى مِصْرَ، فَكَانَ مَلِكًا عَزِيزًا، وَهُمْ دُونَهُ.
نَعَمْ لَقَدْ أَقْسَمُوا بِاللهِ تعالى، أَنَّ اللهَ تعالى آثَرَهُ بِحَمْلِ رَايَةِ بَيْتِ النُّبُوَّةِ، وَاجْتَبَاهُ مِنْ بَيْنِهِمْ.
الحَقِيقَةُ الثَّانِيَةُ، أَقْسَمُوا أَنَّهُمْ وَقَفُوا عَلَى حَقِيقَةِ أَنْفُسِهِمْ بِأَنَّهُمْ كَانُوا خَاطِئِينَ لَا مُخْطِئِينَ، لِأَنَّ المُخْطِئَ يَقَعُ في المَعْصِيَةِ دُونَ قَصْدٍ وَدُونَ عَزْمٍ، أَمَّا الخَاطِئُ فَهُوَ القَاصِدُ لِفِعْلِ المَعْصِيَةِ وَالعَازِمُ عَلَيْهَا.
فَقَدْ أَقْسَمُوا بِأَنَّهُمْ كَانُوا خَاطِئِينَ وَمُسْتَمِرِّينَ عَلَى خَطَئِهِمْ، وَهَذَا اعْتِرَافٌ خَطِيرٌ بِالذَّنْبِ، وَهُوَ أَوَّلُ خُطُوَاتِ التَّوْبَةِ الصَّادِقَةِ.
أَقْسَمُوا أَنَّهُمْ كَانُوا خَاطِئِينَ عِنْدَمَا وَاجَهُوا قَدَرَ اللهِ تعالى فِيهِ، وَأَنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لِنَعْلَمْ عِلْمَ اليَقِينِ بِأَنَّ الحَاسِدَ خَاسِرٌ، وَلَنْ يُغَيِّرَ مِنْ قَدَرِ اللهِ تعالى شَيْئًا، فَالكَسُولُ مَهْمَا حَسَدَ النَّاجِحَ فَلَنْ يَنْقُصَ مِنْ نَجَاحِهِ، وَالفَاسِدُ مَهْمَا أَسَاءَ للصَّالِحِ فَلَنْ يَزِيدَ إِلَّا فَسَادًا في نَفْسِهِ وَلَنْ يَزِيدَ الصَّالِحَ إِلَّا رِفْعَةً في شَأْنِهِ «وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ» رواه الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
حَقًّا كَرِيمٌ بْنُ كَرِيمٍ بْنِ كَرِيمٍ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: سَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ هُوَ الكَرِيمُ بْنُ الكَرِيمِ بْنِ الكَرِيمِ بِحَقٍّ، صَبَرَ وَاتَّقَى فَزَادَهُ اللهُ تعالى عِزًّا، وَحَاشَا للكَرِيمِ بْنِ الكَرِيمِ بْنِ الكَرِيمِ أَنْ يُقَابِلَ الإِسَاءَةَ بِالإِسَاءَةِ عِنْدَ المَقْدِرَةِ.
عِنْدَمَا أَقْسَمَ إِخْوَتُهُ بِاللهِ تعالى عَلَى الحَقِيقَتَيْنِ، الْتَفَتَ إلى إِخْوَتِهِ وَقَالَ لَهُمْ: ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾. رَدٌّ هَادِئٌ وَلَطِيفٌ، وَهَذَا هُوَ مَنْهَجُ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَالصَّالِحِينَ، فَلَا تَثْرِيبَ، يَعْنِي لَا لَوْمَ وَلَا تَوْبِيخَ، حَتَّى لَا يُصَابَ المُسِيءُ بِالذُّلِّ وَالهَوَانِ، وَحَتَّى لَا تَسْهُلَ عَلَيْهِ الجَرِيمَةُ مَرَّةً ثَانِيَةً.
وَهَذَا مَا أَكَّدَهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ، فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا، فَلْيَجْلِدْهَا الحَدَّ، وَلا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَلْيَجْلِدْهَا الحَدَّ، وَلَا يُثَرِّبْ، ثُمَّ إِنْ زَنَتِ الثَّالِثَةَ، فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَبِعْهَا وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعَرٍ» رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَكُونُوا عَوْنًا لِلشَّيْطَانِ عَلَى أَخِيكُمْ» رواه الإمام أحمد عَنْ أَبِي مَاجِدٍ يَعْنِي الْحَنَفِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
لَا تَوْبِيخَ بَعْدَ الإِقْرَارِ، لَا تَوْبِيخَ بَعْدَ الاعْتِذَارِ، لَا تَوْبِيخَ بَعْدَ التَّوْبَةِ، لَا تَوْبِيخَ بَعْدَ السَّمَاحِ، بَلْ دُعَاءٌ وَاسْتِغْفَارٌ، لِهَذَا قَالَ سَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾. لَقَدْ طَلَبَ لَهُمْ مِنَ اللهِ المَغْفِرَةَ عَلَى مَا حصَلَ مِنْهُمْ، وَطَلَبَ الرَّحْمَةَ لَهُمْ.
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: نَحْنُ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى هَذَا الخُلُقِ وَخَاصَّةً في أُسَرِنَا، نَحْنُ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى الصَّفْحِ الجَمِيلِ الخَالِي مِنَ المَنِّ بِهِ، وَاللَّوْمِ عَلَى مَا حَصَلَ، نَحْنُ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى الالْتِزَامِ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ﴾.
هَنِيئًا لِمَنِ الْتَزَمَ قَوْلَهُ تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾. وَقَوْلَهُ تعالى: ﴿وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾. وَالمُؤْمِنُ الحَقُّ هُوَ الذي هَدَاهُ اللهُ تعالى إلى الطَّيِّبِ مِنَ القَوْلِ، قَالَ تعالى: ﴿وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ﴾. المُؤْمِنُ الحَقُّ مَنْ يَقْتَدِي بِسَيِّدِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عِنْدَمَا فَاجَأَ مَنْ حَارَبُوهُ وَأَخْرَجُوهُ مِنْ بَلَدِهِ وَأَسَاءُوا بِكُلِّ مَا أَمْكَنَهُمْ مِنَ الإِسَاءَةِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ».
يَا رَبِّ نَسْأَلُكَ حُسْنَ الأَخْلَاقِ. آمين.
تاريخ الكلمة
** ** **
الاثنين: 18/ صفر /1442هـ، الموافق: 5/ تشرين الأول / 2020م
ارسل إلى صديق |
الحَدِيثُ عَنِ الخَلِيفَةِ التَّابِعِيِّ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ ذُو شُجُونٍ، فَأَنْتَ لَا تَكَادُ تُلِمُّ بِصُورَةٍ مِنْ صُوَرِ حَيَاتِهِ الفَذَّةِ حَتَّى تُسْلِمَكَ إِلى أُخْرَى أَكْثرَ بَهَاءً، وَأَغْنَى رَوَاءً، وَأَبْعَدَ تَأْثِيرًا. ... المزيد
مَا كَادَتْ شَمْسُ الأَصِيلِ تُلَمْلِمُ خُيُوطَهَا الذَّهَبِيَّةَ عَنْ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، وَتَأْذَنُ للنَّسَمَاتِ النَّدِيَّةِ بِأَنْ تَتَرَدَّدَ في رِحَابِهِ الطَّاهِرَةِ، حَتَّى شَرَعَ الطَّائِفُونَ بِالبَيْتِ مِنْ بَقيةِ صَحَابَةِ ... المزيد
ابْتَاعَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَرَسًا مِنْ رَجُلٍ مِنَ الأَعْرَابِ وَنَقَدَهُ ثَمَنَهُ، ثُمَّ امْتَطَى صَهْوَتَهُ وَمَضَى بِهِ. لَكِنَّهُ مَا كَادَ يَبْتَعِدُ بِالفَرَسِ طَوِيلًا حَتَّى ظَهَرَ فِيهِ ... المزيد
حَدَّثَ خَالِدُ بْنُ صَفْوَانَ قَالَ: لَقِيتُ مَسْلَمَةَ بْنَ عَبْدِ المَلِكِ في الحِيْرَةِ فَقَالَ لِي: أَخْبِرْنِي عَنْ حَسَنِ البَصْرَةِ، فَإِنَّي أَظُنُّ أَنَّكَ تَعْرِفُ مِنْ أَمْرِهِ مَا لَا يَعْرِفُ سِوَاكَ. فَقُلْتُ: أَصْلَحَ اللهُ الأَمِيرَ، ... المزيد
وُلِدَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ لِسَنَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ خِلَافَةِ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. وَرُبِّيَ في بَيْتٍ يَتَضَوَّعُ الوَرَعَ وَالتُّقَى (يَنْتَشِرُ انْتِشَارَ المِسْكِ) مِنْ كُلِّ رُكْنٍ مِنْ ... المزيد
يَرْوِي قَاضِي المُوصِلِ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى الغَسَّانِيُّ فَيَقُولُ: بَيْنَمَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَطُوفُ ذَاتَ يَوْمٍ فِي أَسْوَاقِ حِمْصَ لِيَتَفَقَّدَ البَاعَةَ وَيَتَعَرَّفَ عَلَى الأَسْعَارِ، إِذْ قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ عَلَيْهِ ... المزيد