470ـ خطبة الجمعة: أبشري يا أم اليتامى

470ـ خطبة الجمعة: أبشري يا أم اليتامى

الحمد لله رب العالمين

.

470ـ خطبة الجمعة: أبشري يا أم اليتامى

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا عباد الله، الإِنْسَانُ المُؤْمِنُ يَنْظُرُ إلى الابْتِلاءَاتِ والمِحَنِ والشَّدَائِدِ والرَّزَايَا بِعَيْنِ التَّفَاؤُلِ، لا بِعَيْنِ التَّشَاؤُمِ، يَنْظُرُ إِلَيْهَا بِعَيْنِ التَّفَاؤُلِ من خِلالِ قَوْلِ اللهِ عزَّ وجلَّ: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾.

يَنْظُرُ إِلَيْهَا بِعَيْنِ التَّفَاؤُلِ من خِلالِ قَوْلِ اللهِ عزَّ وجلَّ: ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئَاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئَاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ واللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾.

يَنْظُرُ إِلَيْهَا بِعَيْنِ التَّفَاؤُلِ من خِلالِ قَوْلِ اللهِ عزَّ وجلَّ: ﴿فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئَاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرَاً كَثِيرَاً﴾.

يَنْظُرُ إِلَيْهَا بِعَيْنِ التَّفَاؤُلِ من خِلالِ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «عَجَبَاً لِأَمْرِ الْـمُؤْمِنِ! إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرَاً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ، فَكَانَ خَيْرَاً لَهُ» رواه الإمام مسلم عَنْ صُهَيْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

أَبْشِرِي يَا أُمَّ اليَتَامَى:

يَا عِبَادَ اللهِ، من خِلال هذهِ الحَرْبِ التي لا تَعْرِفُ الإِنْسَانِيَّةَ، ولا القِيَمَ، ولا الأَخْلاقَ، ولا تَعْرِفُ الشَّفَقَةَ ولا الرَّحْمَةَ، رُمِّلَتْ كَثِيرٌ من النِّسَاءِ، وَيُتِّمَ كَثِيرٌ من الأَطْفَالِ، وَلَكِنَّ المُؤْمِنَ والمُؤْمِنَةَ مَا زَالَا يَنْظُرَانِ إلى الابْتِلاءَاتِ بِعَيْنِ التَّفَاؤُلِ، لا بِعَيْنِ التَّشَاؤُمِ.

يَا عِبَادَ اللهِ، قُولُوا لِمَنْ فَقَدَتْ زَوْجَهَا، وَتَرَمَّلَتْ، وَتَرَكَ لَهَا زَوْجُهَا أَطْفَالاً صِغَارَاً يُتِّمُوا: أَبْـشِرِي، وَتَفَاءَلِي، ولا تَتَشَاءَمِي، وَاحْذَرِي شَيَاطِينَ الإِنْسِ والجِنِّ أَنْ يَبُثُّوا في قَلْبِكِ الحُزْنَ والأَسَى من أَجْلِ هؤلاءِ اليَتَامَى.

أولاً: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمَاً فَآوَى﴾:

يَا عِبَادَ اللهِ، قُولُوا لِمَنْ صَارَتْ أُمَّاً لِيَتَامَى، أَبْـشِرِي ولا تَحْزَنِي، فهذا هُوَ الحَبِيبُ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وُلِدَ يَتِيمَاً، وَنَشَأَ يَتِيمَاً، فَكَانَ يُتْمُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَـشْرِيعَاً وَتَكْمِيلاً لِأَبْنَائِكِ اليَتَامَى، قَالَ تعالى مُذَكِّرَاً حَبِيبَهُ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِمِنَّتِهِ عَلَيْهِ: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى﴾.

ثانياً: ﴿وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ﴾:

يَا عِبَادَ اللهِ، قُولُوا لِمَنْ صَارَتْ أُمَّاً لِيَتَامَى، أَبْـشِرِي ولا تَحْزَنِي، وَتَذَكَّرِي قَوْلَ اللهِ تعالى في قِصَّةِ سَيِّدِنَا مُوسَى مَعَ الخَضِرِ عَلَيْهِمَا السَّلامُ: ﴿وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْـمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحَاً﴾.

أَبْشِرِي يَا أَمَةَ اللهِ، ولا تَخَافِي، ولا تَحْزَنِي، مَا دُمْتِ تَقِيَّةً صَالِحَةً رَاضِيَةً عَن اللهِ عزَّ وجلَّ ﴿وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحَاً﴾. فَلَقَد هَيَّأَ اللهُ تعالى لليَتِيمَيْنِ رَسُولاً من أُوْلِي العَزْمِ من الرُّسُلِ، وَرَجُلاً صَالِحَاً قَالَ اللهُ تعالى فِيهِ: ﴿عَبْدَاً مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمَاً﴾. أَبْـشِرِي فَلَنْ يَتَخَلَّى اللهُ تعالى عَن اليَتَامَى، وَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ بالرَّحْمَةِ من حَيْثُ لا تَحْتَسِبِينَ.

ثالثاً: «أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا»:

يَا عِبَادَ اللهِ، قُولُوا لِمَنْ صَارَتْ أُمَّاً لِيَتَامَى، أَبْـشِرِي ولا تَحْزَنِي، وَتَذَكَّرِي قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْـجَنَّةِ هَكَذَا ـ وَقَالَ بِإِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى ـ» رواه الإمام البخاري عَن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

وَتَذَكَّرِي يَا أَمَةَ اللهِ، قَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ مَسَحَ رَأْسَ يَتِيمٍ لَمْ يَمْسَحْهُ إِلَّا للهِ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ مَرَّتْ عَلَيْهَا يَدُهُ حَسَنَاتٌ، وَمَنْ أَحْسَنَ إِلَى يَتِيمَةٍ أَوْ يَتِيمٍ عِنْدَهُ كُنْتُ أَنَا وَهُوَ فِي الْـجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ ـ وَفَرَّقَ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى ـ» رواه الإمام أحمد عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

يَا أَمَةَ اللهِ، أَيُّ شَرَفٍ وَأَيُّ فَضْلٍ أَعْظَمُ من هذا؟ أَمَا يُرْضِيكِ مُرَافَقَةُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في الجَنَّةِ؟ فَاحْذَرِي التَّشَاؤُمَ عِنْدَمَا أَصْبَحْتِ أُمَّاً لِيَتَامَى.

رابعاً: أَنَا امْرَأَةٌ قَعَدْتُ على أَيْتَامٍ لِي:

يَا عِبَادَ اللهِ، قُولُوا لِمَنْ صَارَتْ أُمَّاً لِيَتَامَى، أَبْـشِرِي ولا تَحْزَنِي، وَانْظُرِي بِعَيْنِ التَّفَاؤُلِ، لا بِعَيْنِ التَّشَاؤُمِ، عِنْدَمَا أَصْبَحْتِ أَرْمَلَةً وأُمَّاً لِيَتَامَى، وَاسْمَعِي إلى هذا الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه أَبُو يَعْلَى وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ إِنْ شَاءَ اللهُ، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا أَوَّلُ مَن يَفْتَحُ بَابَ الجَنَّةِ، إِلَّا أَنِّي أَرَى امْرَأَةً تُبَادِرُنِي، فَأَقُولُ لَهَا: مَا لَكِ، وَمَنْ أَنْتِ؟

فَتَقُولُ: أَنَا امْرَأَةٌ قَعَدْتُ على أَيْتَامٍ لِي». أَمَا يُرْضِيكِ هذا يَا أَمَةَ اللهِ؟ أَمَا يُرْضِيكِ أَنْ تَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ مُسْرِعَةً لِتَدْخُلِي الجَنَّةَ بِمَعِيَّةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يا عباد الله، اِزْرَعُوا الأَمَلَ والتَّفَاؤُلَ من خِلالِ المَصَائِبِ التي تُصَبُّ على الأُمَّةِ، وَذَكِّروا الأُمَّةَ بِأَنْ تَنْظُرَ بِعَيْنِ التَّفَاؤُلِ، لا بِعَيْنِ التَّشَاؤُمِ، إذَا وَقَعَتِ المُصِيبَةُ، لِأَنَّ اللهَ تعالى يَخْتَبِرُ عِبَادَهُ بالمِنَحِ لِيَرَى شُكْرَهُمْ، وَيَخْتَبِرُ عِبَادَهُ بالمِحَنِ لِيَرَى صَبْرَهُم،  فَطُوبَى لِمَنْ شَكَرَ في الرَّخَاءِ، وَصَبَرَ في البَلاءِ، وَهُوَ في الحَالَتَيْنِ يَكُونُ مُتَفَائِلاً.

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا كَذَلِكَ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**      **      **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 14/ ربيع الأول /1437هـ، الموافق: 25/كانون الأول / 2015م

 2015-12-25
 2370
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

30-05-2024 348 مشاهدة
916ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (3)

مُهِمَّتُنَا في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا العِبَادَةُ، وَمِن العِبَادَةِ، بَلْ مِن أَجَلِّ العِبَادَاتِ وَأَقْدَسِهَا الإِصْلَاحُ، وَالإِصْلَاحُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِعَرْضِ أَقْوَالِنَا وَأَفْعَالِنَا وَنِيَّاتِنَا على كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ ... المزيد

 30-05-2024
 
 348
23-05-2024 654 مشاهدة
915ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (2)

المُؤْمِنُ الحَقُّ هُوَ الذي يَسْعَى لِصَلَاحِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ، وَهَذَا مَا عَلَّمَنَا إِيَاهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في دُعَائِهِ: «اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي ... المزيد

 23-05-2024
 
 654
17-05-2024 944 مشاهدة
914ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (1)

إِنَّ مُهِمَّةَ العَبْدِ المُؤْمِنِ العِبَادَةُ، وَمِنْ هَذِهِ العِبَادَةِ الإِصْلَاحُ، قَالَ تعالى حِكَايَةً عَلَى لِسَانِ سَيِّدِنَا شُعَيْبٍ عَلَيْه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي ... المزيد

 17-05-2024
 
 944
10-05-2024 729 مشاهدة
913ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (4)

فَرِيضَةُ الحَجِّ ثَابِتَةٌ بِنَصِّ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَبِالإِجْمَاعِ، وَيَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾. ... المزيد

 10-05-2024
 
 729
02-05-2024 893 مشاهدة
912ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (3)

الحَجُّ شَعِيرَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ شَعَائِرِ دِينِنَا العَظِيمِ، فَرَضَهُ اللهُ تعالى عَلَى عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ مَرَّةً في العُمُرِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ عِنْدَمَا سُئِلَ عَنِ الإِسْلَامِ ـ: ... المزيد

 02-05-2024
 
 893
26-04-2024 843 مشاهدة
911ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (2)

لَقَدْ أَكْمَلَ اللهُ تعالى وَأَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْنَا بِهَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ، وَعَظُمَتْ نِعْمَةُ اللهِ تعالى عَلَيْنَا إِذْ فَرَضَ عَلَيْنَا الحَجَّ في العُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً، للمُسْتَطِيعِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَمِنَ ... المزيد

 26-04-2024
 
 843

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3167
المكتبة الصوتية 4802
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 415367713
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :