561ـ خطبة عيد الأضحى المبارك 1438هـ: أيها الفرح بالعيد

561ـ خطبة عيد الأضحى المبارك 1438هـ: أيها الفرح بالعيد

 

561ـ خطبة عيد الأضحى المبارك 1438هـ: أيها الفرح بالعيد

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا عِبَادَ اللهِ: العِيدُ الحَقِيقِيُّ لَيْسَ عِيدَاً فَرْدِيَّاً، يَفْرَحُ بِهِ فَرْدٌ دُونَ فَرْدٍ، بَلْ هُوَ عِيدُ الأُمَّةِ، بَلْ هُوَ فَرَحُ الأُمَّةِ بِأَكْمَلِهَا، العِيدُ فَرَحٌ للجَمِيعِ، يَبْدَأُ بِأَحَقِّ النَّاسِ وَهُمَا الوَالِدَانِ، ثُمَّ بِالرَّحِمِ، ثُمَّ بِالأَصْحَابِ وَالأَصْدِقَاءِ، ثُمَّ بِالأُمَّةِ كُلِّهَا.

وَمِمَّا يُؤَكِّدُ هَذَا صَدَقَةُ الفِطْرِ في عِيدِ الفِطْرِ، وَالأُضْحِيَةُ في عِيدِ الأَضْحَى، وَمِنْ هَذَا المُنْطَلَقِ أَدْرَكَ الفُطَنَاءُ وَالعُقَلَاءُ أَنَّ سَدَّ حَاجَاتِ النَّاسِ، وَدَفْعَ الفَاقَاتِ عَنْهُمْ قَرِينُ كُلِّ مُنَاسَبَةٍ، فَالعِيدُ الحَقِيقِيُّ فَرْحَةٌ وَرَحْمَةٌ وَمَوَدَّةٌ وَتَوَاصُلٌ.

العِيدُ الحَقِيقِيُّ يَأْتِي مُتَوِّجَاً لِشَعَائِرَ عَظِيمَةٍ جَلِيلَةٍ، العِيدُ الحَقِيقِيُّ يَأْتِي بَعْدَ طَاعَةِ الصِّيَامِ، وَيَأْتِي بَعْدَ أَدَاءِ الرُّكْنِ العَظِيمِ رُكْنِ الحَجِّ، يَأْتِي بَعْدَ طَاعَاتٍ تُغَذِّي الرُّوحَ وَالجَسَدَ، العِيدُ فَرَحٌ بِفَضْلِ اللهِ تعالى، وَتَوْفِيقٌ لِفِعْلِ الطَّاعَاتِ ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾.

أَيُّهَا الفَرِحُ بِالعِيدِ:

يَا عِبَادَ اللهِ: وَنَحْنُ نَفْرَحُ بِالعِيدِ، وَنَسْتَعِدُّ لَهُ مِنْ لِبَاسٍ وَطَعَامٍ وَشَرَابٍ وَضِيَافَةٍ لِنُضِفْ إلى ذَلِكَ اسْتِعْدَادَاً لِأَعْمَالٍ نُشْكَرُ عَلَيْهَا عِنْدَ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ، وَتَزِيدُ صَحَائِفَنَا يَوْمَ القِيَامَة نُورَاً وَحَسَنَاتٍ.

لِنُضِفْ لاسْتِعْدَادِنَا للعِيدِ اسْتِعْدَادَ تَفرِيجِ كُرْبَةٍ عَنْ مَكْرُوبٍ، وَتَنْفِيسِ هَمٍّ عَنْ مَهْمُومٍ، وَإِدْخَالِ الـسُّرُورِ إلى قُلُوبٍ امْتَلَأَتْ هَمَّاً وَغَمَّاً وَحُزْنَاً وَكَرْبَاً، بِشَيْءٍ مِنَ المَالِ، وَإِنْ لَمْ نَجِدْ فَلَا أَقَلَّ مِنْ كَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ، وَابْتِسَامَةٍ حَانِيَةٍ، وَدَعْوَةٍ صَادِقَةٍ.

تَذَكَّرُوا يَا عِبَادَ اللهِ، وَأَنْتُمْ تُقْبِلُونَ عَلَى آبَائِكُمْ وَأُمَّهَاتِكُمْ، وَتَأْنَسُونَ بِأَزْوَاجِكُمْ، وَأَبْنَائِكُمْ، وَإِخْوَانِكُمْ، وَأَصْدِقَائِكُمْ، وَتَجْتَمِعُونَ عَلَى مَوَائِدِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، تَذَكَّرُوا اليَتَامَى الذينَ لَا يَجِدُونَ حَنَانَ الآبَاءِ وَالأُمَّهَاتِ، تَذَكَّرُوا الأَيَامَى الذينَ لَا يَجِدُونَ ابْتِسَامَةَ الأَزْوَاجِ، تَذَكَّرُوا الآبَاءَ وَالأُمَّهَاتِ الذينَ فَقَدُوا أَبْنَاءَهُمْ، تَذَكَّرُوا الكَوَارِثَ التي حَلَّتْ بِالأُمَّةِ مِنْ إِجْرامِ المُجْرِمِينَ، وَعَبَثِ العَابِثِينَ، وَطُغْيَانِ الطَّاغِينَ، وَظُلْمِ الظَّالِمِينَ، تَذَكَّرُوا هَؤُلَاءِ وَوَاسُوهُمْ، تَذَكَّرُوا مَنْ فَقَدَ طَعْمَ الرَّاحَةِ وَالاسْتِقْرَارِ، وَاكْتَوَى بِالنَّارِ.

سَدُّ حَوَائِجِهِمْ يَعْنِي سَدَّ حَوَائِجِكِمْ:

يَا عِبَادَ اللهِ: اسْتَحْضِرُوا أَنَّكُمْ عِنْدَمَا تَسُدُّونَ حَوَائِجَ المُحْتَاجِينَ أَنَّكُمْ تَسُدُّونَ حَوَائِجَكُمْ، وَاسْـتَحْضِرُوا قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ﴾. وَقَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرَاً وَأَعْظَمَ أَجْرَاً وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾. وَقَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرَاً﴾. وَقَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴾. وَقَوْلَهُ تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحَاً فَلِنَفْسِهِ﴾.

تَذَكَّرُوا يَا عِبَادَ اللهِ، وَأَنْتُمْ تَمْسَحُونَ دُمُوعَ اليَتَامَى وَالأَيَامَى قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَـسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمَاً، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: العِيدُ الحَقِيقِيُّ مَظْهَرٌ مِنْ مَظَاهِرِ الدِّينِ، وَشَعِيرَةٌ مِنْ شَعَائِرِهِ المُعَظَّمَةِ التي تَنْطَوِي عَلَى حِكَمٍ عَظِيمَةٍ، وَمَعَانٍ جَلِيلَةٍ، وَأَسْرَارٍ بَدِيعَةٍ لَا يَعْرِفُهَا وَاللهِ لَا شَرْقٌ وَلَا غَرْبٌ.

فَأَعْطُوا الصُّورَةَ الحَسَنَةَ عَنْ إِسْلَامِكُمْ في أَيَّامِ عِيدِكُمْ، فَأَيَّامُ العِيدِ أَيَّامُ شُكْرٍ للهِ تعالى عَلَى نِعَمِهِ، وَخَاصَّةً نِعْمَةَ الإِسْلَامِ وَالإِيمَانِ وَالطَّاعَاتِ.

اللَّهُمَّ اجْعَلْ هَذَا العِيدَ عِيدَ خَيْرٍ وَبَرَكَةٍ عَلَى أُمَّةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، في مَشَارِقِ الأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا عَامَّةً، وَفي بِلَادِنَا بِلَادِ الشَّامِ خَاصَّةً يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**     **     **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 10/ ذو الحجة/1438هـ، الموافق: 1/ أيلول / 2017م

 2017-08-31
 2578
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

30-05-2024 323 مشاهدة
916ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (3)

مُهِمَّتُنَا في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا العِبَادَةُ، وَمِن العِبَادَةِ، بَلْ مِن أَجَلِّ العِبَادَاتِ وَأَقْدَسِهَا الإِصْلَاحُ، وَالإِصْلَاحُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِعَرْضِ أَقْوَالِنَا وَأَفْعَالِنَا وَنِيَّاتِنَا على كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ ... المزيد

 30-05-2024
 
 323
23-05-2024 621 مشاهدة
915ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (2)

المُؤْمِنُ الحَقُّ هُوَ الذي يَسْعَى لِصَلَاحِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ، وَهَذَا مَا عَلَّمَنَا إِيَاهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في دُعَائِهِ: «اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي ... المزيد

 23-05-2024
 
 621
17-05-2024 922 مشاهدة
914ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (1)

إِنَّ مُهِمَّةَ العَبْدِ المُؤْمِنِ العِبَادَةُ، وَمِنْ هَذِهِ العِبَادَةِ الإِصْلَاحُ، قَالَ تعالى حِكَايَةً عَلَى لِسَانِ سَيِّدِنَا شُعَيْبٍ عَلَيْه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي ... المزيد

 17-05-2024
 
 922
10-05-2024 715 مشاهدة
913ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (4)

فَرِيضَةُ الحَجِّ ثَابِتَةٌ بِنَصِّ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَبِالإِجْمَاعِ، وَيَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾. ... المزيد

 10-05-2024
 
 715
02-05-2024 875 مشاهدة
912ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (3)

الحَجُّ شَعِيرَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ شَعَائِرِ دِينِنَا العَظِيمِ، فَرَضَهُ اللهُ تعالى عَلَى عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ مَرَّةً في العُمُرِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ عِنْدَمَا سُئِلَ عَنِ الإِسْلَامِ ـ: ... المزيد

 02-05-2024
 
 875
26-04-2024 820 مشاهدة
911ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (2)

لَقَدْ أَكْمَلَ اللهُ تعالى وَأَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْنَا بِهَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ، وَعَظُمَتْ نِعْمَةُ اللهِ تعالى عَلَيْنَا إِذْ فَرَضَ عَلَيْنَا الحَجَّ في العُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً، للمُسْتَطِيعِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَمِنَ ... المزيد

 26-04-2024
 
 820

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3167
المكتبة الصوتية 4802
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 415336639
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :