2-دروس رمضانية 1437هـ :ارتباط وثيق بين شهر رمضان وتلاوة القرآن العظيم

2-دروس رمضانية 1437هـ :ارتباط وثيق بين شهر رمضان وتلاوة القرآن العظيم

.

دروس رمضانية 1437هـ

2ـ ارتباط وثيق بين شهر رمضان وتلاوة القرآن العظيم

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ إِطْلَالَةَ شَهْرِ رَمَضَانَ المُبَارَكِ تُعْتَبَرُ فُرْصَةً عَظِيمَةً للإِنْسَانِ المُؤْمِنِ، وَمِنْحَةً عُظْمَى لِمَنْ آمَنَ بِاللهِ تعالى وَاليَوْمِ الآخِرِ، وَذَلِكَ مِنْ أَجْلِ تَطْهِيرِ نَفْسِهِ وَتَزْكِيَتِهَا، وَتَصْفِيَةِ قَلْبِهِ وَتَنْقِيَتِهِ، حَتَّى يَسْتَعِدَّ القَلْبُ لِتَلَقِّي هِدَايَاتِ القُرْآنِ العَظِيمِ.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: القُرْآنُ العَظِيمُ عِنْدَ الإِنْسانِ المُؤْمِنِ بِمَثَابَةِ الرُّوحِ للجَسَدِ، وَالنُّورِ للهِدَايَةِ، فَمَنْ لَمْ يَقْرَأِ القُرْآنَ العَظِيمِ فَهُوَ لَيْسَ بِحَيٍّ، وَإِنْ تَكَلَّمَ بِاسْمِ الإِسْلَامِ، وَتَكَلَّمَ بِالحَدِيثِ الشَّرِيفِ، وَتَكَلَّمَ بِالطَّاعَاتِ، فَهُوَ مَيِّتُ الأحْيَاءِ.

وَمَنْ لَمْ يَعْمَلِ بِالقُرْآنِ العَظِيمِ فَهُوَ ضَالٌّ وَمُضِلٌّ، وَإِنْ طَارَ في الهَوَاءِ، أَو مَشَى على المَاءِ، قَالَ تعالى: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتَاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورَاً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا﴾؟

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: الإِنْسَانُ بِلَا قُرْآنٍ لَا قِيمَةَ لَهُ، وَهُوَ كَحَيَاةٍ بِلَا مَاءٍ، وَحَيَاةٍ بِلَا هَوَاءٍ، وَهُوَ المُفْلِسُ في حِسِّهِ وَفي نَفْسِهِ، لِأَنَّ القُرْآنَ هُوَ الدَّوَاءُ وَالشِّفَاءُ لِهَذَا الإِنْسَانِ، قَالَ تعالى: ﴿قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدَىً وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمَىً أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾.

عِلَلُ الأُمَمِ قَدْ تَسَلَّلَتْ إِلَيْنَا:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لَقَدْ أَصْبَحَتْ صِلَةُ كَثِيرٍ مِنَ المُسْلِمِينَ اليَوْمَ بِكِتَابِ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ يَكْتَنِفُهَا شَيْءٌ مِنَ الهِجْرَانِ، إِمَّا في التِّلَاوَةِ، أَو في التَّدَبُّرِ، أَو في العَمَلِ، وَكَأَنَّ عِلَلَ الأُمَمِ قَدْ تَسَلَّلَتْ إِلَيْهِمْ لِوَاذَاً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ، قَالَ تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ﴾. يَعْنِي: لَا يَعْلَمُونَ الكِتَابَ إلا تِلَاوَةً وَتَرْتِيلَاً، بِحَيْثُ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ وَحَنَاجِرَهُمْ، وَذَلِكَ لِغَفْلَةِ القَلْبِ، وَشُرُودِ الرُّوحِ، بَلْ إِنَّ بَعْضَ القُلُوبِ عَلَيْهَا أَقْفَالُهَا ـ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى ـ.

روى الإمام أحمد عَنْ زِيَادِ بْنِ لَبِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ شَيْئَاً قَالَ: «وَذَاكَ عِنْدَ أَوَانِ ذَهَابِ الْعِلْمِ».

قَالَ: قُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ، يَذْهَبُ الْعِلْمُ وَنَحْنُ نَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَنُقْرِئُهُ أَبْنَاءَنَا، وَيُقْرِئُهُ أَبْنَاؤُنَا أَبْنَاءَهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ؟

قَالَ: «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا ابْنَ أُمِّ لَبِيدٍ، إِنْ كُنْتُ لَأَرَاكَ مِنْ أَفْقَهِ رَجُلٍ بِالْـمَدِينَةِ، أَوَلَيْسَ هَذِهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى يَقْرَؤُونَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ، فَلَا يَنْتَفِعُونَ مِمَّا فِيهِمَا بِشَيْءٍ».

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: شَيْءٌ مُدْهِشٌ عِنْدَمَا نَرَى المُسْلِمِينَ اليَوْمَ مَعَ وُجُودِ كِتَابِ رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَحَاطَ بِهِمُ الظَّلَامُ، وَادْلَهَمَّتْ عَلَيْهِمُ الخُطُوبُ مِنْ كُلِّ حَدْبٍ وَصَوْبٍ، وَهُمْ يَتَخَبَّطُونَ خَبْطَ عَشْوَاءٍ.

شَيْءٌ مُدْهِشٌ وَعَجِيبٌ عِنْدَمَا نَرَى هَذِهِ الأُمَّةَ التي قَالَ اللهُ تعالى في حَقِّ سَلَفِهَا الصَّالِحِ: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾. وَذَلِكَ بِسَبَبِ وَبِبَرَكَةِ القُرْآنِ العَظِيمِ، أَنْ تَتْرُكَ النُّورَ الذي أُنزِلَ على نَبِيِّهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَتَلْحَقَ بِرِكَابِ الشَّرْقِ وَالغَرْبِ الذي يَتَقَلَّبُ في ظُلُمَاتٍ.

ارْتِبَاطٌ وَثِيقٌ بَيْنَ شَهْرِ رَمَضَانَ وَتِلَاوَةِ القُرْآنِ:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: هُنَاكَ ارْتِبَاطٌ وَثِيقٌ بَيْنَ شَهْرِ رَمَضَانَ المُبَارَكِ وَالقُرْآنِ العَظِيمِ، قَالَ تعالى في آيَةِ الصِّيَامِ: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدَىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾.

وَسَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَبَطَ بَيْنَ شَهْرِ الصِّيَامِ وَتِلَاوَةِ القُرْآنِ العَظِيمِ، فَقَالَ: «الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: رَبِّ إِنِّي مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَيُشَفَّعَانِ» رواه الحاكم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لَقَدْ كَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ فَرَغُّوا أَنْفُسَهُمْ لِتِلَاوَةِ القُرْآنِ العَظِيمِ، حَتَّى كَانَ الزُّهْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ قَالَ: إِنَّمَا هُوَ تِلَاوَةُ القُرْآنِ، وَإِطْعَامُ الطَّعَامِ.

وَكَانَ الإِمَامُ مَالِكٌ صَاحِبُ المَذْهَبِ، وَإِمَامُ دَارِ الهِجْرَةِ، إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فَرَّغَ جُلَّ وَقْتِهِ لِقِرَاءَةِ القُرْآنِ العَظِيمِ، وَتَرَكَ قِرَاءَةَ الحَدِيثِ النَّبَوِيِّ الشَّرِيفِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لِنَجْعَلْ لِأَنْفُسِنَا في شَهْرِ رَمَضَانَ وَقْتَاً لِقِرَاءَةِ القُرْآنِ العَظِيمِ، وَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ نَقْرَأَ في كُلِّ يَوْمٍ جُزْءَاً مِنَ القُرْآنِ، لِأَنَّ الأُمَّةَ إِذَا هَجَرَتْ كِتَابَ رَبِّهَا عَزَّ وَجَلَّ أَذَلَّهَا اللهُ تعالى لِمَنْ كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةَ وَالذُّلَّ وَالمَسْكَنَةَ.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لَا عِزَّةَ وَلَا كَرَامَةَ وَلَا سِيَادَةَ لِهَذِهِ الأُمَّةِ إلا إِذَا عَادَتْ إلى كِتَابِ رَبِّهَا عَزَّ وَجَلَّ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدَىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكَاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرَاً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى﴾.

الأُمَّةُ اليَوْمَ تَعِيشُ عِيشَةَ الضَّنْكِ وَالشَّقَاءِ في كُلِّ مَجَالَاتِ الحَيَاةِ، وَمَا ذَاكَ إلا لِأَنَّهَا أَعْرَضَتْ عَنْ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يَرُدَّنَا إلى كِتَابِهِ رَدَّاً جَمِيلَاً. آمين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الإثنين: 1 / رمضان /1437هـ، الموافق:6 / حزيران/ 2016م

 

 2016-06-06
 1070
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  دروس رمضانية

14-03-2024 331 مشاهدة
1-مواساة لأصحاب الأعذار في رمضان

يَا مَنْ أَقْعَدَكُمُ المَرَضُ عَنِ الصِّيَامِ وَالقِيَامِ، وَقُلُوبُكُمْ تَتَلَهَّفُ للصِّيَامِ وَالقِيَامِ، أَبْشِرُوا وَلَا تَحْزَنُوا، فَأَنْتُمْ في نِعْمَةٍ عَظِيمَةٍ وَرَبِّ الكَعْبَةِ، مَا دَامَتْ قُلُوبُكُمْ تَتَطَلَّعُ للصِّيَامِ ... المزيد

 14-03-2024
 
 331
26-05-2022 696 مشاهدة
28ـ غزوة بدر وحسرة المشركين

فِي خِتَامِ هَذَا الشَّهْرِ العَظِيمِ المُبَارَكِ، وَنَحْنُ نَتَحَدَّثُ عَنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى العَظِيمَةِ المُبَارَكَةِ، التي جَسَّدَتْ لَنَا بِوُضُوحٍ تَامٍّ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * ... المزيد

 26-05-2022
 
 696
26-05-2022 519 مشاهدة
27ـ غزوة بدر درس عملي لكل ظالم ومظلوم

غَزْوَةُ بَدْرٍ الكُبْرَى فِيهَا دَرْسٌ عَمَلِيٌّ لِكُلِّ ظَالِمٍ، وَلِكُلِّ مَظْلُومٍ، وَكَأَنَّ لِسَانَ حَالِ الغَزْوَةِ يَقُولُ لِكُلِّ مَظْلُومٍ: اصْبِرْ وَصَابِرْ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَحِيدَ عَنْ جَادَّةِ الصَّوَابِ، فَالعَاقِبَةُ لَكَ، ... المزيد

 26-05-2022
 
 519
29-04-2022 388 مشاهدة
26ـ غزوة بدر وتواضع القائد

مِنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى نَتَعَلَّمُ خُلُقَ التَّوَاضُعِ مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَكَيْفَ كَانَ يَتَعَامَلُ مَعَ أَصْحَابِهِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ. ... المزيد

 29-04-2022
 
 388
29-04-2022 825 مشاهدة
25ـ هنيئًا لكم أيها الصائمون القائمون

يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾. وَيَقُولُ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ... المزيد

 29-04-2022
 
 825
29-04-2022 950 مشاهدة
24ـ أقوام عاشوا عيش السعداء

الزَّمَنُ يَمضِي ولا يَعُودُ، ولَيسَ هُناكَ شَيءٌ أسرَعُ من الزَّمَنِ، فهوَ لا يَتَوَقَّفُ، تَمُرُّ اللَّيالِي والأيَّامُ والشُّهُورُ والسَّنَوَاتُ على الإنسَانِ ويَنتَهِي وُجُودُهُ فِيها كَأَنَّهُ لم يَلبَثْ فِيها إلا سَاعَةً من الزَّمَنِ. ... المزيد

 29-04-2022
 
 950

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3160
المكتبة الصوتية 4796
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 413783229
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :