621ـ خطبة الجمعة: الرشوة سبب للشقاء والعناء

621ـ خطبة الجمعة: الرشوة سبب للشقاء والعناء

 

621ـ خطبة الجمعة: الرشوة سبب للشقاء والعناء

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا عِبَادَ اللهِ: الغَفْلَةُ عَنِ اللهِ تعالى وَعَنْ يَوْمِ الحِسَابِ تُوقِعُ العَبْدَ في المَعَاصِي وَالمُوبِقَاتِ، وَتُـقَسِّي القَلْبَ، وَتُمِيتُهُ، وَتَجْعَلُ العَبْدَ يَعِيشُ في ظُلُمَاتٍ، وَتَغْرِسُ في النَّفْسِ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ.

أَهْلُ الغَفْلَةِ عَنِ اللهِ تعالى يَتَصَرَّفُونَ بِغَيْرِ هُدَىً، وَيَتَقَلَّبُونَ في الأَرْضِ بِدَافِعِ الهَوَى، يَمْكُرُونَ بِالخَلْقِ مَكْرَاً كُبَّارَاً، وَلَا يَرْجُونَ للهِ تعالى وَقَارَاً، لِذَلِكَ كَانُوا قَوْمَاً بُورَاً.

يَا عِبَادَ اللهِ: الغَفْلَةُ عَنِ اللهِ تعالى مُهْلِكَةٌ للإِنْسَانِ، فَكَمْ مِنْ غَافِلٍ عَنِ اللهِ تعالى وَعَنْ يَوْمِ الحِسَابِ لَمْ يَسْتَفِقْ إِلَّا وَهُوَ صَرِيعٌ بَيْنَ المَوْتَى.

الغَافِلُ عَنِ اللهِ تعالى وَعَنْ يَوْمِ الحِسَابِ سَيَنْتَهِي إلى نِهَايَةٍ مُخِيفَةٍ، وَسَوْفَ يَقُولُ: ﴿يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعَاً فَاسْلُكُوهُ﴾.

الرِّشْوَةُ سَبَبٌ للشَّقَاءِ وَالعَنَاءِ:

يَا عِبَادَ اللهِ: بَعْدَ هَذِهِ المُقَدِّمَةِ، وَمِنْ خِلَالِ قَوْلِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ». وَقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَو آيَةً». وَمِنْ خِلَالِ قَوْلِهِ تعالى: ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ﴾. وَقَوْلِهِ تعالى: ﴿فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ﴾. أَتَوَجَّهُ إلى كُلِّ رَاشٍ وَمُرْتَشٍ وَرَائِشٍ، أَتَوَجَّهُ إلى كُلِّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ الحَقَّ بَاطِلَاً، وَالبَاطِلَ حَقَّاً، وَالمَظْلُومَ ظَالِمَاً، وَالظَّالِمَ مَظْلُومَاً، مِنْ خِلَالِ الرِّشْوَةِ، لِأَقُولَ لَهُمْ وَأَنَا وَاللهِ لَهُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ، وَشَفُوقٌ وَغَيُورٌ، وَمُحِبٌّ وَاللهِ الذي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ.

اسْمَعُوا يَا أَيُّهَا الرَّاشُونَ وَالمُرْتَشُونَ وَالرَّائِشُونَ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقَاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾.

لَقَدِ ارْتَكَبْتُمْ جَرِيمَةً عَظِيمَةً بِالرِّشْوَةِ أَخْذَاً وَإِعْطَاءً وَتَوَسُّطَاً، حَتَّى جَعَلْتُمُ البَاطِلَ حَقَّاً، وَالظَّالِمَ مَظْلُومَاً.

وَهَلْ تَعْلَمُونَ بِأَنَّ الرِّشْوَةَ هِيَ شَأْنُ اليَهُودِ الذينَ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالمَسْكَنَةُ وَبَاؤُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ تعالى، وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المَصِيرُ؟ هَلْ تَعْلَمُونَ وَصْفَهُمْ في كِتَابِ اللهِ تعالى؟ لَقَدْ قَالَ اللهُ تعالى عَنْهُمْ: ﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾. وَقَالَ عَنْهُمْ: ﴿وَتَرَى كَثِيرَاً مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.

الرِّشْوَةُ دَاءٌ وَبِيلٌ وَمَرَضٌ خَطِيرٌ:

يَا أَيُّهَا الرَّاشِي وَالمُرْتَشِي وَالرَّائِشُ، يَا مَنْ تُحَاوِلُونَ قَلْبَ الحَقَائِقِ بِرِشْوَتِكُمْ، اعْلَمُوا: بِأَنَّ الرِّشْوَةَ مِنْ أَكْبَرِ الذُّنُوبِ، وَمِنْ أَعْظَمِ الجَرَائِمِ، وَهِيَ كَبِيرَةٌ مِنَ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ، وَهِيَ دَاءٌ وَبِيلٌ، وَمَرَضٌ خَطِيرٌ، تَحُلُّ بِسَبَبِهَا مِنَ الشُّرُورِ بِالبِلَادِ وَبَيْنَ العِبَادِ مَا لَا يُحْصَى وَلَا يُسْتَقْصَى.

الرِّشْوَةُ مَغْضَبَةٌ للرَّبِّ، مَجْلَبَةٌ للعَذَابِ، سَبَبٌ للَّعْنَةِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام أحمد والحاكم عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَعَنَ اللهُ الرَّاشِيَ وَالمُرْتَشِيَ وَالرَّائِشَ ـ الَّذِي يَمْشِي بَيْنَهُمَا ـ».

وفي رِوَايَةٍ للبزار: «الرَّاشِي وَالمُرْتَشِي فِي النَّارِ».

وروى الترمذي عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ لَا يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ إِلَّا كَانَتِ النَّارُ أَوْلَى بِهِ».

وَيَقُولُ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: كَانَ يُقَالُ: السُّحْتُ: الرِّشْوَةُ فِي الحُكْمِ. رواه الإمام البخاري.

كُنْ عَلَى يَقِينٍ يَا أَيُّهَا الرَّاشِي وَالمُرْتَشِي وَالرَّائِشِ، يَا مَنْ جَعَلْتُمُ الحَقَّ بَاطِلَاً، وَالبَاطِلَ حَقَّاً، وَالمَظْلُومَ ظَالِمَاً، بِأَنَّ الرِّشْوَةَ تَمْحَقُ البَرَكَةَ في الصِّحَّةِ وَالوَقْتِ وَالرِّزْقِ وَالعِيَالِ وَالعُمُرِ، وَمَا تَدَنَّسَ أَحَدٌ بِهَا إِلَّا حُجِبَتْ دَعْوَتُهُ عِنْدَ اللهِ تعالى، وَذَهَبَتْ مُرُوءَتُهُ، وَفَسَدَتْ أَخْلَاقُهُ، وَنُزِعَ حَيَاؤُهُ، وَسَاءَ مَنْبَتُهُ، وَصَارَ مَضْرِبَ مَثَلٍ في الشَّينِ.

يَا أَيُّهَا الرَّاشِي وَالمُرْتَشِي وَالرَّائِشُ، يَا مَنْ قَلَبْتُمُ الحَقَائِقَ، تَذَكَّرُوا كَمْ مِنْ حَقٍّ ضَيَّعْتُمْ؟ وَكَمْ مِنْ قَلْبٍ حَرَقْتُمْ؟ وَكَمْ مِنْ عَيْنٍ أَبْكَيْتُمْ؟ وَكَمْ مِنْ مَالٍ أَتْلَفْتُمْ؟ فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ لِرَبِّكُمُ القَائِلِ: ﴿أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: أَقُولُ للأَخِ الرَّاشِي وَالمُرْتَشِي وَالرَّائِشِ بَيْنَهُمَا، إِنَّ غَفْلَتَكُمْ عَنِ اللهِ تعالى لَهَا مَضَارٌّ كَثِيرَةٌ جِدَّاً، مِنْ جُمْلَتِهَا جَعَلْتُمُ الشَّيْطَانَ يَلْعَبُ بِكُمْ وَيَعِدُكُمْ وَيُمَنِّيكُم، وَجَلَبْتُمْ عَلَيْكُمْ سَخَطَ اللهِ تعالى، وَنَزَلَتْ بِكُمُ الهُمُومُ وَالغُمُومُ، وَأَبْعَدَتْكُمْ عَنْ سَعَادَةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا بَيْنَ الدَّارَيْنِ.

إِنَّ غَفْلَتَكُمْ عَنِ اللهِ تعالى أَوْقَعَتْكُمْ في دَفْعِ الرِّشْوَةِ، وَأَخْذِهَا، وَالتَّوَسُّطِ بَيْنَ الرَّاشِي وَالـمُرْتَشِي، وَهَذَا سَيُوَرِّثُكُمُ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ، وَيُذْهِبُ الحَيَاءَ وَالوَقَارَ بَيْنَ النَّاسِ.

إِنَّ غَفْلَتَكُمْ عَنِ اللهِ تعالى أَوْقَعَتْكُمْ في دَفْعِ المَالِ بِالبَاطِلِ، وَأَكْلِهِ بِالبَاطِلِ، حَتَّى جَعَلْتُمُ الحَقَّ بَاطِلَاً وَالبَاطِلَ حَقَّاً، وَالمَظْلُومَ ظَالِمَاً، وَالظَّالِمَ مَظْلُومَاً، وَهَذَا يُبْعِدُكُمْ عَنِ اللهِ تعالى وَعَنْ رَحْمَتِهِ حَتَّى تَتُوبُوا وَتَرْجِعُوا إلى اللهِ تعالى، وَتُعِيدُوا الحُقُوقَ لِأَصْحَابِهَا.

اللَّهُمَّ سَدِّدِ الجَمِيعَ لِمَا يُرْضِيكَ عَنَّا وَعَنْهُمْ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**      **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 25/ محرم /1440هـ، الموافق: 5/ تشرين الأول / 2018م

 2018-10-05
 5714
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

26-04-2024 27 مشاهدة
911ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (2)

لَقَدْ أَكْمَلَ اللهُ تعالى وَأَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْنَا بِهَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ، وَعَظُمَتْ نِعْمَةُ اللهِ تعالى عَلَيْنَا إِذْ فَرَضَ عَلَيْنَا الحَجَّ في العُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً، للمُسْتَطِيعِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَمِنَ ... المزيد

 26-04-2024
 
 27
19-04-2024 235 مشاهدة
910ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (1)

أَتَوَجَّهُ إلى السَّادَةِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، لِأَقُولَ لَهُمْ: هَنيئًا لَكُمْ يَا مَنْ لَبَّيْتُمْ أَمْرَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ ... المزيد

 19-04-2024
 
 235
12-04-2024 935 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 935
09-04-2024 609 مشاهدة
908ـ خطبة عيد الفطر 1445 هـ:هنيئا لك يوم الجائزة إن كنت من المقبولين

هَا نَحْنُ في عِيدِ الفَطْرِ الذي جَاءَنَا بَعْدَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرِ القُرْآنِ شَهْرِ الصِّيَامِ وَالقُرْآنِ، لَقَدْ كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ مُذَكِّرًا لَنَا بِالنِّعْمَةِ العُظْمَى التي أَنْقَذَتِ البَشَرِيَّةَ مِنَ الضَّلَالِ ... المزيد

 09-04-2024
 
 609
04-04-2024 712 مشاهدة
907ـ خطبة الجمعة: شمروا عن ساعد الجد

هَا هُوَ الضَّيْفُ الكَرِيمُ يُلَوِّحُ بِالرَّحِيلِ، تَمْضِي أَيَّامُهُ مُسْرِعَةً كَأَنَّهَا حُلُمٌ جَمِيلٌ، مَا أَحْلَى أَيَّامَكَ يَا أَيُّهَا الضَّيْفُ الكَرِيمُ، وَمَا أَمْتَعَ صِيَامَكَ، لَقَدْ ذُقْنَا فِيكَ لَذَّةَ الإِيمَانِ، وَحَلَاوَةَ ... المزيد

 04-04-2024
 
 712
28-03-2024 647 مشاهدة
906ـ خطبة الجمعة: القرآن خير دستور

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ هُوَ شَهْرُ القُرْآنِ، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ هُوَ وَاللهِ بِمَثَابَةِ الرُّوحِ للجَسَدِ، وَالنُّورِ للهِدَايَةِ، فَمَنْ لَمْ يَقْرَأِ القُرْآنَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، فَهُوَ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ. وَإِنَّهُ لَمِنَ ... المزيد

 28-03-2024
 
 647

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3161
المكتبة الصوتية 4797
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414015637
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :