910ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (1)

910ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (1)

910ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (1)

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

فَيَا عِبَادَ اللهِ: أَتَوَجَّهُ إلى السَّادَةِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، لِأَقُولَ لَهُمْ: هَنيئًا لَكُمْ يَا مَنْ لَبَّيْتُمْ أَمْرَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾.

هَنِيئًا لَكُمْ حَجُّكُمْ، حَيْثُ تَرْجِعُونَ إلى رِحَالِكُمْ رَاشِدِينَ مَغْفُورِي الذَّنْبِ، وَذَلِكَ مِنْ خِلَالِ أَدَاءِ هَذِهِ الفَرِيضَةِ بِأَخْلَاقِكُمُ السَّامِيَةِ العَالِيَةِ، هَنِيئًا لَكُمْ مَغْفِرَةُ الذُّنُوبِ بِبِشَارَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ حَجَّ للهِ فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ».

آثَارُ الحَجِّ عَلَى النَّفْسِ:

يَا حُجَّاجَ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، هَنِيئًا لَكُمْ حَجُّكُمُ المُبَارَكُ، وَعَلَيْكُمْ أَنْ تُلَاحِظُوا الحِكَمَ البَالِغَةَ مِنْ حَجِّكُمْ، فَمِنْ هَذِهِ الحِكَمِ:

أَوَّلًا: سَفَرُكُمْ إلى بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، وإلى زِيَارَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، يُذَكِّرُكُمْ سَفَرَكُمْ إلى اللهِ تعالى، وَإلى الدَّارِ الآخِرَةَ، لِأَنَّكُمْ في سَفَرِكُمْ هَذَا تُفَارِقُونَ الأَهْلَ وَالوَلَدَ وَالأَحِبَّةَ وَالوَطَنَ، وَكَذَلِكَ سَفَرُكُمْ مِنَ الدُّنْيَا إلى اللهِ تعالى، رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَتْبَعُ المَيِّتَ ثَلَاثَةٌ، فَيَرْجِعُ اثْنَانِ وَيَبْقَى مَعَهُ وَاحِدٌ: يَتْبَعُهُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَمَلُهُ، فَيَرْجِعُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَيَبْقَى عَمَلُهُ».

ثَانِيًا: سَفَرُكُمْ إلى بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ يَلْفِتَ أَنْظَارَكُمْ إلى وُجُوبِ التَّزَوُّدِ لِهَذَا السَّفَرِ المُبَارَكِ، وَهَذَا يُذَكِّرُكُمْ بِوُجُوبِ التَّزَوُّدِ للسَّفَرِ إلى اللهِ تعالى وَإلى الدَّارِ الآخِرَةِ، قَالَ تعالى: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾.

تَـزَوَّدْ مِنَ التَّقوَى فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي    ***   إِذَا جَـنَّ لَـيْلٌ هَـلْ تَعِيشُ إِلى الـفَجْرِ

فَكَمْ مِنْ سَلِيمٍ مَاتَ مِـنْ غَيْرِ عِلَّةٍ   ***   وَكَمْ مِنْ سَقِيمٍ عَـاشَ حِينًا مِنَ الدَّهْرِ

وَكَمْ مِن عَرُوسٍ زَيَّنُوهَا لِـزَوْجِهَا   ***   وَقَدْ نُسِجَتْ أَكْفَانُهَا وَهْيَ لَا تَــدْرِي

ثَالِثًا: هَنِيئًا لَكُمْ يَا حُجَّاجَ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، وَأَنْتُمْ تَلْبَسُونَ ثِيَابَ الإِحْرَامِ، إِزَارًا وَرِدَاءً أَبْيَضَيْنِ، وَهَذَا يُذَكِّرُ بِالكَفَنِ الذي سَتُكَفَّنُونَ بِهِ، فَكَمَا تَجَرَّدْتُمْ عَنِ الثِّيَابِ المَخِيطَةِ كَذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْكُمُ التَّجَرُّدُ عَنِ المَعَاصِي وَالمُخَالَفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ.

رَابِعًا: هَنِيئًا لَكُمْ عِنْدَمَا تَصِلُونَ إلى المِيقَاتِ، وَأَنْتُمْ تُعْلِنُونَ بِصَوْتٍ وَاحِدٍ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ.

وَهَذَا يَدْفَعُكُمْ لِأَنْ تَقُولُوا لِجَمِيعِ أَوَامِرِ اللهِ تعالى: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلِيقُ بِالعَبْدِ أَنْ يَقُولَ لِرَبِّهِ فِي أَمْرٍ مِنَ الأَوَامِرِ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ؛ ثُمَّ يَكُونُ لِأَوَامِرَ ثَانِيَةٍ عَاصِيًا مُخَالِفًا.

قُولُوا وَأَنْتُمْ تَقْرَؤُونَ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ.

خَامِسًا: هَنِيئًا لَكُمْ وَأَنْتُمْ تَطُوفُونَ حَوْلَ الكَعْبَةِ المُشَرَّفَةِ بِبَيتِ اللهِ الحَرَامِ، وَأَنْتُمْ تَسْتَحْضِرُونَ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾. مَا هَذَا التَّكْرِيمُ!! خَلِيلُ الرَّحْمَنِ وَوَلَدُهُ سَيِّدُنَا إِسْمَاعِيلُ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ طَهَّرَا البَيْتَ مِنْ أَجْلِكُمْ.

سَادِسًا: هَنِيئًا لَكُمْ وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ وَأَنْتُمْ تَتَذَكَّرُونَ السَّيِّدَةَ هَاجَرَ، وَكَيْفَ أَغَاثَهَا اللهُ تعالى، بَعْدَ أَنْ قَالَتْ لِزَوْجِهَا سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: إِذَنْ لَا يُضَيِّعُنَا.

صَبَرَتْ وَاحْتَسَبَتْ وَالْتَجَأَتْ إلى اللهِ تعالى فَأَغَاثَهَا تَبَارَكَ وتعالى.

تَتَذَكَّرُونَ كَيْفَ يَكُونُ الصَّبْرُ وَالمُصَابَرَةُ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الحَجُّ فَعَلَيْهِ أَنْ يُبَادِرَ لِأَدَاءِ هَذِهِ الفَرِيضَةِ عَلَى الفَوْرِ بِدُونِ تَأَخُّرٍ وَلَا تَوَانٍ، لِأَنَّ العَبْدَ لَا يَدْرِي مَا يَحْصُلُ لَهُ في المُسْتَقْبَلِ.

اللَّهُمَّ بَلِّغْنَا زِيَارَةَ الحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ في هَذَا العَامِ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 10/ شوال /1445هـ، الموافق: 19/ نيسان / 2024م

 2024-04-19
 334
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

26-04-2024 158 مشاهدة
911ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (2)

لَقَدْ أَكْمَلَ اللهُ تعالى وَأَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْنَا بِهَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ، وَعَظُمَتْ نِعْمَةُ اللهِ تعالى عَلَيْنَا إِذْ فَرَضَ عَلَيْنَا الحَجَّ في العُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً، للمُسْتَطِيعِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَمِنَ ... المزيد

 26-04-2024
 
 158
12-04-2024 1029 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 1029
09-04-2024 642 مشاهدة
908ـ خطبة عيد الفطر 1445 هـ:هنيئا لك يوم الجائزة إن كنت من المقبولين

هَا نَحْنُ في عِيدِ الفَطْرِ الذي جَاءَنَا بَعْدَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرِ القُرْآنِ شَهْرِ الصِّيَامِ وَالقُرْآنِ، لَقَدْ كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ مُذَكِّرًا لَنَا بِالنِّعْمَةِ العُظْمَى التي أَنْقَذَتِ البَشَرِيَّةَ مِنَ الضَّلَالِ ... المزيد

 09-04-2024
 
 642
04-04-2024 752 مشاهدة
907ـ خطبة الجمعة: شمروا عن ساعد الجد

هَا هُوَ الضَّيْفُ الكَرِيمُ يُلَوِّحُ بِالرَّحِيلِ، تَمْضِي أَيَّامُهُ مُسْرِعَةً كَأَنَّهَا حُلُمٌ جَمِيلٌ، مَا أَحْلَى أَيَّامَكَ يَا أَيُّهَا الضَّيْفُ الكَرِيمُ، وَمَا أَمْتَعَ صِيَامَكَ، لَقَدْ ذُقْنَا فِيكَ لَذَّةَ الإِيمَانِ، وَحَلَاوَةَ ... المزيد

 04-04-2024
 
 752
28-03-2024 728 مشاهدة
906ـ خطبة الجمعة: القرآن خير دستور

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ هُوَ شَهْرُ القُرْآنِ، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ هُوَ وَاللهِ بِمَثَابَةِ الرُّوحِ للجَسَدِ، وَالنُّورِ للهِدَايَةِ، فَمَنْ لَمْ يَقْرَأِ القُرْآنَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، فَهُوَ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ. وَإِنَّهُ لَمِنَ ... المزيد

 28-03-2024
 
 728
21-03-2024 1181 مشاهدة
905ـ خطبة الجمعة: التقوى ميدان التفاضل بين العباد

لَقَدْ فَرَضَ اللهُ تعالى عَلَيْنَا صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى نَصِلَ إلى مَقَامِ التَّقْوَى، وَالتَّقْوَى هِيَ الْتِزَامُ أَوَامِرِ اللهِ تَعَالَى وَاجْتِنَابُ نَوَاهِيهِ، هِيَ فِعْلُ الْمَأْمُورَاتِ وَتَرْكُ الْمَنْهِيَّاتِ، التَّقْوَى ... المزيد

 21-03-2024
 
 1181

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3161
المكتبة الصوتية 4797
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414315578
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :