443ـ خطبة الجمعة: ضاعفوا الجود في شهر رمضان لتنالوا...
مقدمة الخطبة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا عِبَادَ اللهِ، إِنَّ الأُمَّةَ في أَيَّامِ مِحَنِهَا وشَدَائِدِهَا وأَزْمَانِ ضَعْفِهَا وذُلِّهَا بِحَاجَةٍ مَاسَّةٍ إلى وَقَفَاتٍ عِنْدَمَا تَمُرُّ بِهَا مُنَاسَبَةٌ كَشَهْرِ رَمَضَانَ المُبَارَكِ، لِتَسْتَلْهِمَ العِبَرَ والعِظَاتِ، ورَمَضَانُ مَدْرَسَةٌ للأُمَّةِ الإِسْلامِيَّةِ يَجِبُ أَنْ لا نَخْرُجَ مِنهُ إلا بِإِصْلاحٍ لِوَضْعِنَا، ومُرَاجَعَةٍ لِمَوَاطِنِ الخَلَلِ في جَمِيعِ أُمُورِنَا الدِّينِيَّةِ والدُّنْيَوِيَّةِ.
يَا عِبَادَ اللهِ، جَدِيرٌ بِنَا في عَصْرٍ تَقَاذَفَتْ فِيهِ أَمْوَاجُ المِحَنِ، وتَشَابَكَتْ فِيهِ حَلَقَاتُ الفِتَنِ، وغَلَبَتْ فِيهِ الأَهْوَاءُ واسْتَحْكَمَتْ، أَنْ لا يَمُرَّ بِنَا هذا الشَّهْرُ دُونَ اسْتِلْهَامٍ لِحِكَمِهِ وأَسْرَارِهِ، والإِفَادَةِ من مُعْطَيَاتِهِ، والنَّهْلِ من ثَمَرَاتِهِ وخَيْرَاتِهِ، حَتَّى يَقُولَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا بِجَدَارَةٍ: ﴿إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ﴾.
شَهْرُ رَمَضَانَ شَهْرُ الجُودِ والكَرَمِ:
يَا عِبَادَ اللهِ، تَذَكَّرُوا وأَنْتُمْ تَعِيشُونَ هذهِ الأَزْمَةَ القَاسِيَةَ أَنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ شَهْرُ الجُودِ والكَرَمِ، ولا يُوجَدُ على وَجْهِ الأَرْضِ من البَشَرِ أَجْوَدُ وأَكْرَمُ من سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ.
روى الشيخان عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ فِي رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ، فَيَعْرِضُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ الْقُرْآنَ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِن الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ.
يَا عِبَادَ اللهِ، كُونُوا على يَقِينٍ بِأَنَّ صَدَقَاتِكُم وعَطَايَاكُم لا تَنْقُصُ من أَمْوَالِكُمْ شَيْئَاً، لِقَوْلِ الصَّادِقِ المَصْدُوقِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
يَا عِبَادَ اللهِ، كُونُوا على يَقِينٍ بِأَنَّ حَاجَتَنَا إلى أَجْرِ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ وأَكْبَرُ من حَاجَةِ الفَقِيرِ لِصَدَقَاتِنَا، وذلكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ» رواه الشيخان عَن عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
ولِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «اتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ، وَصَلُّوا خَمْسَكُمْ، وَصُومُوا شَهْرَكُمْ، وَأَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ، وَأَطِيعُوا ذَا أَمْرِكُمْ، تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ» رواه الترمذي عَن أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ. فالصَّدَقَةُ سَبَبٌ للنَّجَاةِ من كُلِّ مَرْهُوبٍ، وطَرِيقٌ للفَوْزِ بِكُلِّ مَرْغُوبٍ.
ضَاعِفُوا الجُودَ في شَهْرِ رَمَضَانَ:
يَا عِبَادَ اللهِ، ضَاعِفُوا الجُودَ والكَرَمَ في شَهْرِ رَمَضَانَ المُبَارَكِ، لِتَنَالُوا الفَوَائِدَ الجَمَّةَ، والتي مِنهَا:
أولاً:شَرَفُ الزَّمَانِ، ومُضَاعَفَةُ الأَجْرِ فِيهِ، روى البيهقي وابن خزيمة عَن سَلْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ في آخِرِ يَوْمٍ من شَعْبَانَ فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، قَد أَظَلَّكُم شَهْرٌ عَظِيمٌ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، شَهْرٌ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ من أَلْفِ شَهْرٍ، جَعَلَ اللهُ صِيَامَهُ فَرِيضَةً، وَقِيَامَ لَيْلِهِ تَطَوُّعَاً، مَن تَقَرَّبَ فِيهِ بِخَصْلَةٍ من الخَيْرِ، كَانَ كَمَن أَدَّى فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ، وَمَن أَدَّى فِيهِ فَرِيضَةً كَانَ كَمَن أَدَّى سَبْعِينَ فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ».
ثانياً: تَنَالُ أَجْرَ الصَّائِمِينَ القَائِمِينَ الذَّاكِرِينَ، روى الترمذي عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «مَنْ فَطَّرَ صَائِمَاً كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئَاً».
ثالثاً: الجَمْعُ بَيْنَ الصِّيَامِ والصَّدَقَةِ من مُوجِبَاتِ الجَنَّةِ، روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِمَاً؟».
قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَا.
قَالَ: «فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ جِنَازَةً؟».
قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَا.
قَالَ: «فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مِسْكِينَاً؟».
قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَا.
قَالَ: «فَمَنْ عَادَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مَرِيضَاً؟».
قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَا.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ».
رابعاً: تَنَالُ دُعَاءَ المَلائِكَةِ الكِرَامِ، روى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقَاً خَلَفَاً، وَيَقُولُ الْآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكَاً تَلَفَاً».
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
يَا عِبَادَ اللهِ، شَهْرُ رَمَضَانَ شَهْرُ الجُودِ والإِنْفَاقِ، شَهْرُ النُّفُوسِ السَّخِيَّةِ والأَكُفِّ النَّدِيَّةِ، شَهْرٌ يَسْعَدُ فِيهِ المَنْكُوبُونَ، ويَرْتَاحُ فِيهِ المُتْعَبُونَ، فَلْيَكُنْ لَنَا فِيهِ السَّهْمُ الرَّاجِحُ.
يَا عِبَادَ اللهِ، لَيْسَ شَيْءٌ أَشَدَّ على الشَّيْطَانِ وأَبْطَلَ لِكَيْدِهِ، وأَدْحَرَ لِوَسَاوِسِهِ من الصَّدَقَةِ الطَّيِّبَةِ، قَالَ تعالى: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ واللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلَاً واللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾.
اللَّهُمَّ أَخْرِجْ من قُلُوبِنَا حُبَّ الدُّنيَا. آمين.
** ** **
تاريخ الخطبة:
الجمعة: 16/رمضان /1435هـ، الموافق: 3/ أيار / 2015م
اضافة تعليق |
ارسل إلى صديق |
لَقَدْ أَكْمَلَ اللهُ تعالى وَأَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْنَا بِهَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ، وَعَظُمَتْ نِعْمَةُ اللهِ تعالى عَلَيْنَا إِذْ فَرَضَ عَلَيْنَا الحَجَّ في العُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً، للمُسْتَطِيعِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَمِنَ ... المزيد
أَتَوَجَّهُ إلى السَّادَةِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، لِأَقُولَ لَهُمْ: هَنيئًا لَكُمْ يَا مَنْ لَبَّيْتُمْ أَمْرَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ ... المزيد
إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد
هَا نَحْنُ في عِيدِ الفَطْرِ الذي جَاءَنَا بَعْدَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرِ القُرْآنِ شَهْرِ الصِّيَامِ وَالقُرْآنِ، لَقَدْ كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ مُذَكِّرًا لَنَا بِالنِّعْمَةِ العُظْمَى التي أَنْقَذَتِ البَشَرِيَّةَ مِنَ الضَّلَالِ ... المزيد
هَا هُوَ الضَّيْفُ الكَرِيمُ يُلَوِّحُ بِالرَّحِيلِ، تَمْضِي أَيَّامُهُ مُسْرِعَةً كَأَنَّهَا حُلُمٌ جَمِيلٌ، مَا أَحْلَى أَيَّامَكَ يَا أَيُّهَا الضَّيْفُ الكَرِيمُ، وَمَا أَمْتَعَ صِيَامَكَ، لَقَدْ ذُقْنَا فِيكَ لَذَّةَ الإِيمَانِ، وَحَلَاوَةَ ... المزيد
شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ هُوَ شَهْرُ القُرْآنِ، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ هُوَ وَاللهِ بِمَثَابَةِ الرُّوحِ للجَسَدِ، وَالنُّورِ للهِدَايَةِ، فَمَنْ لَمْ يَقْرَأِ القُرْآنَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، فَهُوَ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ. وَإِنَّهُ لَمِنَ ... المزيد