473ـ خطبة الجمعة: سبب اختلال الأمن

473ـ خطبة الجمعة: سبب اختلال الأمن

.

473ـ خطبة الجمعة: سبب اختلال الأمن

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين،وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا عباد الله: إِنَّ الإِيمَانَ باللهِ تعالى، وباليَوْمِ الآخِرِ، طَرِيقٌ للسَّعَادَةِ في الدُّنْيَا قَبْلَ الآخِرَةِ، وَهُوَ سَبِيلُ الأَمْنِ والحَيَاةِ الطَّيِّبَةِ، فَكُلَّمَا اعْتَصَمَتِ الأُمَّةُ بِرَبِّهَا عزَّ وجلَّ كُلَّمَا أَكْرَمَهَا بالأَمْنِ والعَيْشِ الهَنِيِّ.

قَالَ تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾.

وقَالَ تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحَاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.

وبالمُقَابِلِ، إِنَّ أَعْظَمَ مَا يُسَبِّبُ اخْتِلالَ الأَمْنِ والاسْتِقْرَارِ، وَحُدُوثَ المِحَنِ والاضْطِرَابَاتِ، هُوَ انْتِهَاكُ حُرُمَاتِ اللهِ تعالى، وَارْتِكَابُ المَعَاصِي والمُنْكَرَاتِ، والجُرْأَةُ على ذَلِكَ جِهَارَاً نَهَارَاً ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾.

يَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ الحَيَاةَ الطَّيِّبَةَ وَعِمَارَةَ الحَيَاةِ لا تَكُونُ إلا بالأَمْنِ، والأَمْنُ لا يَكُونُ إلا بالإِيمَانِ باللهِ تعالى والعَمَلِ الصَّالِحِ.

الذُّنُوبُ والأَوْزَارُ سَبَبُ اخْتِلالِ الأَمْنِ:

يَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ الذُّنُوبَ والأَوْزَارَ والخَطَايَا والآثَامَ تُعَكِّرُ صَفْوَ الأَمْنِ في المُجْتَمَعَاتِ، فَهِيَ ضَرَرٌ عَظِيمٌ، وَشَرٌّ كَبِيرٌ، وَخَطَرٌ مُسْتَطِيرٌ، قَالَ تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾. و قَالَ تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرَاً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾. وقَالَ تعالى: ﴿أَوَلَـمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ﴾. فالذُّنُوبُ والأَوْزَارُ والخَطَايَا والآثَامُ مَا كَانَتْ في دِيَارٍ إلا أَهْلَكَتْهَا، ولا في مُجْتَمَعَاتٍ إلا دَمَّرَتْهَا.

ورَحِمَ اللهُ تعالى مَن قَالَ:

إِذَا كُنْتَ فِي نِعْمَةٍ فَارْعَهَا   ***   فَإِنَّ المَعَاصِي تُزِيلُ النِّعَمْ

وَدَاوِمْ عَلَيْهَا بِشُكْرِ الإِلَهِ   ***   فَإِنَّ الإِلَهَ شَـدِيـدُ النِّقَمْ

رِسَالَةُ سَيِّدِنَا عُمَرَ إلى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما:

يَا عِبَادَ اللهِ: من خِلالِ قَوْلِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْؤُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» رواه الشيخان عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

أَتَوَجَّهُ إلى كُلِّ رَاعٍ لِأَقُولَ لَهُ: يَا أَيُّهَا الرَّاعِي لِمَنِ اسْتَرْعَاكَ اللهُ تعالى عَلَيْهِ، اسْمَعْ إلى وَصِيَّةِ سَيِّدِنَا عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ لِسَيِّدِنَا سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عِنْدَمَا كَانَ قَائِدَاً للجَيْشِ:

أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي آمُرُكَ وَمَنْ مَعَكَ من الأَجْنَادِ بِتَقْوَى اللهِ على كُلِّ حَالٍ، فَإِنَّ تَقْوَى اللهِ أَفْضَلُ العُدَّةِ على العَدُوِّ، وَأَقْوَى المَكِيدَةِ في الحَرْبِ، وَآمُرُكَ وَمَنْ مَعَكَ أَنْ تَكُونُوا أَشَدَّ احْتِرَاسَاً من المَعَاصِي مِنْكُم مِن عَدُوِّكُم، فَإِنَّ ذُنُوبَ الجَيْشِ أَخْوَفُ عَلَيْهِم من عَدُوِّهِم.

وَإِنَّمَا يُنْصَرُ المُسْلِمُونَ بِمَعْصِيَةِ عَدُوِّهِم للهِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ تَكُنْ لَنَا بِهِم قُوَّةٌ، لِأَنَّ عَدَدَنَا لَيْسَ كَعَدَدِهِم، وَلَا عُدَّتَنَا كَعُدَّتِهِم، فَإِذَا اسْتَوَيْنَا في المَعْصِيَةِ كَانَ لَهُمُ الفَضْلُ عَلَيْنَا في القُوَّةِ، وَإِنَّا لا نُنْصَرْ عَلَيْهِم بِفَضْلِنَا، وَلَمْ نَغْلِبْهُم بِقُوَّتِنَا.

وَاعْلَمُوا أَنَّ عَلَيْكُم في سَيْرِكِم حَفَظَةً من اللهِ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ، فَاسْتَحْيُوا مِنْهُم، ولا تَعْمَلُوا بِمَعَاصِي اللهِ وَأَنْتُم في سَبِيلِ اللهِ، وَلا تَقُولُوا إِنَّ عَدُوَّنَا شَرٌّ مِنَّا، فَلَنْ يُسَلَّطَ عَلَيْنَا، فَرُبَّ قَوْمٍ سُلِّطَ عَلَيْهِم شَرٌّ مِنْهُم، كَمَا سُلِّطَ على بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَّا عَمِلُوا بِمَسَاخِطِ اللهِ كُفَّارُ المَجُوسِ، فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ، وَكَانَ وَعْدَاً مَفْعُولَاً، وَاسْأَلُوا اللهَ العَوْنَ على أَنْفُسِكُم، كَمَا تَسْأَلُونَهُ النَّصْرَ على عَدُوِّكُم.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يا عباد الله: إِنَّ الذُّنُوبَ والمَعَاصِيَ لَهَا أَثَرٌ بَلِيغٌ على الأَبْدَانِ والقُلُوبِ، وَهِيَ شُؤْمٌ وَاضِحٌ في حَيَاةِ الأُمَّةِ، وَضَرَرُهَا في القُلُوبِ كَضَرَرِ السُّمُومِ في الأَبْدَانِ، وَهَلْ هُنَاكَ شَرٌّ وَدَاءٌ إلا بِسَبَبِ المَعَاصِي؟

ما الذي أَخْرَجَ سَيِّدَنَا آدَمَ وَأُمَّنَا حَوَّاءَ عَلَيْهِمَا السَّلامُ من الجَنَّةِ؟

الذي أَخْرَجَهُمَا المُخَالَفَةُ لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾.

ما الذي أَخْرَجَ إِبْلِيسَ من مَلَكُوتِ السَّمَاءِ، وَطَرَدَهُ اللهُ تعالى بِهِ وَلَعَنَهُ، وَمَسَخَهُ ظَاهِرَاً وَبَاطِنَاً، وَبَدَّلَهُ بالقُرْبِ بُعْدَاً، وبالرَّحْمَةِ لَعْنَةً، وبالجَمَالِ قُبْحَاً، وبالجَنَّةِ نَارَاً تَلَظَّى؟

الذي أَخْرَجَهُ هُوَ قَوْلُهُ: ﴿لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ﴾. وَقَوْلُهُ: ﴿أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾. الذي أَخْرَجَهُ هُوَ الاسْتِكْبَارُ على أَمْرِ اللهِ تعالى، هُوَ الجُرْأَةُ على مَعْصِيَةِ اللهِ تعالى، هُوَ الإِصْرَارُ على المَعْصِيَةِ، هُوَ التَّبْرِيرُ للمَعْصِيَةِ.

يَا عِبَادَ اللهِ: تَابَ سَيِّدُنَا آدَمُ فَاجْتَبَاهُ اللهُ تعالى وَاصْطَفَاهُ، وَأَصَرَّ إِبْلِيسُ فَشَقِيَ في الدُّنْيَا والآخِرَةِ؛ فَهَلْ من مُعْتَبِرٍ؟

اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدَّاً جَمِيلاً. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**      **      **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 5/ ربيع الثاني /1437هـ، الموافق: 15/كانون الثاني / 2016م

 2016-01-15
 2358
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

26-04-2024 47 مشاهدة
911ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (2)

لَقَدْ أَكْمَلَ اللهُ تعالى وَأَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْنَا بِهَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ، وَعَظُمَتْ نِعْمَةُ اللهِ تعالى عَلَيْنَا إِذْ فَرَضَ عَلَيْنَا الحَجَّ في العُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً، للمُسْتَطِيعِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَمِنَ ... المزيد

 26-04-2024
 
 47
19-04-2024 242 مشاهدة
910ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (1)

أَتَوَجَّهُ إلى السَّادَةِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، لِأَقُولَ لَهُمْ: هَنيئًا لَكُمْ يَا مَنْ لَبَّيْتُمْ أَمْرَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ ... المزيد

 19-04-2024
 
 242
12-04-2024 938 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 938
09-04-2024 610 مشاهدة
908ـ خطبة عيد الفطر 1445 هـ:هنيئا لك يوم الجائزة إن كنت من المقبولين

هَا نَحْنُ في عِيدِ الفَطْرِ الذي جَاءَنَا بَعْدَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرِ القُرْآنِ شَهْرِ الصِّيَامِ وَالقُرْآنِ، لَقَدْ كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ مُذَكِّرًا لَنَا بِالنِّعْمَةِ العُظْمَى التي أَنْقَذَتِ البَشَرِيَّةَ مِنَ الضَّلَالِ ... المزيد

 09-04-2024
 
 610
04-04-2024 714 مشاهدة
907ـ خطبة الجمعة: شمروا عن ساعد الجد

هَا هُوَ الضَّيْفُ الكَرِيمُ يُلَوِّحُ بِالرَّحِيلِ، تَمْضِي أَيَّامُهُ مُسْرِعَةً كَأَنَّهَا حُلُمٌ جَمِيلٌ، مَا أَحْلَى أَيَّامَكَ يَا أَيُّهَا الضَّيْفُ الكَرِيمُ، وَمَا أَمْتَعَ صِيَامَكَ، لَقَدْ ذُقْنَا فِيكَ لَذَّةَ الإِيمَانِ، وَحَلَاوَةَ ... المزيد

 04-04-2024
 
 714
28-03-2024 650 مشاهدة
906ـ خطبة الجمعة: القرآن خير دستور

شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ هُوَ شَهْرُ القُرْآنِ، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ هُوَ وَاللهِ بِمَثَابَةِ الرُّوحِ للجَسَدِ، وَالنُّورِ للهِدَايَةِ، فَمَنْ لَمْ يَقْرَأِ القُرْآنَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، فَهُوَ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ. وَإِنَّهُ لَمِنَ ... المزيد

 28-03-2024
 
 650

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3161
المكتبة الصوتية 4797
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414201871
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :