80ـ مع الصحابة وآل البيت :السر في تفوق الصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُم

80ـ مع الصحابة وآل البيت :السر في تفوق الصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُم

 

مع الصحابة وآل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم

80ـ السر في تفوق الصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُم

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: النَّاسُ بِجَمِيعِ أَصْنَافِهِمْ يَبْحَثُونَ عَنِ السَّعَادَةِ، مِنْهُمْ مَنْ رَآهَا في المَالِ، وَمِنْهُمْ مَنْ رَآهَا في الجَاهِ وَالشَّرَفِ وَالسُّلْطَانِ، وَمِنْهُمْ مَنْ رَآهَا في الإِيمَانِ بِاللهِ تعالى وَاليَوْمِ الآخِرِ، كَسَيِّدِنَا بِلَالٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَلَقَدْ رَأَى السَّعَادَةَ في الإِيمَانِ بِاللهِ تعالى وَاليَوْمِ الآخِرِ، وَهُوَ يُرَدِّدُ: أَحَدٌ أَحَدٌ؛ وَهُوَ مُلْقَىً على رِمَالِ مَكَّةَ المُلْتَهِبَةِ، فِي الصَّحْرَاءِ الحَارَّةِ، وَقْتَ الظَّهِيرَةِ، وَقَد وَضَعَ المُشْرِكُونَ حَجَرَاً كَبِيرَاً على صَدْرِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

فَالإِيمَانُ لَهُ حَلَاوَةٌ لَا يَعْرِفُ طَعْمَهَا إِلَّا مَنْ ذَاقَهَا، يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللهِ رَبَّاً، وَبِالْإِسْلَامِ دِينَاً، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولَاً» رواه الإمام مسلم عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْـمُطَّلِبِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلَّا للهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ» رواه الشيخان عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

السِّرُّ في تَفَوُّقِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَوْقَارَنَّا حَالَنَا مَعَ حَالِ السَّلَفِ الصَّالِحِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَآلِ البَيْتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ لَوَجَدْنَا أَنْفُسَنَا بَعِيدِينَ كُلَّ البُعْدِ عَنِ الصَّحَابَةِ وَآلِ البَيْتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ؛ وَلَوْ دَقَّقْنَا عَنْ سِرِّ تَفَوُّقِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ على غَيْرِهِمْ لَوَجَدْنَا السِّرَّ في ذَلِكَ، مَا صَرَّحَ بِهِ سَيِّدُنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، ذَاكَ الشَّابُّ الفَتَى الذي عَلَّمَ شَبَابَ الأُمَّةِ كَيْفَ يَكُونُ الشَّبَابُ.

يَقُولُ سَيِّدُنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: تَعَلَّمْنَا الْإِيمَانَ قَبْلَ أَنْ نَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ، ثُمَّ تَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ فَازْدَدْنَا بِهِ إِيمَانَاً، وَإِنَّكُمُ الْيَوْمَ تَعَلَّمُونَ الْقُرْآنَ قَبْلَ الْإِيمَانِ.

وَيَقُولُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: إِنَّا صَعُبَ عَلَيْنَا حِفْظُ أَلْفَاظِ القُرْآنِ، وَسَهُلَ عَلَيْنَا العَمَلُ بِهِ، وَإِنَّ مَنْ بَعْدَنَا يَسْهُلُ عَلَيْهِمْ حِفْظُ القُرْآنِ، وَيَصْعُبُ عَلَيْهِمُ العَمَلُ بِهِ.

وَكَمَا يَقُولُ سَيِّدُنَا حُذَيْفَةُ بْنُ اليَمَانِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: إِنَّا قَوْمٌ أُوتِينَا الْإِيمَانَ قَبْلَ أَنْ نُؤْتَى الْقُرْآنَ، وَإِنَّكُمْ قَوْمٌ أُوتِيتُمُ الْقُرْآنَ قَبْلَ أَنْ تُؤْتَوا الْإِيمَانَ. رواه البيهقي.

وَكَمَا يَقُولُ سَيِّدُنَا جُنْدُبُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ فِتْيَانٌ حَزَاوِرَةٌ، فَتَعَلَّمْنَا الْإِيمَانَ قَبْلَ أَنْ نَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ، ثُمَّ تَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ، فَازْدَدْنَا بِهِ إِيمَانَاً. رواه ابن ماجه. (الحَزْوَرُ: هُوَ الغُلَامُ إِذَا اشْتَدَّ وَقَوِيَ وَحَزُمَ).

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: السِّرُّ في تَفَوُّقِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ أُوتُوا الإِيمَانَ أَوَّلَاً؛ لَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في مَكَّةَ المُكَرَّمَةِ قَبْلَ الهِجْرَةِ يَغْرِسُ في نُفُوسِ الصَّحَابَةِ الإِيمَانَ، حَتَّى اسْتَقَرَّ في نُفُوسِهِمُ اسْتِقْرَارَ الرَّوَاسِي، ثمَّ أُوتُوا القُرْآنَ، فَإِذَا بِهِمْ يَعْشَقُونَ هَذَا القُرْآنَ العَظِيمَ، فَزَادُوا إِيمَانَاً مَعَ إِيمَانِهِمْ، وَإِذَا مَا جَاءَتْ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللهِ تعالى، أَو أَمْرٌ مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، اتَّبَعُوهُ بِدَونِ تَوَقُّفٍ وَبِدُونِ تَرَدُّدٍ، وَصَارَ شِعَارُهُمْ: إِنْ كَانَ قَالَهَا فَقَدْ صَدَقَ.

وَإِذَا مَا جَاءَ نَهْيٌ قَالُوا: انْتَهَيْنَا رَبَّنَا انْتَهَيْنَا؛ عَرَفُوا العِلَّةَ أَمْ لَمْ يَعْرِفُوهَا؛ وَإِذَا شَاهَدُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ أَمْرَاً يَتَّبِعُونَهُ بِدُونِ تَوَقُّفٍ: رَأَيْنَاكَ خَلَعْتَ فَخَلَعْنَا. رواه الحاكم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

بِالإِيمَانِ الْتَزَمُوا بِدُونِ تَوَقُّفٍ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَنْ أُوتِيَ الإِيمَانَ أَوَّلَاً هَانَ عَلَيْهِ الالْتِزَامُ بِالقُرْآنِ العَظِيمِ، فَقِهَ الحِكْمَةَ أَمْ لَا؟ فَقِهَ العِلَّةَ أَمْ لَا؟ لِأَنَّ الوَقْتَ أَقْصَرُ مِنْ أَنْ يُفَكِّرَ في العِلَّةِ أَوِ الحِكْمَةِ، لِذَا سَادُوا بِبَرَكَةِ الإِيمَانِ، فَكَانُوا خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ للنَّاسِ.

أَمَّا مَنْ أُوتِيَ القُرْآنَ ثمَّ الإِيمَانَ، فَقَدْ يَعْتَرِضُ وَيُحَكِّمُ عَقْلَهُ كَثِيرَاً قَبْلَ الالْتِزَامِ، وَيُنَازِعُ نُصُوصَ القُرْآنِ مِنْ خِلَالِ عَقْلِهِ وَهَوَاهُ، حَتَّى إِنَّهُ قَدْ يَصِلُ إلى إِنْكَارِ حَدِيثِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أَوْ إِنْكَارِ حَدِيثٍ مِنْ أَحَادِيثِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ يَسْتَهِينُ بِالنُّصُوصِ الصَّرِيحَةِ الوَاضِحَةِ بِدُونِ مُبَالَاةٍ، كَمَا هُوَ المُشَاهَدُ اليَوْمَ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الصَّحَابَةُ الكِرَامُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ عِنْدَمَا أُوتُوا الإِيمَانَ أَوَّلَاً، الْتَزَمُوا أَمْرَ اللهِ تعالى بِدُونِ تَوَقُّفٍ وَلَا تَرَدُّدٍ.

هَذَا سَيِّدُنَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عِنْدَمَا نَزَلَ قَوْلُهُ تعالى: ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾. قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: بَلَى وَاللهِ إِنِّي أُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لِي. رواه الإمام البخاري.

رُجُوعٌ وَعَوْدَةٌ إلى الحَقِّ بِسُرْعَةٍ وَبِدُونِ تَوَقُّفٍ أَوْ تَرَدُّدٍ، لِأَنَّ الإِيمَانَ بِاللهِ تعالى وَبِاليَوْمِ الآخِرِ كَانَ أَوَّلَاً، فَهَانَ عَلَيْهِمُ امْتِثَالُ أَمْرِ اللهِ تعالى، وَهَانَ عَلَيْهِمُ الرُّجُوعُ إلى الحَقِّ بِسُرْعَةٍ إِذَا ظَهَرَ لَهُمُ الحَقُّ.

روى الإمام البخاري رَحِمَهُ اللهُ تعالى عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَتْ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مُحَاوَرَةٌ، فَأَغْضَبَ أَبُو بَكْرٍ عُمَرَ فَانْصَرَفَ عَنْهُ عُمَرُ مُغْضَبَاً، فَاتَّبَعَهُ أَبُو بَكْرٍ يَسْأَلُهُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَهُ، فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى أَغْلَقَ بَابَهُ فِي وَجْهِهِ، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَنَحْنُ عِنْدَهُ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَمَّا صَاحِبُكُمْ هَذَا فَقَدْ غَامَرَ».(سَبَقَ بِالخَيْرِ).

قَالَ: وَنَدِمَ عُمَرُ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ، فَأَقْبَلَ حَتَّى سَلَّمَ وَجَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَقَصَّ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الخَبَرَ.

قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: وَغَضِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ يَقُولُ: وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ لَأَنَا كُنْتُ أَظْلَمَ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُونَ لِي صَاحِبِي، هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُونَ لِي صَاحِبِي، إِنِّي قُلْتُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعَاً، فَقُلْتُمْ: كَذَبْتَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقْتَ».

بِالإِيمَانِ اعْتَصَمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعَاً:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: عِنْدَمَا أَكْرَمَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ الصَّحَابَةَ وَآلَ البَيْتِ بِالإِيمَانِ أَوَّلَاً هَانَ عَلَيْهِمْ نَبْذُ الخِلَافَاتِ، وَاعْتَصَمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعَاً، وَلَزِمُوا الجَمَاعَةَ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعَاً وَلَا تَفَرَّقُوا﴾.

وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «عَلَيْكُمْ بِالجَمَاعَةِ، وَإِيَّاكُمْ وَالفُرْقَةَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الوَاحِدِ، وَهُوَ مِنَ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ، مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الجَنَّةِ فَلْيَلْزَمِ الجَمَاعَةَ» رواه الترمذي عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَالْجَمَاعَةُ رَحْمَةٌ، وَالْفُرْقَةُ عَذَابٌ » رواه الإمام أحمد عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَالجَمَاعَةُ لَيْسَتْ بِالكَثْرَةِ، الجَمَاعَاتُ مَنْ كَانَتْ على مَنْهَجِ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، يَقُولُ سُفْيَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في تَعْرِيفِ الجَمَاعَةِ: لَوْ أَنَّ فَقِيهَاً كَانَ عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ لَكَانَ هُوَ الْجَمَاعَةَ.

وَبِذَلِكَ نَجَوْا مِنَ الفِتَنِ بِبَرَكَةِ الإِيمَانِ أَوَّلَاً، ثمَّ القُرْآنِ الكَرِيمِ، وَلَزِمُوا الجَمَاعَةَ، وَلَوْ وُجِدَ الخِلَافُ بَيْنَهُمْ.

روى أبو داود عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: صَلَّى عُثْمَانُ بِمِنَىً أَرْبَعَاً.

فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ، وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ رَكْعَتَيْنِ، وَمَعَ عُمَرَ رَكْعَتَيْنِ؛ وَمَعَ عُثْمَانَ صَدْرَاً مِنْ إِمَارَتِهِ، ثُمَّ أَتَمَّهَا؛ زَادَ مِنْ هَا هُنَا عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، ثُمَّ تَفَرَّقَتْ بِكُمُ الطُّرُقُ فَلَوَدِدْتُ أَنْ لِي مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ رَكْعَتَيْنِ مُتَقَبَّلَتَيْنِ.

قَالَ الْأَعْمَشُ، فَحَدَّثَنِي مُعَاوِيَةَ بْنُ قُرَّةَ، عَنْ أَشْيَاخِهِ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ صَلَّى أَرْبَعَاً، قَالَ: فَقِيلَ لَهُ: عِبْتَ عَلَى عُثْمَانَ ثُمَّ صَلَّيْتَ أَرْبَعَاً؟

قَالَ: «الْخِلَافُ شَرٌّ».

وروى البَزَّارُ عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْـمَكَانِ رَكْعَتَيْنِ؛ ثُمَّ إِنَّ الصَّلَاةَ أُقِيمَتْ، فَصَلَّى خَلْفَ عُثْمَانَ أَرْبَعَاً؛ فَقُلْتُ: أَنَسِيتَ؟

قَالَ: لَا، وَلَكِنَّ الْخِلَافَ شَرٌّ.

لَقَدِ اخْتَلَفُوا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، وَلَكِنْ مَا هَجَرَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، وَلَا فَسَّقَهُ، وَلَا بَدَّعَهُ، وَلَا كَفَّرَهُ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ صَدَقَ قَوْلُ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: تَعَلَّمْنَا الْإِيمَانَ قَبْلَ أَنْ نَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ، ثُمَّ تَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ فَازْدَدْنَا بِهِ إِيمَانَاً، وَإِنَّكُمُ الْيَوْمَ تَعَلَّمُونَ الْقُرْآنَ قَبْلَ الْإِيمَانِ.

نَحْنُ اليَوْمَ أُوتِينَا القُرْآنَ وَالعِلْمَ قَبْلَ الإِيمَانِ، فَحَلَّ بِنَا مَا حَلَّ، حَتَّى صَارَ الخِلَافُ في الفُرُوعِ مُفْسِدَاً لَنَا، مَعَ أَنَّ السَّلَفَ الصَّالِحَ قَالُوا لَنَا: الاخْتِلَافُ في الفُرُوعِ لَا يُفْسِدُ للوُدِّ قَضِيَّةً.

الاخْتِلَافُ في الفُرُوعِ مِنْ زَمَنِ الصَّحَابَةِ إلى يَوْمِنَا هَذَا، وَلَكِنْ مَا سَمِعْنَا في زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ مَنْ يُكَفِّرُ الآخَرِينَ، أَو يُفَسِّقُهُمْ، أَو يُبَدِّعُهُمْ، لِأَنَّهُمْ أُوتُوا الإِيمَانَ أَوَّلَاً.

فَكَمْ نَحْنُ اليَوْمَ بِحَاجَةٍ إلى الإِيمَانِ حَتَّى نَتْرُكَ هَوَانَا لِمَا جَاءَ بِهِ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

كَمْ نَحْنُ اليَوْمَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى المَجَالِسِ الإِيمَانِيَّةِ التي تُعِينُنَا على أَنْفُسِنَا الأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ؟

كَمْ نَحْنُ اليَوْمَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى أَنْ يَقُولَ بَعْضُنَا كَمَا كَانَ يَقُولُ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ لِبَعْضِهِمْ: «اجْلِسْ بِنَا نُؤْمِنْ سَاعَةً» رواه الإمام البخاري عَنْ مُعَاذٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وروى الإمام أحمد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ إِذَا لَقِيَ الرَّجُلَ مِنْ أَصْحَابِهِ، يَقُولُ: تَعَالَ نُؤْمِنْ بِرَبِّنَا سَاعَةً.

فَقَالَ ذَاتَ يَوْمٍ لِرَجُلٍ، فَغَضِبَ الرَّجُلُ، فَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا تَرَى إِلَى ابْنِ رَوَاحَةَ يُرَغِّبُ عَنْ إِيمَانِكَ إِلَى إِيمَانِ سَاعَةٍ؟

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَرْحَمُ اللهُ ابْنَ رَوَاحَةَ، إِنَّهُ يُحِبُّ الْـمَجَالِسَ الَّتِي تَتَبَاهَى بِهَا الْـمَلَائِكَةُ».

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ زِيَادَةً في إِيمَانِنَا حَتَّى نَتَّبِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ظَاهِرَاً وَبَاطِنَاً بِدُونِ تَرَدُّدٍ. آمين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 10/ صفر الخير /1438هـ، الموافق:10/تشرين الثاني / 2016م

الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  مع الصحابة وآل البيت رضي الله عنهم

13-03-2020 1398 مشاهدة
170ـ موقف الفاروق رضي الله عنه من شارب الخمر

نَحْنُ اليَوْمَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى الوُقُوفِ أَمَامَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ ... المزيد

 13-03-2020
 
 1398
13-02-2020 1961 مشاهدة
169ـ هكذا كان أبو الدرداء رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

الحِرْصُ عَلَى الذُّرِّيَّةِ وَالأَوْلَادِ مَطْلَبٌ مِنْ مَطَالِبِ الشَّرِيعَةِ، لِأَنَّ الأَبَوَيْنِ مَسْؤُولَانِ عَنِ الذُّرِّيَّةِ، قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارَاً وَقُودُهَا النَّاسُ ... المزيد

 13-02-2020
 
 1961
23-01-2020 2597 مشاهدة
168ـ إسلام أبي الدرداء رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

إِنَّ اللهَ تعالى سَيَسْأَلُ عَنْ صُحْبَةِ سَاعَةٍ، فَهَلِ الوَاحِدُ مِنَّا حَرِيصٌ عَلَى صَاحِبِهِ يُذَكِّرُهُ بِاللهِ تعالى؟ لِأَنَّ الذي يَصْطَفي لِنَفْسِهِ صَاحِبَاً فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى حُبِّهِ لِصَاحِبِهِ، وَمَنْ أَحَبَّ صَاحِبَهُ في ... المزيد

 23-01-2020
 
 2597
16-01-2020 992 مشاهدة
167ـ الزبير نموذج للغني المسلم

لَقَدْ طَبَعَ اللهُ تعالى الإِنْسَانَ عَلَى حُبِّ المَالِ، وَجَعَلَهُ مِنِ زِينَةِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، قَالَ تعالى: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابَاً وَخَيْرٌ ... المزيد

 16-01-2020
 
 992
09-01-2020 1331 مشاهدة
166ـ حب سيدنا الزبير رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

إِنَّ حُبَّ اللهِ تعالى، وَحُبَّ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، يُعْطِيَانِ للإِنْسَانِ الكَمَالَ وَالشَّرَفَ وَالعِزَّةَ وَالرِّفْعَةَ وَالمَكَانَةَ، بَلْ يُعْطِيَانِ الُمؤْمِنَ القُدْرَةَ ... المزيد

 09-01-2020
 
 1331
03-01-2020 1028 مشاهدة
165ـ صاحب رسول الله منذ أن بعث

زِينَةُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَعُدَّةُ الزَّمَانِ بَعْدَ اللهِ تعالى الشَّبَابُ النَّاشِؤُونَ في طَاعَةِ رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ، الذينَ تَكَادُ أَنْ لَا تَعْرِفَ لَهُمْ زَلَّةً، أَو تُعْهَدَ عَنْهُمْ صَبْوَةٌ، الذينَ يَتَسَابَقُونَ في مَيَادِينِ ... المزيد

 03-01-2020
 
 1028

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3161
المكتبة الصوتية 4797
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 413940129
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :