دروس رمضانية 1438هـ
41ـ الوقوف مع أصحاب الحاجة
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ من أَزْكَى الأَعْمَالِ عِنْدَ اللهِ تعالى، ومن أَحَبِّهَا إلى الرَّحْمَنِ، ومن أَعْلاهَا شَرَفَاً، ومن أَكْرَمِهَا مُرُوءَةً، الإِحْسَانَ إلى الضُّعَفَاءِ والمَرْضَى وأَصْحَابِ الحَوَائِجِ واليَتَامَى والأَرَامِلِ والمَسَاكِينِ، والقِيَامَ على حَوَائِجِهِمْ.
قَالَ تعالى: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾.
وقَالَ تعالى: ﴿وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾.
وروى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُما، أَنَّ رَجُلَاً جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ وَأَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللهِ تَعَالَى أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللهِ تَعَالَى سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكَشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنَاً، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعَاً، وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخِ فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ ـ يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ ـ شَهْرَاً، وَمَنَ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ مَلأَ اللهُ قَلْبَهُ رَجَاءً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يَتَهَيَّأَ لَهُ أَثْبَتَ اللهُ قَدَمَهُ يَوْمَ تَزُولُ الأَقْدَامِ».
أَجْرُ الوُقُوفِ مَعَ أَصْحَابِ الحَاجَةِ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ أَجْرَ صَاحِبِ النِّعْمَةِ، وصَاحِبِ العَافِيَةِ، وصَاحِبِ الجَاهِ، عَظِيمٌ عِنْدَ اللهِ تعالى، لا يَعْرِفُهُ إلا مَن أَكْرَمَهُ اللهُ تعالى وأَطْلَعَهُ على حَدِيثِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ.
روى الإمام البخاري عَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: إِنَّمَا تَغَيَّبَ عُثْمَانُ عَنْ بَدْرٍ، فَإِنَّهُ كَانَتْ تَحْتَهُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ ـ السَّيِّدَةُ رُقَيَّةُ رَضِيَ اللهُ عَنها ـ وَكَانَتْ مَرِيضَةً.
فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «إِنَّ لَكَ أَجْرَ رَجُلٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرَاً وَسَهْمَهُ».
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ الوُقُوفَ بِجَانِبِ أَصْحَابِ الحَاجَاتِ، وخَاصَّةً في هذهِ الأَزْمَةِ التي تَمُرُّ بِبَلَدِنَا الحَبِيبِ، عُنْوَانٌ على الرَّحْمَةِ، وَقَد قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ» رواه الترمذي عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنهُما.
هَنِيئَاً لِمَنْ وَفَّقَهُ اللهُ تعالى لِتَقْدِيمِ العَوْنِ لأَصْحَابِ الحَاجَةِ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَنِيئَاً لِمَنْ وَفَّقَهُ اللهُ تعالى لِتَقْدِيمِ العَوْنِ لأَصْحَابِ الحَاجَةِ على قَدْرِ الاسْتِطَاعَةِ.
قَالَ ابْنُ رَجَبٍ في لَطَائِفِ المَعَارِفِ: وَكَانَ كَثِيرٌ من السَّلَفِ يَشْتَرِطُ على أَصْحَابِهِ في السَّفَرِ أَنْ يَخْدِمَهُمْ اغْتِنَامَاً لِأَجْرِ ذلكَ، مِنْهُم: عَامِرُ بْنُ عَبْدِ قَيْسٍ، وَعَمْرُو بْنُ عُتْبَةَ بْنُ فَرْقَدَ، مَعَ اجْتِهَادِهِمَا في العِبَادَةِ في أَنْفُسِهِمَا.
وَكَذَلِكَ كَانَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ يَشْتَرِطُ على أَصْحَابِهِ في السَّفَرِ الخِدْمَةَ و الأَذَانَ؛ وَكَانَ رَجُلٌ من الصَّالِحِينَ يَصْحَبُ إِخْوَانَهُ في سَفَرِ الجِهَادِ وَغَيْرِهِ، فَيَشْتَرِطُ عَلَيْهِم أَنْ يَخْدِمَهُمْ، فَكَانَ إِذَا رَأَى رَجُلَاً يُرِيدُ أَنْ يَغْسِلَ ثَوْبَهُ قَالَ لَهُ: هذا من شَرْطِي، فَيَغْسِلُهُ، وَإِذَا رَأَى مَن يُرِيدُ أَنْ يَغْسِلَ رَأْسَهُ قَالَ: هذا من شَرْطِي، فَيَغْسِلُهُ؛ فَلَمَّا مَاتَ نَظَرُوا في يَدِهِ فَإِذَا فِيهَا مَكْتُوبٌ: من أَهْلِ الجَنَّةِ، فَنَظَرُوا إِلَيْهَا فَإِذَا هِيَ كِتَابَةٌ بَيْنَ الجِلْدِ و اللَّحْمِ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كَانَ سَيِّدُنَا الحَسَنُ البَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى يَقُولُ: لَأَنْ أَقْضِيَ لِمُسْلِمٍ حَاجَةً أَحَبُّ إِلَيَّ من أَنْ أُصَلِّي أَلْفَ رَكْعَةٍ، ولَأَنْ أَقْضِيَ لِأَخٍ لِي حَاجَةً أَحَبُّ إِلَيَّ من أَنْ أَعْتَكِفَ شَهْرَيْنِ.
وروى الطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُما، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «وَمَن مَشَى مَعَ أَخِيهِ في حَاجَةٍ حَتَّى يُثْبِتَهَا لَهُ ثَبَّتَ اللهُ قَدَمَهُ يَوْمَ تَزُولُ الأَقْدَامُ».
وروى البيهقي عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما، أَنَّهُ كَانَ مُعْتَكِفَاً في مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، ثمَّ جَلَسَ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَا فُلان، أَرَاكَ كَئِيبَاً حَزِينَاً.
قَالَ: نَعَمْ يَا ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، لِفُلَانٍ عَلَيَّ حَقٌّ، لا وَحُرْمَةِ صَاحِبِ هذا القَبْرِ مَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَفَلَا أُكَلِّمُهُ فِيكَ؟
قَالَ: إِنْ أَحْبَبْتَ.
قَالَ: فَانْتَقَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ، ثمَّ خَرَجَ من المَسْجِدِ، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: أَنِسِيتَ مَا كُنْتَ فِيهِ؟
قَالَ: لا، وَلَكِنِّي سَمِعْتُ صَاحِبَ هذا القَبْرِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ والعَهْدُ بِهِ قَرِيبٌ فَدَمَعَتْ عَيْنَاهُ، وَهُوَ يَقُولُ: «مَن مَشَى في حَاجَةِ أَخِيهِ وَبَلَغَ فِيهَا كَانَ خَيْرَاً من اعْتِكَافِ عَـشْرِ سِنِينَ، وَمَن اعْتَكَفَ يَوْمَاً ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ تعالى جَعَلَ اللهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ ثَلَاثَ خَنَادِقَ أَبْعَدُ مَا بَيْنَ الخَافِقَيْنِ».
وروى ابن ماجه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «إِنَّ مِن النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ، وَإِنَّ مِن النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلـشَّرِّ مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ اللهُ مَفَاتِيحَ الْخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَ اللهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيْهِ».
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَقُولُ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: تَفَقَّدُوا إِخْوَانَكُمْ بَعْدَ ثَلَاثٍ، فَإِنْ كَانُوا مَرْضَى فَعُودُوهُم، أَو مَشَاغِيلَ فَأَعِينُوهُم، أَو كَانُوا نَسُوا فَذَكِّرُوهُم.
اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا سَبَبَاً ومِفْتَاحَاً لِكُلِّ خَيْرٍ، ولا تَجْعَلْنَا سَبَبَاً ومِفْتَاحَاً لأَيِّ شَرٍّ. آمين.
** ** **
تاريخ الكلمة:
الاثنين: 24/رمضان /1438هـ ، الموافق: 19/حزيران/ 2017م
اضافة تعليق |
ارسل إلى صديق |
يَا مَنْ أَقْعَدَكُمُ المَرَضُ عَنِ الصِّيَامِ وَالقِيَامِ، وَقُلُوبُكُمْ تَتَلَهَّفُ للصِّيَامِ وَالقِيَامِ، أَبْشِرُوا وَلَا تَحْزَنُوا، فَأَنْتُمْ في نِعْمَةٍ عَظِيمَةٍ وَرَبِّ الكَعْبَةِ، مَا دَامَتْ قُلُوبُكُمْ تَتَطَلَّعُ للصِّيَامِ ... المزيد
فِي خِتَامِ هَذَا الشَّهْرِ العَظِيمِ المُبَارَكِ، وَنَحْنُ نَتَحَدَّثُ عَنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى العَظِيمَةِ المُبَارَكَةِ، التي جَسَّدَتْ لَنَا بِوُضُوحٍ تَامٍّ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * ... المزيد
غَزْوَةُ بَدْرٍ الكُبْرَى فِيهَا دَرْسٌ عَمَلِيٌّ لِكُلِّ ظَالِمٍ، وَلِكُلِّ مَظْلُومٍ، وَكَأَنَّ لِسَانَ حَالِ الغَزْوَةِ يَقُولُ لِكُلِّ مَظْلُومٍ: اصْبِرْ وَصَابِرْ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَحِيدَ عَنْ جَادَّةِ الصَّوَابِ، فَالعَاقِبَةُ لَكَ، ... المزيد
مِنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى نَتَعَلَّمُ خُلُقَ التَّوَاضُعِ مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَكَيْفَ كَانَ يَتَعَامَلُ مَعَ أَصْحَابِهِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ. ... المزيد
يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾. وَيَقُولُ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ... المزيد
الزَّمَنُ يَمضِي ولا يَعُودُ، ولَيسَ هُناكَ شَيءٌ أسرَعُ من الزَّمَنِ، فهوَ لا يَتَوَقَّفُ، تَمُرُّ اللَّيالِي والأيَّامُ والشُّهُورُ والسَّنَوَاتُ على الإنسَانِ ويَنتَهِي وُجُودُهُ فِيها كَأَنَّهُ لم يَلبَثْ فِيها إلا سَاعَةً من الزَّمَنِ. ... المزيد