16-دروس رمضانية 1437هـ :كلما عظمت الشخصية عظم الأمل

16-دروس رمضانية 1437هـ :كلما عظمت الشخصية عظم الأمل

.

دروس رمضانية 1437هـ

16ـ كلما عظمت الشخصية عظم الأمل

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: المُؤْمِنُ بِاللهِ العَظِيمِ مُتَفَائِلٌ، لِأَنَّهُ على يَقِينٍ بِأَنَّ اللهَ تعالى لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ في الأَرْضِ وَلَا في السَّمَاءِ، أَمَّا العَبْدُ الفَاجِرُ فَهُوَ عَبْدٌ مُتَشَائِمٌ، لِأَنَّهُ لَا يَرَى في الوُجُودِ إلا الظَّلَامَ وَالتَّعَاسَةَ وَالشَّقَاءَ.

الإِيمَانُ بِاللهِ تعالى يُوَلِّدُ في نَفْسِ المُؤْمِنِ الأَمَلَ، وَاليَقِينُ عِنْدَهُ يُثَمِّرُ التَّفَاؤُلَ؛ وَجَدِيرٌ بِالإِنْسَانِ المُؤْمِنِ أَنْ يَكُونَ أَوْسَعَ النَّاسِ أَمَلَاً، وَأَكْثَرَهُمْ تَفَاؤُلَاً وَاسْتِبْشَارَاً، كَيْفَ لَا يَكُونُ هَكَذَا، وَاللهُ تعالى يَقُولُ: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾؟

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَكَثَ في مَكَّةَ ثَلَاثَةَ عَـشَرَ عَامَاً يَدْعُو القَوْمَ إلى اللهِ تعالى، جَابَهَ طَوَاغِيتَ الشِّرْكِ وَعُبَّادَ الأَوْثَانِ، وَدَعَاهُمْ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ، وَقَابَلُوهُ بِالاسْتِهْزَاءِ وَالسُّخْرِيَةِ وَالعَدَاءِ، وَقَابَلُوا أَصْحَابَهُ بِالإِيذَاءِ وَالتَّعْذِيبِ، كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يُضْعِفِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يُطْفِئْ مِنْ صَدْرِهِ الشَّرِيفِ الأَمَلَ، وَحِينَ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الأَمْرُ بَعْدَ عَوْدَتِهِ مِنَ الطَّائِفِ، قَالَ لِسَيِّدِنَا زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: «يَا زَيْدُ: إِنَّ اللهَ جَاعِلٌ لِمَا تَرَى فَرَجَاً وَمَخْرَجَاً، وَإِنَّ اللهَ نَاصِرٌ دِينَهُ وَمُظْهِرٌ نَبِيَّهُ» كَذَا في الرَّحِيقِ المَخْتُومِ.

وَكَذَلِكَ عِنْدَمَا اشْتَدَّ عَلَيْهِ الأَمْرُ يَوْمَ الهِجْرَةِ، قَالَ للصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: «مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا» رواه الشيخان عَنِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

التَّفَاؤُلُ صِفَةُ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: التَّفَاؤُلُ وَالأَمَلُ مِنْ صِفَاتِ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، الذينَ هُمْ قُدْوَةٌ وَأُسْوَةٌ لِأُمَمِهِمْ، كَيْفَ لَا يَكُونُ هَذَا وَصْفَهُمْ وَهُمْ يُعَلِّمُونَ الأُمَّةَ التَّوْحِيدَ، يُعَلِّمُونَ الخَلْقَ بِأَنَّ الفَاعِلَ الحَقِيقِيَّ في الوُجُودِ إِنَّمَا هُوَ اللهُ تعالى.

هَذَا سَيِّدُنَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، صَارَ شَيْخَاً كَبِيرَاً، وَلَمْ يُرْزَقْ بِوَلَدٍ، فَدَفَعَهُ حُسْنُ ظَنِّهِ بِاللهِ تعالى إلى أَنْ يَقُولَ: ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ﴾. فَاسْتَجَابَ اللهُ تعالى لَهُ، وَوَهَبَ لَهُ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ.

وَهَذَا سَيِّدُنَا يَعْقُوبُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، الذي فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَلَدِهِ سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَمِنْ بَعْدِهِ أَخَاهُ، مَا وَقَعَ في اليَأْسِ وَلَا القُنُوطِ، بَلْ كَانَ مُتَفَائِلَاً، وَصَرَّحَ بِدُونِ تَرَدُّدٍ قَائِلَاً: ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعَاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾. وَثِقَةٌ مُطْلَقَةٌ عَلَّمَهَا لِبَنِيهِ بِقَوْلِهِ لَهُمْ: ﴿يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾.

وَهَذَا سَيِّدُنَا أَيُّوبُ عَلَيْهِ السَّلَامُ الذي ابْتَلَاهُ اللهُ تعالى بِذَهَابِ الوَلَدِ وَالمَالِ وَالعَافِيَةِ، وَلَكِنَّهُ مَا يَئِسَ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ تعالى، لِأَنَّهُ على يَقِينٍ بِأَنَّ اللهَ تعالى أَرْحَمُ الرَّاحِمينَ،  قَالَ تعالى مُخْبِرَاً عَنْهُ: ﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كُلَّمَا عَظُمَتْ شَخْصِيَّةُ الإِنْسَانِ عَظُمَ أَمَلُهُ وَتَفَاؤُلُهُ، وَخَاصَّةً مِمَّنْ أَكْرَمَهُمُ اللهُ تعالى بِحَمْلِ رِسَالَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَهُمْ أَكْثَرُ  النَّاسِ أَمَلَاً وَتَفَاؤُلَاً، وَلَا يَعْرِفُونَ اليَأْسَ وَلَا التَّشَاؤُمَ، لِأَنَّ اليَائِسِينَ المُتَشَائِمِينَ فَاشِلُونَ في حَيَاتِهِمْ، لَا يَسْتَطِيعُونَ بِنَاءَ أُمَّةٍ قَوِيَّةٍ، لَا يَسْتَطِيعُونَ بِنَاءَ دِينٍ وَلَا دُنْيَا.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَهْمَا اشْتَدَّتْ هَذِهِ الأَزْمَةُ التي هِيَ في حَقِيقَتِهَا حَرْبٌ على الإِسْلَامِ وَالمُسْلِمِينَ، وَخَاصَّةً في بِلَادِ الشَّامِ المُبَارَكَةِ التي أَضافَهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِذَاتِهِ الشَّرِيفَةِ أَثْنَاءَ الدُّعَاءِ لَهَا بِقَوْلِهِ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا، وَفِي يَمَنِنَا» رواه الإمام البخاري عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا. لَنْ تَزْرَعَ اليَأْسَ فِينَا وَلَا القُنُوطَ، وَنَحْنُ على يَقِينٍ بِأَنَّ اللهَ تعالى غَالِبٌ على أَمْرِهِ، وَقَدْ بَشَّرَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزَّاً يُعِزُّ اللهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَذُلَّاً يُذِلُّ اللهُ بِهِ الْكُفْرَ» رواه الإمام أحمد عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: اليَأْسُ وَالقُنُوطُ مِنْ صِفَاتِ العَبْدِ الفَاجِرِ، لَا مِنْ صِفَاتِ العَبْدِ المُؤْمِنِ، روى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ والبيهقي عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّهُ قَالَ: الْكَبَائِرُ: الْإِشْرَاكُ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالْأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللهِ، وَالْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ، وَالْيَأْسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ.

اللَّهُمَّ فَرِّجْ عَنَّا مَا أَهَمَّنَا وَأَغَمَّنَا وَاشْفِ صُدُورَنَا. آمين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 8/ رمضان /1437هـ، الموافق: 13/ حزيران / 2016م

 2016-06-13
 549
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  دروس رمضانية

14-03-2024 332 مشاهدة
1-مواساة لأصحاب الأعذار في رمضان

يَا مَنْ أَقْعَدَكُمُ المَرَضُ عَنِ الصِّيَامِ وَالقِيَامِ، وَقُلُوبُكُمْ تَتَلَهَّفُ للصِّيَامِ وَالقِيَامِ، أَبْشِرُوا وَلَا تَحْزَنُوا، فَأَنْتُمْ في نِعْمَةٍ عَظِيمَةٍ وَرَبِّ الكَعْبَةِ، مَا دَامَتْ قُلُوبُكُمْ تَتَطَلَّعُ للصِّيَامِ ... المزيد

 14-03-2024
 
 332
26-05-2022 697 مشاهدة
28ـ غزوة بدر وحسرة المشركين

فِي خِتَامِ هَذَا الشَّهْرِ العَظِيمِ المُبَارَكِ، وَنَحْنُ نَتَحَدَّثُ عَنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى العَظِيمَةِ المُبَارَكَةِ، التي جَسَّدَتْ لَنَا بِوُضُوحٍ تَامٍّ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * ... المزيد

 26-05-2022
 
 697
26-05-2022 520 مشاهدة
27ـ غزوة بدر درس عملي لكل ظالم ومظلوم

غَزْوَةُ بَدْرٍ الكُبْرَى فِيهَا دَرْسٌ عَمَلِيٌّ لِكُلِّ ظَالِمٍ، وَلِكُلِّ مَظْلُومٍ، وَكَأَنَّ لِسَانَ حَالِ الغَزْوَةِ يَقُولُ لِكُلِّ مَظْلُومٍ: اصْبِرْ وَصَابِرْ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَحِيدَ عَنْ جَادَّةِ الصَّوَابِ، فَالعَاقِبَةُ لَكَ، ... المزيد

 26-05-2022
 
 520
29-04-2022 388 مشاهدة
26ـ غزوة بدر وتواضع القائد

مِنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى نَتَعَلَّمُ خُلُقَ التَّوَاضُعِ مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَكَيْفَ كَانَ يَتَعَامَلُ مَعَ أَصْحَابِهِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ. ... المزيد

 29-04-2022
 
 388
29-04-2022 825 مشاهدة
25ـ هنيئًا لكم أيها الصائمون القائمون

يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾. وَيَقُولُ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ... المزيد

 29-04-2022
 
 825
29-04-2022 951 مشاهدة
24ـ أقوام عاشوا عيش السعداء

الزَّمَنُ يَمضِي ولا يَعُودُ، ولَيسَ هُناكَ شَيءٌ أسرَعُ من الزَّمَنِ، فهوَ لا يَتَوَقَّفُ، تَمُرُّ اللَّيالِي والأيَّامُ والشُّهُورُ والسَّنَوَاتُ على الإنسَانِ ويَنتَهِي وُجُودُهُ فِيها كَأَنَّهُ لم يَلبَثْ فِيها إلا سَاعَةً من الزَّمَنِ. ... المزيد

 29-04-2022
 
 951

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3161
المكتبة الصوتية 4797
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 413983232
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :