395ـ خطبة الجمعة: إيذاء المؤمن إيذاء لسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ
مقدمة الخطبة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيَا عِبَادَ اللهِ، من تَوفِيقِ اللهِ تعالى لِعَبدِهِ وسَعَادَتِهِ كَفُّ الأَذَى عن المُسلِمِينَ، الذي هوَ سَبَبٌ لِدُخُولِهِ الجَنَّةَ، روى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ، وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ، فَأَخَّرَهُ، فَشَكَرَ اللهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ».
ومن شَقَاوَةِ اللهِ تعالى لِعَبدِهِ عَدَمُ مُبَالاتِهِ في إيصَالِ الضَّرَرِ والأَذَى للنَّاسِ، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْـمُؤْمِنِينَ وَالْـمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً﴾.
أَذِيَّةُ غَيرِ المُسلِمِينَ حَرَامٌ، فَكَيفَ بالمُسلِمِينَ؟
يَا عِبَادَ اللهِ، إنَّ أَذِيَّةَ المُسلِمِينَ بِأَيِّ شَكلٍ من الأَشكَالِ، وبِأَيِّ وَسِيلَةٍ كَانَت حَرَامٌ، وهيَ نَزْغَةٌ من نَزَغَاتِ الشَّيطَانِ، وهيَ دَلِيلٌ على عَدَمِ مُرَاقَبَةِ اللهِ تعالى، وكَيفَ لا يَكُونُ هذا حَرَامَاً، وقد حَرَّمَ عَلَينَا الشَّرعُ الشَّرِيفُ إيذَاءَ غَيرِ المُسلِمِينَ؟
روى أبو داود عن صَفْوَانِ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَبْنَاءِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، عَنْ آبَائِهِمْ دِنْيَةً ـ لاصِقِي النَّسَبِ ـ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِداً، أَو انْتَقَصَهُ ـ أي: نَقَّصَ حَقَّهُ ـ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أي: مِمَّا لا يَجِبُ عَلَيهِ شَرعَاً ـ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئاً بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ، فَأَنَا حَجِيجُهُ ـ يَعنِي خَصمَهُ ومُحَاجَّهُ ومُغَالِبَهُ ـ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
وروى الإمام البخاري عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْروٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ قَتَلَ نَفْساً مُعَاهَداً لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَاماً».
حُرمَةُ المُسلِمِ حُرمَةٌ عَظِيمَةٌ:
يَا عِبَادَ اللهِ، الإنسَانُ المُسلِمُ في دِينِنَا لَهُ حُرمَةٌ عَظِيمَةٌ في كُلِّ شَيءٍ يَتَّصِلُ بِهِ، وفي كُلِّ أمرٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ، ولَيسَت حُرمَتُهُ مَقصُورَةً على إزهَاقِ رُوحِهِ فَحَسْبُ، فهيَ من أَعظَمِ الحُرَمِ، ومن أَشَدِّ ما وَرَدَ فِيهِ الوَعِيدُ، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً﴾. لم يَرِدْ في القُرآنِ وَعِيدٌ مُغَلَّظٌ شَدِيدٌ مِثلَ ما وَرَدَ في قَتْلِ مُؤمِنٍ بِغَيرِ حَقٍّ.
يَا عِبَادَ اللهِ، المُتَأَمِّلُ في دِينِ اللهِ عزَّ وجلَّ يَجِدُ الإسلامَ حَذَّرَ كُلَّ التَّحذِيرِ من إيذَاءِ المُسلِمِ ولو في أَدنَى شَيءٍ، روى الشيخان عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا كُنْتُمْ ثَلَاثَةً فَلَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الْآخَرِ، حَتَّى تَخْتَلِطُوا بِالنَّاسِ، مِنْ أَجْلِ أَنْ يُحْزِنَهُ». إذا كَانَ مُجَرَّدُ إدخَالِ الحُزنِ على المُسلِمِ بالمُنَاجَاةِ دُونَهُ حَرَامٌ، فَكَيفَ بِسَلْبِ مَالِهِ؟ وكَيفَ بالتَّفرِيقِ بَينَهُ وبَينَ أَحِبَّتِهِ؟ وكَيفَ بِتَيتِيمِ أَبنَائِهِ وتَرمِيلِ نِسَائِهِ؟ وكَيفَ......وكَيفَ.....؟
إيذَاءُ المُسلِمِ إيذَاءٌ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
يَا عِبَادَ اللهِ، إيذَاءُ المُسلِمِ بِأَيِّ صُورَةٍ من صُوَرِ الإيذَاءِ جَرِيمَةٌ كُبرَى، فإيذَاؤُهُ إيذَاءٌ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وإيذَاءُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إيذَاءٌ للهِ تعالى، روى الطَّبَرَانِيِّ في الأوسَطِ الصَّغِيرِ عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قال: «مَن آَذَى مُسلِمَاً فَقَد آَذَانِي، ومَن آَذَانِي فَقَد آَذَى اللَه».
يَا عِبَادَ اللهِ، لقد صَارَت هذهِ الأَزمَةُ مُبَرِّرَاً لِكَثِيرٍ من النَّاسِ لإيذَاءِ المُسلِمِينَ بِصُوَرٍ شَتَّى من الإيذَاءِ، وخَاصَّةً للمُستَضعَفِينَ الذينَ لا يَجِدُونَ لَهُم نَاصِرَاً لَهُم إلا اللهَ تعالى، لِيَسمَعْ أَصحَابُ الإيذَاءِ بِأَيِّ نَوعٍ من أَنوَاعِ الأَذَى حَدِيثَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي رواه الطَّبَرَانِيُّ في الأوسَطِ والصَّغِيرِ عَن عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَقُولُ اللهُ: اِشتَدَّ غَضَبِي على من ظَلَمَ مَن لا يَجِدُ لَهُ نَاصِرَاً غَيرِي».
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
يَا عِبَادَ اللهِ، اِحذَرُوا إيذَاءَ المُسلِمِينَ، لأنَّ أَذِيَّةَ المُسلِمِ من أَربَى الرِّبَا عِندَ اللهِ تعالى، روى الإمام أحمد عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مِنْ أَرْبَى الرِّبَا الِاسْتِطَالَةُ فِي عِرْضِ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حَقٍّ» يَعنِي استِطَالَةُ الرَّجُلِ باللِّسَانِ في عِرضِ صَاحِبِهِ.
وفي رِوَايَةِ البَيهَقِيِّ عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنها قَالَت: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِأَصحَابِهِ: «أَخبِرُونِي مَا أَربَى الرِّبَا؟».
قَالُوا: اللهُ ورَسُولُهُ أَعلَمُ.
قَالَ: «فَإِنَّ أَربَى الرِّبَا عِندَ اللهِ عزَّ وجلَّ استِحلَالُ عِرضِ المُسلِمِ» ثمَّ قَرَأَ: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْـمُؤْمِنِينَ وَالْـمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً﴾.
ويَقُولُ سَيِّدُنَا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عنهُ: من أَدَّى الأَمَانَةَ، وكَفَّ عن أَعرَاضِ المُسلِمِينَ، فهوَ الرَّجُلُ.
يَا عِبَادَ اللهِ، أُنَاشِدُكُمُ اللهَ تعالى، ونَحنُ نَعِيشُ هذهِ الأَزمَةَ التي فَضَحَت ضِعَافَ الإيمَانِ فَآذَوُا المُسلِمِينَ أَشَدَّ أَنوَاعِ الإيذَاءِ، أُنَاشِدُكُمُ اللهَ تعالى، كُونُوا سَبَبَاً في جَمْعِ كَلِمَةِ المُسلِمِينَ وتَآلُفِهِم، كُونُوا سَبَبَاً في الإصلاحِ بَينَ أَفرَادِ الأُمَّةِ، ولا تَكُونُوا سَبَبَاً في تَفرِيقِهِم وإفسَادِهِم، فما بالأُمَّةِ اليَومَ من تَمزِيقٍ وتَفرِيقٍ وفَسَادٍ كَافٍ، وَلَيسَتِ الأُمَّةُ اليَومَ بِحَاجَةٍ إلى مَزِيدٍ من الفُرقَةِ، بل حَاجَتُهَا إلى الأُلفَةِ والوَحدَةِ والتَّعَاوُنِ على الخَيرِ ودَفْعِ الشَّرِّ عن هذا البَلَدِ.
اللَّهُمَّ وَحِّدْ كَلِمَتَنَا على الهُدَى والدِّينِ، واقطَعْ دَابِرَ المُفسِدِينَ، ولا تُشمِتْ بِنَا عَدُوَّاً ولا حَاسِدِينَ. آمين.
أقُولُ هَذا القَولَ، وأستَغفِرُ اللهَ لِي ولَكُم، فَاستَغفِرُوهُ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
** ** **
تاريخ الخطبة:
الجمعة: 12/شوال /1435هـ، الموافق: 8/آب / 2014م
اضافة تعليق |
ارسل إلى صديق |
لَقَدْ أَكْمَلَ اللهُ تعالى وَأَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْنَا بِهَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ، وَعَظُمَتْ نِعْمَةُ اللهِ تعالى عَلَيْنَا إِذْ فَرَضَ عَلَيْنَا الحَجَّ في العُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً، للمُسْتَطِيعِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَمِنَ ... المزيد
أَتَوَجَّهُ إلى السَّادَةِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، لِأَقُولَ لَهُمْ: هَنيئًا لَكُمْ يَا مَنْ لَبَّيْتُمْ أَمْرَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ ... المزيد
إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد
هَا نَحْنُ في عِيدِ الفَطْرِ الذي جَاءَنَا بَعْدَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرِ القُرْآنِ شَهْرِ الصِّيَامِ وَالقُرْآنِ، لَقَدْ كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ مُذَكِّرًا لَنَا بِالنِّعْمَةِ العُظْمَى التي أَنْقَذَتِ البَشَرِيَّةَ مِنَ الضَّلَالِ ... المزيد
هَا هُوَ الضَّيْفُ الكَرِيمُ يُلَوِّحُ بِالرَّحِيلِ، تَمْضِي أَيَّامُهُ مُسْرِعَةً كَأَنَّهَا حُلُمٌ جَمِيلٌ، مَا أَحْلَى أَيَّامَكَ يَا أَيُّهَا الضَّيْفُ الكَرِيمُ، وَمَا أَمْتَعَ صِيَامَكَ، لَقَدْ ذُقْنَا فِيكَ لَذَّةَ الإِيمَانِ، وَحَلَاوَةَ ... المزيد
شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ هُوَ شَهْرُ القُرْآنِ، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ هُوَ وَاللهِ بِمَثَابَةِ الرُّوحِ للجَسَدِ، وَالنُّورِ للهِدَايَةِ، فَمَنْ لَمْ يَقْرَأِ القُرْآنَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، فَهُوَ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ. وَإِنَّهُ لَمِنَ ... المزيد