.
دروس رمضانية 1437هـ
3ـ خصائص شهر رمضان
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدِ خَصَّ اللهُ تعالى شَهْرَ رَمَضَانَ بِخَصَائِصَ حِسَانٍ لَا تُوجَدُ في شَهْرٍ غَيْرِهِ، مِنْ هَذِهِ الخُصُوصِيَّاتِ مَا رواه البيهقي عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أُعْطِيَتْ أُمَّتِي فِي شَهْرِ رَمَضَانَ خَمْسَاً لَمْ يُعْطَهُنَّ نَبِيٌّ قَبْلِي؛ أَمَّا وَاحِدَةٌ: فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ نَظَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِمْ، وَمَنْ نَظَرَ اللهُ إِلَيْهِ لَمْ يُعَذِّبْهُ أَبَدَاً؛ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ: فَإِنَّ خُلُوفَ أَفْوَاهِهِمْ حِينَ يُمْسُونَ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ؛ وَأَمَّا الثَّالِثَةُ: فَإِنَّ الْـمَلَائِكَةَ تَسْتَغْفِرُ لَهُمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ؛ وَأَمَّا الرَّابِعَةُ: فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَأْمُرُ جَنَّتَهُ فَيَقُولُ لَهَا: اسْتَعِدِّي وَتَزَيَّنِي لِعِبَادِي أَوْشَكَ أَنْ يَسْتَرِيحُوا مِنْ تَعَبِ الدُّنْيَا إِلَى دَارِي وَكَرَامَتِي؛ وَأَمَّا الْخَامِسَةُ: فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ آخِرُ لَيْلَةٍ غَفَرَ لَهُمْ جَمِيعَاً».
فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أَهِيَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ؟
فَقَالَ: «لَا، أَلَمْ تَرَ إِلَى الْعُمَّالِ يَعْمَلُونَ، فَإِذَا فَرَغُوا مِنْ أَعْمَالِهِمْ وُفُّوا أُجُورَهُمْ».
يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ جَمِيعَاً:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هُنَاكَ أَصْنَافٌ مِنَ النَّاسِ يَنْظُرُ اللهُ تعالى إِلَيْهِم نَظْرَةَ رَحْمَةٍ، وَمَنْ نَظَرَ اللهُ تعالى إِلَيْهِ لَا يَشْقَى أَبَدَاً؛ مِنْ جُمْلَةِ الذينَ يَنْظُرُ اللهُ تعالى إِلَيْهِمْ الصَّائِمُونَ، الذينَ صَامَتْ جَوَارِحُهُمْ عَنْ مَحَارِمِ اللهِ تعالى، وَمَنْ نَظَرَ اللهُ تعالى إِلَيْهِ لَا يُعَذِّبُهُ.
وَهُنَاكَ أَصْنَافٌ مِنَ النَّاسِ لَا يَنْظُرُ اللهُ تعالى إِلَيْهِمْ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ ـ قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ: وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ ـ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: شَيْخٌ زَانٍ، وَمَلِكٌ كَذَّابٌ، وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ».
وروى أَيْضَاً عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ».
قَالَ: فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ مِرَارَاً.
قَالَ أَبُو ذَرٍّ: خَابُوا وَخَسِرُوا، مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟
قَالَ: «الْـمُسْبِلُ، وَالْـمَنَّانُ، وَالْـمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ».
خُلُوفُ أَفْوَاهِ الصَّائِمِينَ أَطْيَبُ مِنْ رِيحِ المِسْكِ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ خَصَائِصِ هَذَا الشَّهْرِ العَظِيمِ المُبَارَكِ أَنَّ خُلُوفَ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ المِسْكِ، وَالخُلُوفُ هُوَ تَغْيِيرُ رَائِحَةِ الفَمِ بِسَبَبِ خُلُوِّ المَعِدَةِ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَهَذَا تَكْرِيمٌ للصَّائِمِ مَا بَعْدَهُ تَكْرِيمٌ، وَذَلِكَ بِبَرَكَةِ الطَّاعَةِ للهِ عَزَّ وَجَلَّ.
روى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ المِسْكِ».
وَلَكِنْ هَذَا لَا يَمْنَعُ مِنْ أَنْ يَتَسَوَّكَ الإِنْسَانُ وَهُوَ صَائِمٌ، لِمَا روى الترمذي عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَا لَا أُحْصِي يَتَسَوَّكُ وَهُوَ صَائِمٌ.
وَالأَوْلَى أَنْ يَقْتَصِرَ المُسْلِمُ على السِّوَاكِ إلى مَا قَبْلَ الظُّهْرِ، وَيَدَعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، لِمَا روى البَزَّارُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا صُمْتُمْ فَاسْتَاكُوا بِالْغَدَاةِ وَلَا تَسْتَاكُوا بِالْعَشِيِّ، فَإِنَّ الصَّائِمَ إِذَا يَبِسَتْ شَفَتَاهُ كَانَ لَهُ نُورٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ.
المَلَائِكَةُ تَسْتَغْفِرُ للصَّائِمِينَ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ خَصَائِصِ هَذَا الشَّهْرِ العَظِيمِ المُبَارَكِ أَنَّ المَلَائِكَةَ الكِرَامَ يَسْتَغْفِرُونَ للصَّائِمِينَ المُؤْمِنِينَ الطَّائِعِينَ، قَالَ تعالى: ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمَاً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾. وَالمَحْرُومُ مَنْ حُرِمَ اسْتِغْفَارَ المَلَائِكَةِ وَدُعَاءَهُمْ.
اسْتِعْدَادُ الجَنَّةِ للصَّائِمِينَ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ خَصَائِصِ هَذَا الشَّهْرِ العَظِيمِ المُبَارَكِ أَنَّ الجَنَّةَ تَسْتَعِدُّ وَتَتَزَيَّنُ للصَّائِمِينَ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ: «فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَأْمُرُ جَنَّتَهُ فَيَقُولُ لَهَا: اسْتَعِدِّي وَتَزَيَّنِي لِعِبَادِي أَوْشَكَ أَنْ يَسْتَرِيحُوا مِنْ تَعَبِ الدُّنْيَا إِلَى دَارِي وَكَرَامَتِي». فَالصَّائِمُ الحَقُّ مَوْتُهُ رَاحَةٌ لَهُ، وَغَيْرُهُ مَوْتُهُ رَاحَةٌ مِنْهُ وَالعِيَاذُ باللهِ تعالى، الصَّائِمُ الحَقُّ مَوْتُهُ رَاحَةٌ لَهُ مِنْ تَعَبِ الدُّنْيَا وَنَصَبِهَا إلى دَارِ كَرَامَةِ اللهِ تعالى لَهُ.
يُغْفَرُ للصَّائِمِينَ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ خَصَائِصِ هَذَا الشَّهْرِ العَظِيمِ المُبَارَكِ أَنَّ اللهَ تعالى يَغْفِرُ للصَّائِمِينَ في آخِرِ شَهْرِ رَمَضَانَ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ: «فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ آخِرُ لَيْلَةٍ غَفَرَ لَهُمْ جَمِيعَاً».
فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أَهِيَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ؟
فَقَالَ: «لَا، أَلَمْ تَرَ إِلَى الْعُمَّالِ يَعْمَلُونَ، فَإِذَا فَرَغُوا مِنْ أَعْمَالِهِمْ وُفُّوا أُجُورَهُمْ».
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: السَّعِيدُ المُوَفَّقُ الذي يَغْتَنِمُ هَذَا الشَّهْرَ العَظِيمَ المُبَارَكَ، وَيَكْفِي للعَامِلِينَ في هَذَا الشَّهْرِ قَوْلُهُ تعالى: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.
فَيَا بَاغِيَ الخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِمَا تُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ. آمين.
** ** **
تاريخ الكلمة:
الثلاثاء: 2/ رمضان /1437هـ، الموافق: 7/حزيران / 2016م
اضافة تعليق |
ارسل إلى صديق |
يَا مَنْ أَقْعَدَكُمُ المَرَضُ عَنِ الصِّيَامِ وَالقِيَامِ، وَقُلُوبُكُمْ تَتَلَهَّفُ للصِّيَامِ وَالقِيَامِ، أَبْشِرُوا وَلَا تَحْزَنُوا، فَأَنْتُمْ في نِعْمَةٍ عَظِيمَةٍ وَرَبِّ الكَعْبَةِ، مَا دَامَتْ قُلُوبُكُمْ تَتَطَلَّعُ للصِّيَامِ ... المزيد
فِي خِتَامِ هَذَا الشَّهْرِ العَظِيمِ المُبَارَكِ، وَنَحْنُ نَتَحَدَّثُ عَنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى العَظِيمَةِ المُبَارَكَةِ، التي جَسَّدَتْ لَنَا بِوُضُوحٍ تَامٍّ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * ... المزيد
غَزْوَةُ بَدْرٍ الكُبْرَى فِيهَا دَرْسٌ عَمَلِيٌّ لِكُلِّ ظَالِمٍ، وَلِكُلِّ مَظْلُومٍ، وَكَأَنَّ لِسَانَ حَالِ الغَزْوَةِ يَقُولُ لِكُلِّ مَظْلُومٍ: اصْبِرْ وَصَابِرْ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَحِيدَ عَنْ جَادَّةِ الصَّوَابِ، فَالعَاقِبَةُ لَكَ، ... المزيد
مِنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى نَتَعَلَّمُ خُلُقَ التَّوَاضُعِ مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَكَيْفَ كَانَ يَتَعَامَلُ مَعَ أَصْحَابِهِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ. ... المزيد
يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾. وَيَقُولُ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ... المزيد
الزَّمَنُ يَمضِي ولا يَعُودُ، ولَيسَ هُناكَ شَيءٌ أسرَعُ من الزَّمَنِ، فهوَ لا يَتَوَقَّفُ، تَمُرُّ اللَّيالِي والأيَّامُ والشُّهُورُ والسَّنَوَاتُ على الإنسَانِ ويَنتَهِي وُجُودُهُ فِيها كَأَنَّهُ لم يَلبَثْ فِيها إلا سَاعَةً من الزَّمَنِ. ... المزيد