632ـ خطبة الجمعة: خطورة الكذب على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مقدمة الخطبة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فَيَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ حُبَّ النَّاسِ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ دَفَعَهُمْ لِقَبُولِ مَا يُرْوَى عَنْهُ دُونَ تَثَبُّتٍ، لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ الحَدِيثُ يُحَرِّكُ عَوَاطِفَهُمْ وَمَشَاعِرَهُمْ، وَيُرَتِّبُ عَلَى العَمَلِ القَلِيلِ الأَجْرَ الكَبِيرَ.
يَا عِبَادَ اللهِ: هَلْ يُعْقَلُ مِنَ الإِنْسَانِ المُحِبِّ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَقَوَّلَ عَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ يَقُلْ؟
هَلْ يُعْقَلُ مِنَ الإِنْسَانِ المُحِبِّ أَنْ يَكْذِبَ عَلَى مَحْبُوبِهِ؟
هَلْ يُعْقَلُ مِنَ الإِنْسَانِ المُحِبِّ أَنْ يُكَّذَبَ اللهُ وَرَسُولُهُ بِسَبَبِهِ؟
خُطُورَةُ الكَذِبِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
يَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ صِدْقَ المَحَبَّةِ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَدْفَعُ المُحِبَّ إلى الغَيْرَةِ عَلَيْهِ، وَإلى أَنْ يَكُونَ حَرِيصَاً كُلَّ الحِرْصِ عَلَى صِحَّةِ النَّقْلِ عَمَّنْ يُحِبُّ، وَإِلَّا وَقَعَ في خُطُورَةِ الكَذِبِ عَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ القَائِلِ: «إِنَّ كَذِبَاً عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ، فَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدَاً، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» رواه الشيخان عَنِ المُغِيرَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَالقَائِلِ: «مَنْ يَقُلْ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» رواه الإمام البخاري عَنْ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَالقَائِلِ: «مَنْ حَدَّثَ عَنِّي حَدِيثَاً وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الكَاذِبِينَ» رواه الترمذي عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
يَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَا يُخْشَى عَلَى الأُمَّةِ الكَذِبَ عَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَالافْتِرَاءَ عَلَيْهِ، قَالَ تعالى: ﴿انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمَاً مُبِينَاً﴾. فَبَيَّنَ اللهُ تعالى أَنَّ الكَذِبَ مِنْ أَكْبَرِ الكَبَائِرِ وَالذُّنُوبِ وَالخَطَايَا.
إِذَا كَانَ الكَذِبُ عَلَى النَّاسِ كَبِيرَةً مِنَ الكَبَائِرِ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ عَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَسَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّابَاً» رواه الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
يَا عِبَادَ اللهِ: الكَذِبُ بِشَكْلٍ عَامِّ صِفَةٌ ذَمِيمَةٌ ترفَّعَ عَنْها العَرَبُ في الجَاهِلِيَّةِ، فَكَيْفَ في الإِسْلَامِ؟ وَكَيْفَ إِذَا كَانَ الكَذِبُ عَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟
هَذَا سَيِّدُنَا أَبُو سُفْيَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَرْفُضُ الكَذِبَ عَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ إِسْلَامِهِ، عِنْدَمَا سَأَلَهُ هِرَقْلُ عَنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: قُلْ لِأَصْحَابِهِ: إِنِّي سَائِلٌ هَذَا الرَّجُلَ عَنِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، فَإِنْ كَذَبَ فَكَذِّبُوهُ؟
قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَاللهِ لَوْلَا الحَيَاءُ يَوْمَئِذٍ، مِنْ أَنْ يَأْثُرَ أَصْحَابِي عَنِّي الكَذِبَ، لَكَذَبْتُهُ حِينَ سَأَلَنِي عَنْهُ، وَلَكِنِّي اسْتَحْيَيْتُ أَنْ يَأْثُرُوا الكَذِبَ عَنِّي، فَصَدَقْتُهُ. رواه الإمام البخاري عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
تَثَبَّتُوا في قَبُولِ الحَدِيثِ وَنَقْلِهِ:
يَا عِبَادَ اللهِ: شَأْنُ المُحِبِّ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ التَّثَبُّتُ في قَبُولِ الحَدِيثِ الشَّرِيفِ قَبْلَ نَقْلِهِ وَبَثِّهِ للآخَرِينَ، روى أبو داود عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ جَالِسَاً فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الْأَنْصَارِ، فَجَاءَ أَبُو مُوسَى فَزِعَاً، فَقُلْنَا لَهُ: مَا أَفْزَعَكَ؟
قَالَ: أَمَرَنِي عُمَرُ أَنْ آتِيَهُ، فَأَتَيْتُهُ، فَاسْتَأْذَنْتُ ثَلَاثَاً، فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي، فَرَجَعْتُ، فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَأْتِيَنِي؟
قُلْتُ: قَدْ جِئْتُ فَاسْتَأْذَنْتُ ثَلَاثَاً فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلَاثَاً فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِعْ».
قَالَ: لَتَأْتِيَنَّ عَلَى هَذَا بِالْبَيِّنَةِ.
فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: لَا يَقُومُ مَعَكَ إِلَّا أَصْغَرُ الْقَوْمِ، قَالَ: فَقَامَ أَبُو سَعِيدٍ مَعَهُ فَشَهِدَ لَهُ.
نَعَمْ يَا عِبَادَ اللهِ، هَذَا شَأْنُ المُحِبِّ، سَيِّدُنَا عُمَرُ وَاللهِ لَا يَشُكُّ في صِدْقِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، وَلَكِنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتَثَبَّتَ مِنَ الرِّوَايَةِ؛ وَلْيُعَلِّمَ الأُمَّةَ كَيْفَ يَكُونُ النَّقْلُ عَنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:
يَا عِبَادَ اللهِ: نَصِيحَتِي لِنَفْسِي وَلِكُلِّ طَالِبِ عِلْمٍ، وَلِكُلِّ خَطِيبٍ، وَلِكُلِّ نَاقِلٍ لِأَحَادِيثِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَخَاصَّةً عَلَى مَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ، أَنْ لَا يَقُولَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَتَبَيَّنَ وَيَعْلَمَ مَنْ أَخْرَجَ الحَدِيثَ، وَمَنْ رَوَاهُ؟ وَهَلْ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَمْ ضَعِيفٌ، أَمْ مَوْضُوعٌ؟
لِأَنَّ الكَذِبَ عَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَبِيرَةٌ مِنَ الكَبَائِرِ، وَعُقُوبَةُ الكَذَّابِ عَلَيْهِ أَنَّهُ في النَّارِ، لِأَنَّ الكَذِبَ عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هُوَ كَالكَذِبِ عَلَى اللهِ تعالى، فَكَلَامَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ زَكَّاهُ اللهُ تعالى ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾.
فَالحَذَرَ الحَذَرَ مِنَ النَّقْلِ دُونَ التَّثَبُّتِ، لِأَنَّ المُحِبَّ الصَّادِقَ لَا يَنْقُلُ عَنْ مَحْبُوبِهِ إِلَّا مَا كَانَ صَحِيحَاً.
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِمَا يُرْضِيكَ عَنَّا. آمين.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
** ** **
تاريخ الخطبة:
الجمعة: 14/ ربيع الثاني /1440هـ، الموافق: 21/ كانون الأول / 2018م
اضافة تعليق |
ارسل إلى صديق |
لَقَدْ أَكْمَلَ اللهُ تعالى وَأَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْنَا بِهَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ، وَعَظُمَتْ نِعْمَةُ اللهِ تعالى عَلَيْنَا إِذْ فَرَضَ عَلَيْنَا الحَجَّ في العُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً، للمُسْتَطِيعِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَمِنَ ... المزيد
أَتَوَجَّهُ إلى السَّادَةِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، لِأَقُولَ لَهُمْ: هَنيئًا لَكُمْ يَا مَنْ لَبَّيْتُمْ أَمْرَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ ... المزيد
إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد
هَا نَحْنُ في عِيدِ الفَطْرِ الذي جَاءَنَا بَعْدَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرِ القُرْآنِ شَهْرِ الصِّيَامِ وَالقُرْآنِ، لَقَدْ كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ مُذَكِّرًا لَنَا بِالنِّعْمَةِ العُظْمَى التي أَنْقَذَتِ البَشَرِيَّةَ مِنَ الضَّلَالِ ... المزيد
هَا هُوَ الضَّيْفُ الكَرِيمُ يُلَوِّحُ بِالرَّحِيلِ، تَمْضِي أَيَّامُهُ مُسْرِعَةً كَأَنَّهَا حُلُمٌ جَمِيلٌ، مَا أَحْلَى أَيَّامَكَ يَا أَيُّهَا الضَّيْفُ الكَرِيمُ، وَمَا أَمْتَعَ صِيَامَكَ، لَقَدْ ذُقْنَا فِيكَ لَذَّةَ الإِيمَانِ، وَحَلَاوَةَ ... المزيد
شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ هُوَ شَهْرُ القُرْآنِ، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ هُوَ وَاللهِ بِمَثَابَةِ الرُّوحِ للجَسَدِ، وَالنُّورِ للهِدَايَةِ، فَمَنْ لَمْ يَقْرَأِ القُرْآنَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، فَهُوَ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ. وَإِنَّهُ لَمِنَ ... المزيد